تأتي الذكرى 11 لثورة 30 حزيران (يونيو) 2013 في مصر، والأوضاع الاقتصادية والمعيشية شديدة الصعوبة بالنسبة للكثير من المصريين، ما يشجع بعض المنصات والأشخاص على الحديث عن كل ارتفاع في الأسعار، أو انقطاع في التيار الكهربائي، أو أزمة سلعية أو نقدية على أنه نتيجة لتلك الثورة التي أطاحت بحكم "جماعة الإخوان المسلمين" وحلفائها الإسلاميين من سدة الحكم وأتت بالنظام الحاكم الحالي.
ويشير هؤلاء صراحة أو ضمناً إلى حكم الجماعة باعتباره كان خياراً "أفضل" مما يعيشه المصريون اليوم. وتبرز تلك الإشارات من خلال "هاشتاغز" وتدوينات ومقاطع فيديو مكثفة على مواقع التواصل الاجتماعي، تركز على الأزمات وتعمل على تضخيمها، أو تثير شائعات عن قرارات ومعلومات لم تصدر أساساً من السلطة، وقد قفزت كثافة تلك الشائعات قرابة 17 ضعفاً خلال الفترة من 2014 وحتى 2023 بحسب بيانات مجلس الوزراء المصري.
هذا المشهد، والمحاولات المستميتة التي يبذلها التنظيم للعودة للحياة السياسية في مصر، يطرح تساؤلات منطقية عدة، ومنها: هل كان حكم الجماعة وحلفائها الإسلاميين خياراً جيداً خسره المصريون؟ وماذا لو حافظ المصريون على حكم "الإخوان" حتى اليوم... هل كانت البلاد ستأخذ وجهة أفضل اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً؟
تداعيات كارثية
يرى وكيل لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب المصري طارق الخولي أنه لو بقيت الجماعة في السلطة، لكان ثمة عدد من التداعيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الكارثية.
ويقول لـ"النهار العربي": "على المستوى السياسي كانت ستمارس عمليات قمع واسعة باسم نصرة الدين، مع وصف الثوار والمعارضين بأنهم كفار أو ضد الدين، وكنا سنشهد عمليات اغتيال واسعة وأحكاماً بالإعدام، إضافة لتفاقم الانقسام الداخلي، لأن الجماعة كانت ستركز على القضاء على كافة معارضيها عبر تصفيتهم جسدياً".
ويضيف: "على مستوى السياسة الخارجية، سيكون الوضع بالغ السوء، لأن الجماعة لم يكن لديها أي غضاضة في تدخلات أطراف خارجية، وأعتقد أن القرار السياسي كان سيخضع للأطراف الخارجية الداعمة لـ"الإخوان"، وكان الوزن الإقليمي لمصر سيتقزم بدرجة كبيرة ليتوافق مع حجم الجماعة".
أما على المستوى الاجتماعي، فيقول: "أعتقد أن موجات التطرف والفتن كانت ستسود المجتمع المصري، وتختفي مساحات التعايش بين المصريين، ومن ثم يكون السلم المجتمعي مهدداً".
وبالنسبة للجانب الاقتصادي، فيعتقد الخولي أن "الجماعة ستكون تابعة بدرجة كبيرة للجهات الداعمة لها، وهذا كان واضحاً جداً للعيان، فقد رأينا أطرافاً إقليمية تقدم دعماً مالياً كبيراً للتنظيم، وذلك للسيطرة على القرار الوطني المصري".
ويخلص إلى أنه "لو لم تنجح 30 يونيو، كنا سنعيش وضعاً مفجعاً للغاية، يؤدي في جملة مختصرة إلى ضياع مصر، وكانت الدولة ستدخل في نفق مظلم لعشرات السنوات المقبلة، لأن الاختلاف مع الإخوان ليس سياسياً بل هو على فكرة أساسية وهي الوطن. تلك الجماعة لا تؤمن من الأصل بمفهوم الوطن، وليس لدى عناصرها أي غضاضة بالتضحية بالدولة كاملة، والقيام بأي عمليات إرهابية أو جرائم قتل من أجل جماعتهم".
