استنفرت سلطة شرق ليبيا وأركانها للرد على اتهامات أطلقها مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس، خلال جلسة عُقدت لمجلس الأمن الأسبوع الماضي، بالتدخل في الصراع المشتعل في بلاده، والذي دخل عامه الثاني.
وتوج التحرك باستدعاء وزير الشؤون الأفريقية المفوض لدى حكومة الشرق الموازية عيسى مجيد منصور، القنصل العام السوداني عبد الرحمن محمد رحمة الله الخير إلى مكتبه في مدينة بنغازي.
ووفقاً لوكالة الأنباء الليبية (وال)، فقد طلب الوزير الليبي من القنصل السوداني نقل امتعاض الحكومة الليبية من تصريحات إدريس، التي وصفها بـ"غير المسؤولة" إلى الخارجية السودانية، مشيراً إلى أن الاتهامات "بُنيت على تقارير منظمات دولية أسهمت في إذكاء الصراعات في ليبيا والمنطقة، ومن بينها السودان الشقيق".
وشدد منصور على أن ليبيا "لا تتدخل في الشأن الداخلي للدول، ولا علاقة لها بكل الخلافات الداخلية الجارية في السودان، ولا تدعم أياً من طرفي الصراع فيها". وقدم مبادرة للوساطة في السودان.
وتطرق اللقاء إلى "دور الحكومة الموازية والجيش الوطني في استقبال نحو 400 ألف لاجئ سوداني في بلدية الكفرة، وتقديم كل الخدمات الإنسانية واللوجستية لهم، كونهم إخوة أشقاء"، وفق بيان يؤكد عزم القنصل السوداني نقل رسالة الوزير الليبي على الفور.
وجاء استدعاء القنصل السوداني بعد يوم من نشر تصريحات لقائد "الجيش الوطني الليبي" خليفة حفتر، خلال لقائه قادة عسكريين وعدداً من الضباط لمناسبة عيد الأضحى، نفى فيها بشدة تدخل قواته في شؤون الدول الأخرى، مؤكداً أن "الجيش الوطني" مُلتزم حسن الجوار، كما رحب بالسودانيين في "بلدهم الثاني ليبيا".
وأوضح حفتر أن "عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى منهج تلتزمه القوات المسلحة في تعاملها مع الدول المجاورة التي تحتم علاقتنا حسن الجوار معها، وأن نكون مع أول الحريصين على تعزيز هذه العلاقات، وهو ما دفعنا لأن نفتح حدودنا الجنوبية لمئات الآلاف من الأشقاء السودانيين وإيوائهم وتقديم كل سبل الراحة لهم، نقدم الغذاء والدواء والكساء وهذا واجبنا، فمرحباً بهم بين أهلهم في بلدهم ليبيا"، مشدداً على أن قواته تدعم "وحدة السودان وسلامة أراضيه"، داعياً "الأشقاء السودانيين إلى وقف الاقتتال والاحتكام إلى صوت العقل".
وكان مجلس النواب الليبي وحكومته المكلفة برئاسة أسامة حماد قد دخلا على الخط. وأكد المجلس في بيان رفضه واستغرابه الاتهامات التي وجهها مندوب السودان لدى الأمم المتحدة، "الذي زج باسم ليبيا في الصراع المسلح بين الأشقاء السودانيين في الوقت الذي فتحت فيه ليبيا رغم أوضاعها الصعبة ذراعيها للإخوة الأشقاء السودانيين". وعد البيان الاتهامات "باطلة"، داعياً "الإخوة السودانيين إلى إعلاء صوت العقل"، وجدد "الاستعداد لفتح حوار بينهم في ليبيا حقناً للدماء والإصلاح بين الإخوة الأشقاء".
وأكدت حكومة حماد أن "الجيش الوطني" ينأى بنفسه عن التدخل في شؤون السودان. وقالت في بيان، إن المندوب السوداني "حاول إبعاد الأنظار عن الفظائع الإنسانية التي ترتكب في السودان بإلقاء التهم جزافاً على بعض الدول، ومنها ليبيا، ناسباً لها ولجيشها دعم أحد الأطراف على حساب آخر". وحذرت "جميع الأطراف من الزج بليبيا وسلطاتها، بخاصة الأمنية والعسكرية، في هذا النزاع الداخلي، وعليهم تصفية حساباتهم بعيداً عن ليبيا وشعبها".
المحلل السياسي الليبي عمر أبو سعده أكد أن "ليبيا وقوات الجيش الوطني تقفان على الحياد في الصراع السوداني الداخلي الذي نتجت منه جرائم ضد الإنسانية نتمنى وقفها وأن يعود السودان موحداً ومستقراً". ورأى أن اتهامات السفير السوداني "تحمل أجندة سياسية لخلط الأوراق وتحميل مسؤولية الصراع السوداني والفشل في إدارة الدولة إلى طرف آخر ليس له علاقة بالأزمة". وأضاف لـ"النهار العربي": "على العكس، الصراع السوداني ألقى مسؤوليات إنسانية جسيمة على الجيش الوطني وحكومة حماد التي استقبلت أعداداً هائلة من النازحين، وبدلاً من تقديم الشكر على تلك الجهود يتم ترويج اتهامات لا دليل عليها".
واتفق المحلل السياسي أحمد التهامي مع أبو سعده على كون اتهامات المندوب السوداني هي "تصدير لأزمة بلاده بالإضافة إلى محاولة للضغط على الجيش الوطني حتى ينحاز إلى طرف الجيش السوداني". وأوضح لـ"النهار العربي" أن "الشريط الحدودي الجنوبي بين ليبيا والسودان تنتشر فيه منذ عقود قبائل مختلطة النسب بين البلدين وربما ينحاز بعضها إلى أحد أطراف الصراع هناك، وهذا وضع ليس لسلطات ليبيا الرسمية دخل فيه، لذلك فإن الاتهامات هدفها أن يتدخل الجيش الوطني ويشدد حصاره على الشريط الحدودي، وبالتالي تجفيف الدعم الذي قد يصل إلى قوات الدعم السريع عبر القبائل ذات الأصول السودانية التي قد تكون انحازت إليها... هي محاولة لتوريط الجيش الوطني في الأزمة عبر الضغط الدبلوماسي، بعدما كان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان قد حصل على دعم سياسي من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة (خلال لقائهما في شباط الماضي)". وأضاف: "كل فترة يتم اتهام دولة بدعم أحد أطراف الصراع في السودان، في البداية كانت روسيا والآن الجيش الوطني الليبي وكلها ادعاءات لا دليل عليها وتحمل أجندات سياسية وأيديولوجية بتوجيه من التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، واستخدام منصة مجلس الأمن هو جزء من الحملة الدعائية والمعركة السياسية".