مع أن أهرامات الجيزة تحظى بسحرها الخاص، إلا أن "الهرم الأسود" لا يزال يثير انبهار كثيرين. وعلى رغم أنه يقع في منطقة دهشور على بعد قرابة 270 كيلومتراً من أهرامات الجيزة - وهي منطقة نائية وشبه مهجورة - إلا أن وجود قمته الفريدة التي تحيط بها أساطير وألغاز عدة في المتحف المصري في القاهرة، يجعل ذلك الهرم شبه المندثر يخطف الأنظار بين الحين والآخر كأنه اكتشاف أثري جديد.
وقد عاد "الهرم الأسود" للأضواء مجدداً، خلال الأيام القليلة الماضية، بعد نشر بعض الصفحات بمواقع التواصل الاجتماعي تدوينات عنه لقيت تفاعلاً واسعاً، وشارك بعض المعلقين صوراً التقطوها، وتعليقات تعبر عن إعجابهم الشديد بقمته الصخرية المنقوشة برسومات وحروف هيروغليفية بديعة.
Capstone (Pyramidion) of the Black Pyramid at Dashur (1850 BC), also known as Pyramid of King Amenemhat III (1860-1814 BC), 12th Dynasty during Middle Kingdom, ancient Egypt. It was discovered in 1900 AD, during archaeological excavations, by then-director of Department of… pic.twitter.com/qOPL3u909J
— Archaeo - Histories (@archeohistories) June 17, 2024
ويقول كبير الأثريين لدى وزارة السياحة والآثار المصرية الدكتور مجدي شاكر لـ"النهار العربي": "لقد أقام أمنمحات الثالث هرماً له في دهشور يعرف اليوم بالهرم الأسود، نظرا للسواد الشديد في الطوب اللبن الذي شيد منه".
ويضيف: "يبلغ ارتفاع الهرم ما يناهز 81 متراً، ويقع بين هرم سنفرو الجنوبي، وقرية دهشور، علي مشارف الأراضي الزراعية بالقرية"، لافتاً إلى أن "الهرم كان مكسواً بالحجر الجيري، وتعلوه قمة هرمية من حجر البازلت الأسود، معروضة الآن بالمتحف المصري" .
قمة "فضائية"
لا يأتي الانبهار بقمة "الهرم الأسود" من فراغ، فتلك التحفة التي يسميها خبراء الآثار "الهريم"، تعد لغزاً حير العلماء لعقود طويلة، ويقول البعض إن لها تأثيراً نفسياً مثيراً للدهشة، يستشعره من يقتربون منها، ويعتقد بعض العلماء أنها لا تنتمي لكوكب الأرض.
وعن هذا يقول كبير الأثريين: "هذه القمة الهرمية مصنوعة من الحجر الأسود، ولكنه ليس حجراً عادياً، فمكوناته ليس لها مثيل في كوكبنا، وقد ذكر بعض العلماء أن الحجر الأسود "الحديدي" لا يكون إلا بالفضاء في النيازك الهابطة من الفضاء، فهو حجر حديدي صلد جداً، صعب التشكيل والحفر، ومع هذا فهو ليس صعب الكسر".
ويشير شاكر إلى أحد التساؤلات المطروحة: "كيف تم نقش تلك الرسومات الدقيقة جداً على أوجه الهريم الصلب؟ وجد العلماء استحالة استخدام أي أداه سواء قديمة أو حديثة لنحت تلك النقوش، إلا إذا تم استخدام الليزر".
ثمة لغز آخر يتحدث عنه، ويقول إن "ثمة من ذكر أن تركيبة الحجر الأسود الحديدي النيزكي تتمتع ببث طاقة كهرومغناطيسية موجبة في محيطه، ما يجعل كل من يقترب منه يشعر بالراحة النفسية".
أمنمحات الثالث
بنى "الهرم الأسود" واحدٌ من أهم ملوك مصر القديمة، ويقول شاكر عنه "إنه "أمن م حات ني-ماعت-رع"، والإسم "أمنمحات"، ويعني "آمون في المقدمة"، واسم العرش "ني-ماعت-رع" يعني "المنتسب لعدالة رع"، وقد توفي قرابة عام 1797 قبل الميلاد، وهو الحاكم المصري السادس في الأسرة الثانية عشرة في عصر المملكة الوسطى.
هرم امنمحات المعروف باسم "الهرم الأسود"
ورع هو إله الشمس عند قدماء المصريين، وكان أحد الآلهة الرئيسية في الديانة القديمة التي كان يعتنقها المصريون قبل التاريخ.
حكم أمنمحات مصر عام 1844 قبل الميلاد حتى وافته المنية. وقد كان ابناً للملك سنوسرت الثالث من الملكة نفر-حنت، واعتبر واحداً من أبرز ملوك المملكة الوسطى (2040- 1640 قبل الميلاد)، أما جده فكان الملك سنوسرت الثاني.
وعند نهاية عهده وضع حكماً ثنائياً مع خليفته وابنه "أمنمحات الرابع"، وجاء على ذكر هذا الأمر نقش عثر عليه بجزيرة كونوسو في النوبة، جنوبي مصر. لقد تمتّعت الدولة في عصره بنمو اقتصادي، وعاشت فترة من السلام، على ما يقول كبير الأثريين المصريين.
طور أمنمحات الثالث منطقة الفيوم، واستخدم مناجم ومحاجر شبه جزيرة سيناء وجنوب مصر لتحقيق أهداف جيدة، كما أحكم سيطرته على السلطة في البلاد.
ويقول شاكر: "في سيناء اكتُشف 49 نصاً تتعلق بعصره، في موقع سرابيط الخادم، مع نصوص أخرى عثر عليها في وادي مغارة ووادي النصب. وفي الأصل، أقام قدماء المصريين مخيمات موسمية في مثل هذه المواقع المنجمية، لكن في عصر أمنمحات الثالث أقيمت مستوطنات دائمة، وزودها بمرافق عدة، مثل: المقرات السكنية، والتحصينات الدفاعية، والآبار، والجبانات".
وبينما يشير خبراء الآثار إلى الكثير من الأعمال الاقتصادية والعسكرية المهمة التي قام بها أمنمحات الثالث، تبقى قمة "الهرم الأسود" القابعة في المتحف المصري تذكرنا بهذا الملك المصري القديم، وتسلط الضوء على حياته الثرية وتستحضره بيننا كأنها بلورة سحرية نرى من خلالها جزءاً من حضارتنا الإنسانية في حقبة ما قبل التاريخ.