مكر التاريخ
ويقول الخبير في حركات الإسلام السياسي الدكتور عمرو عبد المنعم لـ"النهار العربي": "لم تكن جماعة الإخوان على قدر مسؤولية الحكم ولا حتى المعارضة، جميع التحالفات التي صنعتها وخاضتها قيادات الإسلام السياسي باءت بالفشل".
ويرى أن "مآلات الواقع تؤكد أن الإخوان لو بقوا في الحكم فلن يكون هناك أي تقدم اقتصادي، لأن مقومات الاستمرار لم يكن يملكها التنظيم علي الإطلاق. وعلى مستوى العقيدة لو بقيت الجماعة أكثر لحدث انقسام شديد في المجتمع على أسس دينية وعرقية".
ويضيف عبد المنعم: "من عاش عاماً في الحكم، وعشرة أعوام خارجه، ولا يزال يفكر بالطريقة نفسها، فهو خاسر، وذلك لأن ديمومة الحياة تحتاج إلى مراجعة مستمرة. والواقع أثبت أنهم لم يستطيعوا السير نحو النجاح والعطاء، ومن هنا نحتاج نظرة إلى الأمام، نظرة لمستقبل الجيل القادم الذي بدأت تتشكل ملامحه".
ويعتقد الباحث المصري أن "30 يونيو أثبتت أن الدولة لا تدار بالبيانات، ولا بالخطب الحماسية، ولا بميليشيات مواقع التواصل، بل تدار بالسياسة التي تتحمل تبعات الموقف وكليات المشهد، وهي تحتاج إلى رجال مدربين، لقد أكدت الجماعة في عام واحد فقط أنها رتبت أمورها للبقاء الأبدي في السلطة، حتى لو كان الثمن تدمير مصر، والدخول في اقتتال داخلي، وهو التحدي الذي جعل التاريخ يمكر بهم، فكما مكروا بالمجتمع المصري، مكر بهم التاريخ".
التجارب واضحة
وترى أمينة التنظيم والعضوية المركزية في حزب "الدستور" المصري المعارض الدكتورة ريهام حكيم أنه "حين نعود إلى عام 2013، نرى أن الإخوان تولوا حكم مصر وفق نظام ديموقراطي، يمكن وصفه بالمعيب أو المشوه، فقد كانت ديموقراطية ناشئة ولم تتم عملية التحول الديموقراطي، ولم يستمر حكم الجماعة أكثر من عام". وتتساءل في حديث لـ"النهار العربي": "هل لو استمروا كانت ستكتمل الديموقراطية، وتتشكل عناصرها ويكون لدينا مؤسسات مستقلة وصحافة حرة وبرنامج اقتصادي يحقق تقدما ملموساً؟".
وتشير إلى أنه "لو نظرنا لتجارب الحكم التي تولتها أحزاب الإسلام السياسي في منطقتنا، والدول التي قد تكون أوضاعها مشابهة لمصر، فلن نجد نموذجاً حقق تلك الأهداف. تلك الأحزاب التي تولت الحكم، لديها مشكلات اقتصادية، ومشاكل في المنظومة الأمنية، وميليشيات مسلحة خارج السيطرة الأمنية، وأحياناً تتنافس مع الجيش النظامي للدولة".
وترى الباحثة في العلوم السياسية أنه "لا يوجد نموذج جيد، وتالياً، فنحن كأحزاب معارضة مدنية، كنا في 2013 ضد توجه الجماعة، ولم نكن نعتقد أنها ستقدم نموذجاً جيداً، ولا زلنا على القناعة نفسها، خصوصاً مع متابعة الحركات المشابهة في المنطقة حولنا".
وتضيف: "نحن نريد دولة مدنية ديموقراطية، بها مؤسسات مستقلة، وصحافة حرة، لذا فأي جماعة أو جهة، حتى لو كانت تعارض نظاماً سياسياً نحن نقوم بمعارضته، فهذا لا يعني أننا ستجمعنا أرضية واحدة معهم. قد تكون جمعتنا بهم بعض المواقف، لكن يبقى الفيصل هو أن تثبت صدق الشعارات التي ترفعها حين تتولى المسؤولية، وهذا لم يحدث حين تولت الجماعة السلطة".