شهدت سوق الماشية والأغنام الحية في مصر انتعاشاً ملحوظاً مع اقتراب عيد الأضحى، بحسب مربين ومتابعين للسوق تحدث إليهم "النهار العربي"، مقارنة بالأعوام الماضية. وجاءت اتجاهات الأسعار مخالفة للمعتاد في هذه المناسبة الدينية التي يقبل خلالها المسلمون على ذبح الحيوانات للأضاحي والصدقات، إذ انخفضت بدلاً من أن ترتفع كما يحدث في أغلب الأعوام.
ويقول رئيس شعبة الجزارين (القصابين) بالغرفة التجارية في القاهرة مصطفى محمد وهبة لـ"النهار العربي" إن "تزايد عدد مربي الأغنام والماشية في المنازل ساهم في جعل العرض يفوق الطلب خلال عيد الأضحى الحالي، ما أدى دوراً في انخفاض الأسعار خلال الأيام القليلة الماضية".
وربما ما أثر كذلك على أسعار الأنعام الحية، إعلان وزارة التموين والتجارة الداخلية ضخ قرابة 30 ألف رأس ماشية قبل أيام قليلة من العيد، وتعرض تلك اللحوم التي يستورد معظمها من الخارج بأسعار مخفضة مقارنة بثمنها في محلات الجزارة الخاصة والمتاجر الكبرى. كما أن تراجع القدرة الشرائية لكثير من المصريين ساهم في تقليل الطلب على اللحوم.
ومع ارتفاع الأسعار نتيجة موجة الغلاء الكبيرة التي شهدتها مصر مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه خلال السنوات الأخيرة، ورغم توفر اللحوم في المجمعات الاستهلاكية والمنافذ التابعة للدولة بأسعار مخفضة، إلا أن نسبة غير قليلة من المواطنين، تقدر بملايين الأفراد، لا يستطيعون شراء تلك اللحوم، ما يجعل العمل الخيري هو سبيلهم الوحيد للحصول على اللحوم في عيد الأضحى.
الكثير من المصريين لم يعودوا قادرين على شراء اللحوم
الخير مستمر
يؤكد كثير من منسقي المبادرات الخيرية في مصر على تراجع قدرة المتبرعين على تقديم الأموال لأعمال البر، فيما اضطر البعض إلى التوقف تماماً عن المشاركة بعد انخفاض قدراته المالية نتيجة الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
وتقول منسقة مبادرة "إطعام" إيمان عبد الهادي لـ"النهار العربي": "كان البعض يتبرع بعجل كامل، لكنه الآن يتبرع بربع عجل، ورغم تراجع القدرات المالية للكثير من المتبرعين، إلا أن أغلبهم يصر على المساهمة في تخفيف أعباء غير القادرين".
وتضيف: "لم أيأس، وأواصل التواصل مع المتبرعين، وأبحث عن أفضل الأسعار حتى أوفر اللحوم للناس الذين أعلم جيداً أنهم لن يتذوقونها إلا إذا قدمت لهم مجاناً. إنه عمل شاق، لكن فرحتهم حين يحصلون على هذه السلعة التي بتنا نسميها "عزيزة"، تجعلني أشعر بسعادة غامرة. فرحتهم تساوي الكثير بالنسبة لي، إذ تخفف عناء العمل مهما كان مجهداً".
وتعمل عبد الهادي مع المتطوعين الآخرين في المبادرة للبحث عن التجار الذين يوفرون الأغنام والماشية بأسعار مخفضة، ويشرفون بأنفسهم على كافة الخطوات، بداية من الشراء وحتى الذبح ثم تقطيع اللحوم وتعبئتها، ومن ثم توزيعها على المستحقين.
يعمل المتطوعون في المبادرة على شراء الماشية وتوزيع لحومها بأنفسهم
زيادة المعروض
يقول رئيس شعبة الجزارين: "أسعار الأضاحي انخفضت خلال الأيام الماضية، وكذلك أسعار اللحوم، والسبب في ذلك هو زيادة العرض عن الطلب، وقد ساهم في هذه الزيادة الإنتاج الإضافي الذي يوفره المربون في منازلهم".
ويشير إلى أن "موجة الغلاء بقيت على وتيرتها شبه مستقرة خلال العامين الأخيرين، ولم ترتفع كثيراً مثلما حدث في السنوات الماضية، لذا فإن إقبال الناس لم يتراجع".
ويتوقع وهبة أن يرتفع الطلب على الحيوانات الحية واللحوم خلال عيد الأضحى الحالي، ويوضح أن "هذا التوقع سببه انخفاض الأسعار بنحو 20 إلى 30 جنيهاً مصرياً للكيلو الواحد (الدولار يساوي 47.7 جنيهاً تقريباً)".
انخفضت أسعار اللحوم نسبياً في الأسواق خلال الأيام القليلة الماضية
دوران الإنتاج
من جانبه، يقول مربي الأغنام والتاجر محمد سامي لـ"النهار العربي": "اتجاه الكثير من الناس لتربية الأغنام والماشية في المنزل ساهم تعزيز المعروض من الأضاحي، كما أنه لعب دوراً مهماً في انخفاض الأسعار".
وأوضح أن "المربي المنزلي يعتمد على أعلاف محلية، وليست مستوردة من الخارج بالدولار، ويهتم بتغذية حيواناته حتى تنتج لحوماً جيدة، ولا يهتم كثيراً بزيادة وزنها، لأن جودة اللحوم تعطيه سمعة طيبة، لذا لا يلجأ مثل بعض المزارع إلى وضع عقاقير وهرمونات لزيادة وزنها".
ويضف سبباً آخر لانخفاض سعر الحيوانات التي تُربّى منزلياً: "لو أن لدي 100 خروف، وبعت 50 منها، سوف أتساهل في سعر ما تبقى لدي، لأنني أود أن أبيعها سريعاً، حتى أشتري دفعة جديدة من الخراف الصغيرة لأقوم بتربيتها. بقاء الخراف الكبيرة بعد العيد وهي تأكل وتشرب يعد خسارة بالنسبة لي".