يثير التقرير الصادر عن الأمم المتحدة أخيراً عن دور أفريقيا الوسطى كمصدر لتجنيد المقاتلين، تساؤلات عن وضع الحدود السودانية مع دول الجوار، ومدى قدرة الجيش السوداني على ضبطها، في ظلّ تصريحات رسمية سابقة تؤكّد مشاركة مسلحين أجانب في الحرب الدائرة في السودان، وسط انقسام في مساحات السيطرة، وتعمّد كل طرف التركيز على المساحات القريبة من الحدود.
أشار تقرير لجنة الخبراء المكلّفين من مجلس الأمن الدولي لمراقبة العقوبات، أن منطقة أم دافوق تعدّ مركزاً لوجستياً يتحرّك المسلحون عبرها بسهولة لصالح قوات الدعم السريع، التي "جنّدت عناصر في صفوف جماعات مسلحة بأفريقيا الوسطى"، ما يطرح تساؤلات عن أوضاع الحدود.
وجاء ذلك متزامناً مع ترحيل السلطات المصرية نحو 700 سوداني دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية، بحسب معلومات صحافية. وكان لافتاً ما قالته مصادر سودانية لـ"النهار العربي" عن رفض الخرطوم فتح معبر أدري الحدودي مع تشاد لدخول المساعدات الإنسانية، بناءً على طلب وكالة التنمية الأميركية، على الرغم من أن المعبر خارج السيطرة الفعلية للخرطوم. غير أن المصادر أشارت أنه وفقاً للمعاهدات الدولية، فإن قرار استعمال البوابة الحدودية منوط بالسلطة المعترف بها دولياً، أي الحكومة السودانية، ما يعني أن أي جهة أخرى تجعل الخطوات باطلة.
حدود مع سبع دول
يتشارك السودان الحدود مع سبع دول، أطولها مع جنوب السودان بنحو 2000 كيلومتر؛ تليها الحدود الغربية مع تشاد بطول 1403 كيلومترات؛ ثم شمالاً مع مصر بطول 1276 كيلومتراً، وشرقاً تمتد المسافة الفاصلة مع إثيوبيا 700 كيلومتر، ومع إريتريا 605 كيلومترات. أما أقصر حدود السودان مع دول الجوار فهي غرباً مع أفريقيا الوسطى، وطولها 174 كيلومتراً، فيما يبلغ طول الحدود مع ليبيا 382 كيلومتراً.
وكثيراً ما شهدت المعابر البرية إقفالاً متكرّراً، كما حصل مع الجانب الإريتري في عام 2018، غداة توتر سياسي وأمني، ليعيد قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان فتح الحدود بعد أشهر من اندلاع الحرب الأخيرة. كما فشل العديد من الاتفاقيات بين الخرطوم وأديس أبابا منذ سبعينيات القرن الماضي في ترسيم الحدود، لتتكرّر عمليات الفتح والإغلاق بصورة مستمرة، خصوصاً بسبب النزاع على منطقة الفشقة.
تصاعد هذا النزاع بعد أزمة سدّ النهضة والحرب في إقليم تيغراي، وصولاً إلى استدعاء السودان سفيره في أثيوبيا بعد مقتل عدد من جنوده برصاص الجيش الإثيوبي.
تضمّ الحدود السودانية مع مصر وليبيا أكثر الممرات غير النظامية، رغم الإجراءات الأمنية المشدّدة. وكثيراً ما سجّلت منظمات حقوقية أنباء عن عمليات تهريب وإتجار بالبشر من السودان إلى ليبيا، وحالات وفيات بسبب الجوع والعطش في الصحراء جراء عمليات التسلل نحو مصر.
من يسيطر على الحدود اليوم؟
يقول الناشط الميداني أواب منير لـ"النهار العربي" إن تحكّم أي طرف بحدود السودان البرّية صعب جداً، فهي ممتدة ومتداخلة وتتباين التضاريس فيها. يضيف: "تغطي الصحارى مساحات واسعة جداً من جغرافيا السودان شمالاً، لذا تكون الحركة فيها سهلة للعارفين بشعابها، وعاديٌّ أن يكون هناك مسالك بعيدة من عيون الحكومة".
ويكشف أواب أن الحدود المصرية خاضعة بالكامل لسيطرة الجيش السوداني، ومثلها المنافذ مع إريتريا وإثيوبيا. أما الحدود غرباً مع ليبيا، فيصفها أواب بـ"المنطقة الرمادية" مع وجود عسكري للجيش. يقول: "الممرات الحدودية التابعة لولايات جنوب دارفور وشرقها خاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، وتتشارك الحدود مع جنوب السودان وأفريقيا الوسطى، وقد أصبحت مركزاً للتجنيد واستقطاب المقاتلين. أما الجيش فيطبّق السيطرة في الجزء الجنوبي الشرقي، في بعض مناطق جنوب كردفان والنيل الأزرق".
في أقصى الغرب بولاية غرب دارفور، يخضع المعبر الحدودي مع تشاد في منطقة أدري لسيطرة قوات الدعم السريع، بحسب أواب، "ولم تعد الطرق الشمالية نحو شمال دارفور آمنة نحو تشاد وجزء من جنوب غرب ليبيا، بسبب عمليات القوات المشتركة للحركات المسلحة، وهو ما يفسّر محاولات فتح خطوط إمداد جديدة عبر منطقة أم دافوق وأفريقيا الوسطى".
خاصرة رخوة
يصف الكاتب والباحث في الشأن الأفريقي عثمان ود أحمد وضع أفريقيا الوسطى بالخاصرة الرخوة للسودان، "فبينما تتركّز السلطة في قبضة جهة محدّدة في كل بلد، تشهد الجارة الجنوبية الغربية انفلاتاً أمنياً وسياسياً جعلها أرضاً خصبة للميليشيات المسلحة لمختلف دول الجوار".
يضيف عثمان لـ"النهار العربي": "رغم أن الانتخابات في عام 2016 أعادت شيئاً من الاستقرار، إلّا أن الحكومة لا تملك السيطرة على كل مساحات البلاد. ومع رزوح نحو 72 في المئة من السكان تحت خط الفقر، يسهل تجنيد المسلحين ونقلهم إلى ساحات القتال في الحرب السودانية".
ويكشف عثمان عمّا يصفه بأنه "أبعد من الهشاشة الأمنية"، مشيراً إلى دور الحكومة وعلاقتها بقوات الدعم السريع حين أبرمت جمهورية أفريقيا الوسطى معها اتفاقاً للتصدّي لمتمردي "الجبهة الشعبية لنهضة أفريقيا الوسطى" المعارضة للحكم في عام 2022، مقابل منح محمد حمدان دقلو (حميدتي) استثمارات في مناجم الذهب.
يقول: "واضح أن الخرطوم تعلم بما يجري، والدليل دعمها نور الدين آدم، زعيم الجبهة الشعبية لنهضة أفريقيا الوسطى، ورفيقه علي داراسا، وهما معارضان شرسان لسلطة بانغي. وواضح أن الاستخبارات السودانية تلمّ بالشأن الأفريقي، وتعاطي الحركات المسلحة معها. وربما يكون هناك مساع من السلطة هناك لتدارك الأمر، لكن الاتفاقات مع قوات الدعم السريع تكبّل أفريقيا الوسطى أكثر من عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي".