تتمدد الحرب السودانية مجدداً نحو مدن بقيت بعيدة نسبياً عن الصراع. ومع سيطرة قوات الدعم السريع على عاصمة ولاية غرب كردفان، تتجه الأنظار إلى مصير المنطقة الغنية بحقول النفط، وكذلك إلى الحاضنة الاجتماعية والارتباطات القبلية في موقع تختلط فيه المجموعات العربية والنوبية والأفريقية.
عمليات خاطفة ونزوح
فقد أكدت مصادر محلية لـ"النهار العربي" سيطرة الدعم السريع على مدينة الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان، بعد مواجهات وصفت بالخاطفة، وانتهت إلى انسحاب الجيش من حاميته الرئيسية ومقار اللواء 91 مشاة التابع للفرقة 22 في إقليم كردفان، بالإضافة لمقر حكومة الولاية، معلنة تسمية العقيد التاج التجاني حاكماً لغرب كردفان. وتحدثت المصادر عن عمليات نزوح كثيف الى مدينة النهود والأضية، بينما تمكنت نسبة قليلة من الوصول إلى مدينة بابنوسة. كما أشارت لانتشار محدود للجيش في الفولة لم يكن قادراً على صد الهجوم الناري العالي، ما سهل عملية اقتحام المدينة. وطيلة الشهور الستة الماضية، لم تتمكن قوات الدعم من الاستيلاء على أي ولاية جديدة أو عاصمتها منذ سقوط ولاية الجزيرة ومدينة ود مدني بعد انسحاب مفاجئ للقوات الحكومية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
ومنذ شباط (فبراير) الفائت، دخلت ولاية غرب كردفان على خط الصراع، بعدما تزايدت هجمات الدعم السريع على الفرقة 22 مشاة في مدينة بابنوسة، ما دفع القوات النظامية لإرسال مزيد من التعزيزات العسكرية التي تمكنت من صد محاولات "الدعم" إسقاط آخر نقطة عسكرية كبرى للجيش في المنطقة، لاسيما بعد خسارة الأخير لأربع ولايات في إقليم دارفور المتاخم.
وتقع الولاية جنوب غرب إقليم كردفان، حيث تجاورها شرقاً جنوب كردفان ذات التنوع القبلي النوبي وانتشار قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال التابعة لعبد العزيز الحلو، أما جنوباً فتحدها دولة جنوب السودان، وشمالاً تجاور ولاية شمال دارفور وكذلك شمال كردفان. وتتشارك مع جنوب دارفور الحدود الغربية.
وتعد المنطقة شديدة الأهمية الاستراتيجية باعتبارها تضم معظم حقول النفط، أهمها حقل بليلة، ومنه تنطلق أنابيب النقل وصولاً إلى ميناء بشاير على البحر الأحمر بهدف التصدير، وبالإضافة لحجم الإنتاج الزراعي الكثيف من السمسم والفول السوداني والذرة، يساهم موقعها على الحدود مع جنوب السودان بتنشيط عمليات التبادل التجاري بشكل واسع. يضاف لذلك حجم التنوع القبلي بين قبائل موالية للدعم السريع وأخرى توالي الجيش النظامي، وكلاهما يتداخلان مع مجموعات في شمال كردفان وجنوب دارفور، وهو ما يجعل تهديد باقي مدن غرب كردفان بمثابة جرس إنذار لخطر الاقتتال القبلي في ظل المواجهات في الفاشر المجاورة.
النفط ومخاوف جنوب السودان
يصف الخبير الميداني حسين تاج الدين ما يجري في الفولة بـ"الخطير"، نظراً لوجود حقول النفط بالمنطقة، ما يسمح لقوات الدعم السريع بتوفير إمدادات الوقود للمقاتلين في دارفور والتوسع حتى شمال كردفان والنيل الأبيض، على حد قوله. بيد أن عادل يلفت في حديث لـ"النهار العربي" إلى نقطة لا تقل أهمية، قائلاً إن "السيطرة على الفولة تعني تهديد الفرقة 22 ببابنوسة، وفي الوقت نفسه تعني الاقتراب أكثر من خطوط النفط مع جنوب السودان. ولعل جوبا قلقة أكثر حيال المورد الأساسي لاقتصادها، ما يمكن أن يدفعها لمزيد من التفاهمات مع قوات الدعم السريع، بدلاً من العلاقة مع حكومة بورتسودان".
ويكشف الباحث عن "مخاوف في جنوب السودان من امتداد الصراع وتدفق الأسلحة نحو منطقة أبيي المتنازع عليها بين الخرطوم وجوبا، لا سيما في ظل التوتر العرقي بين المجموعات السكانية، وهو ما يعني مزيداً من الضغوط على الدولة الجارة التي لا تزال تعيش حالة من عدم الاستقرار الأمني، وتخشى من وصول نار الحرب لها".
الحاضنة الشعبية في الولاية
الباحث والناشط محمد إبراهيم له تفسير مغاير حيال أهمية ما يجري في الفولة وغرب كردفان. فإحدى أكبر قبائل المنطقة وهي المسيرية تواجه انقساماً بين جزء موال للدعم السريع وأقلية تدعم الجيش. ولعل هذا ما يجعل الهدف الرئيسي لتمدد "الدعم" بحسب رأيه هو إبعاد القوات المسلحة عن عاصمة ولاية تسمح له بربط إقليم دارفور والشريط الحدودي جنوباً.
ويضيف لـ"النهار العربي": "هناك ما يشبه الانقسام في المسيرية بين مجموعات دفعت أبناءها للقتال في صفوف الدعم السريع، وهي عملياً ثاني أكبر المكونات القبلية موالاة لـ(قائد قوات الدعم محمد حمدان دقلو) حميدتي بعد الرزيقات، وأخرى دعمت الجيش. وبخسارة الأخير للمدينة ترجح كفة الحاضنة الشعبية الموالية للدعم، ما يثير خطر الاقتتال بين أبناء القبيلة الواحدة وهو أمر سيفتح باباً جديداً للحرب في البلاد."
ويلفت إبراهيم إلى لقاء جمع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان مؤخراً بقيادات من المسيرية ومعهم وفود قبلية من النوبة والفلايتة والداجو ودينكا، وهي مكونات اجتماعية من غرب كردفان من العرب والنوبة والافارقة. وهو ما أثار ضجة في أوساط البيئة الحاضنة لـ"الدعم"، خاصة في الرزيقات التي أعلن بعض زعمائها أن من التقوا البرهان يمثلون أنفسهم. وبرأي عادل "قد يكون هذا السبب أحد العوامل التي دفعت الدعم السريع للتقدم نحو الفولة لمزيد من الضغط على السكان وتعزيز الدعم القبلي".