في عام 2017 انطلقت عمليات تطوير واسعة في مدينة إسنا التاريخية في صعيد مصر، وتحولت المدينة الرابضة على ضفاف نهر النيل إلى حال أفضل بكثير مما كانت عليه؛ فمن شوارع رثة مهملة، ومعابد وبيوت تراثية تكسوها الأتربة، إلى مدينة مزدهرة تنبض بالحياة، بعدما طالت يد الحفظ والترميم كثيراً من معالمها وتراثها.
تقع مدينة إسنا في محافظة الأقصر، وتبعد عن القاهرة نحو 720 كيلومتراً جنوباً. تشتهر بمعبدها الأثري، الذي تكرس لعبادة الإله خنوم (جُسّد في هيئة إنسان ورأس كبش)، وقد استغرقت عمليات تشييد المعبد ونقوشه نحو 400 عام؛ إذ تم الانتهاء منه عام 250 ميلادية.
ويخضع معبد إسنا حالياً لعمليات ترميم وتطوير من قبل وزارة السياحة والآثار، كما يطال التطوير معالم أخرى من المدينة تُنفذ من خلال مشروع "الاستثمار في السياحة المستدامة والمتكاملة بمدينة إسنا" (VISIT-Esna)، الذي تنفذه مؤسسة "تكوين" لتنمية المجتمعات المتكاملة، بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار، ووزارة التعاون الدولي، ومحافظة الأقصر، وبدعم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID).
يتضمن VISIT-Esna مرحلتين رئيسيتين، الأولى بدأت منذ عام 2017 حتى 2020، والثانية انطلقت منذ 2020 ومستمرة حتى الآن، بحسب ما يقول لـ"النهار العربي" مدير البرامج في "تكوين" محسن ميخائيل.
تتميز مدينة إسنا بالمواقع الأثرية والبيوت التراثية
تنمية متكاملة
يتبنى القائمون على مشروع تطوير إسنا نهجاً شاملاً قائماً على التجديد الحضري المتكامل لوسط المدينة التاريخي، بهدف تعزيز نموذج السياحة الثقافية المستدامة والمتكاملة التي تعيد مدينة إسنا على الخريطة السياحية.
يهدف تطوير إسنا إلى جعلها مدينة تقدم تجربة سياحة متكاملة، فنجد أن ثمّة اهتماماً خاصاً بالتفاصيل التي توفر للسائح تجربة فريدة، بداية من وصوله المدينة حتى مغادرتها، فنلحظ اهتماماً بتطوير الفنادق والبازارات والمطاعم والحمامات العامة، فضلاً عن تأهيل وتوعية الأهالي والعاملين في النشاط السياحي بشأن كيفية التعامل مع السياح.
يدخل توثيق الطعام الإسناوي ضمن حفظ التراث اللا مادي
ويقول ميخائيل إن "التطوير يتم وفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة تكوين لفهم متطلبات السوق السياحية وتلبيتها عبر عملية التطوير. تتم العملية بإشراك المجتمع المحلي أيضاً في كل الخطوات، حتى يستفيد أفراده من التطوير ويحققوا دخلاً مادياً منه"، لافتاً إلى أن "المشروع يكثف الترويج للمدينة عبر منصات التواصل الاجتماعي، ونهدف في النهاية إلى وضع إسنا على خريطة السياحة العالمية".
ويمكن إيجاز أهداف التطوير بـ: الحفاظ على أصول التراث الثقافي المادي وغير المادي للمدينة، وتطوير منتجات سياحية عالية العائد، وتعزيز وجود المدينة كوجهة سياحية فريدة ورئيسية؛ مما يؤدي إلى زيادة عائدات السياحة والفوائد الاقتصادية المحلية، بما في ذلك زيادة فرص العمل والاستثمار في قطاع السياحة الثقافية في إسنا.
تشتهر إسنا بلعبة التحطيب وتدخل ضمن التراث اللا مادي
ما تم إنجازه
من بين المهام العديدة التي عمل عليها المشروع؛ ترميم البيوت التراثية، ومن بينها على سبيل المثال استراحة الملك فاروق، وبعد الانتهاء من عملية الترميم يتم تسليمها للمالك، الذي يكون في الأغلب وزارة السياحة والآثار. "لكن هناك مسار نسلكه مع هذه البيوت يتمثل في إعادة استخدامها مجدداً في أنشطة ثقافية وفنية"، حسبما يقول ميخائيل.
من بين المعالم والمواقع التراثية التي عمل المشروع على تطويرها، وكالة الجداوي (أنشئت عام 1792)؛ حيث فتحت أبوابها أمام الجمهور لأول مرة منذ عام 1951 بفضل الترميم، إلى جانب تطوير سوق شارع القيسارية التقليدي، وأعمال التطوير المستمرة للخدمات في معبد خنوم، والتطوير المستمر لمنطقة سوق إسنا. كما تم ترميم 14 مبنى ذي أهمية معمارية، من بينها معصرة الزيت العتيقة (بكور)، التي تعود للقرن التاسع عشر.
يقول مدير البرامج إنّ "التطوير لا يقتصر فقط على الآثار والموروثات الملموسة، مثل الخدمات بالمعبد، وتطوير الوكالة وغيرهما، لكنه يمتد أيضاً إلى التراث غير المادي، مثل العادات والتقاليد، والمأكولات والأزياء الشعبية".
ويتضمن المشروع 26 ملمحاً من التراث الثقافي غير المادي في إسنا مثل لعبة التحطيب، وبعض الحرف اليدوية مثل النول، وصناعة الخوص، والحفر على الخشب، والأختام، والملابس التقليدية النسائية. وتم توثيق أكثر من 33 وصفة طعام تقليدية من خلال مسابقة "مطبخ إسنا" بمشاركة 56 سيدة محلية.
أخيراً، وبفضل هذا التطوير، يمكن لزائر إسنا، اليوم، خوض غمار تجربة سياحية ممتعة، سواء خلال الجولات النهارية أو الليلية؛ حيث يمكنه الاستمتاع بالتجول مع مرشدين سياحيين محليين مدربين من قبل مشروع VISIT-Esna، والاستمتاع بأطباق إسنا التقليدية الشهيرة مثل شوربة العدس، والقرطم، والويكة (البامية المجففة)، وسخينة السمك، ومشروبات الكركديه وغيرها.