في درجة حرارة تقترب من الأربعين مئوية في نهار القاهرة المشتعل، جاءت سيدة ستينية من منطقة شعبية إلى حديقة الأزهر تفتش عن نسمات الهواء العليل، لتصادف حفل عيد الموسيقى والبيئة، فتفترش الأرض بالقرب من المسرح، وتتابع باهتمام مع أسرتها الحفلات الموسيقية المنعقدة ضمن الحدث السنوي في نسخته الثانية.
وأقيم عيد الموسيقى والبيئة على مدار ثلاثة أيام؛ انعقد اليوم الأول بمركز الجزويت في مدينة الإسكندرية، فيما استقبلت حديقة الأزهر بالقاهرة الفعاليات الأخرى، وتضمن الحدث جلسات نقاشية، وورش عمل عن القضايا البيئية، إلى جانب حفلات موسيقية في المساء.
وحول إيقاع الموسيقى، اجتمع الحضور من فئات عمرية وطبقات اجتماعية مختلفة، يتمايل البعض مع الموسيقى برقصات غربية، فيما يؤدي آخرون رقصات شعبية. يعكس هذا التنوع المرجو من المهرجان؛ إذ استهدف المنظمون إقامة عيد الموسيقى والبيئة في مساحة عامة لجذب جمهور متنوع من المجتمع المصري.
شارك عدد في العروض الفنية جمهور متنوع من طبقات اجتماعية مختلفة
إلهام فرنسي
تأتي النسخة الثانية من عيد الموسيقى والبيئة بعد نجاح النسخة الأولى العام الماضي، والتي حضرها أكثر من 20 ألف شخص، ونظم الحدث هذا العام المعهد الفرنسي في مصر، ومعهد غوته في القاهرة، بالتعاون مع شركة "أورينت برودكشنز"، ومنظمة "غرينيش"، و"مكان عام".
تجدر الإشارة إلى أن عيد الموسيقى والبيئة مُستلهم من عيد الموسيقى، أو "Fête de la Musique" بالفرنسية، وهو احتفال يُقام سنوياً في فرنسا في 21 حزيران (يونيو) منذ عام 1982، ويُقام حالياً في أكثر من 120 دولة.
من جهتها، تقول هبة الشيخ، نائبة الملحق الثقافي بالمعهد الفرنسي، إنّ "المعتاد إحياء تقليد عيد الموسيقى في مصر كل عام مع استضافة فنانين محليين ودعوة جمهور كبير، خصوصاً من الشباب، لكن العام الماضي قررنا بالشراكة مع معهد غوته بالقاهرة الاحتفاء بالموسيقى والبيئة معاً، لا سيما وأننا جميعاً معنيون بقضايا البيئة، وكذلك الكثير من الفنانين تشغلهم هذه القضية".
وتضيف الشيخ لـ"النهار العربي" أنّ "نجاح عيد الموسيقى والبيئة العام الماضي بحضور أكثر من 20 ألف شخص، دفعنا لإعادة الاحتفاء بهذا الحدث مجدداً. الموضوع الرئيسي للنقاشات البيئية خلال الحدث هذا العام تركّزت بصورة كبيرة على قضايا التنقل البيئي".
تخلل عيد الموسيقى والبيئة نقاشات بيئية من قبل خبراء
تخلّل عيد الموسيقى والبيئة هذا العام العديد من النقاشات البيئية، مثل الجلسة النقاشية تحت عنوان "عجلات خضراء وأحلام حضرية"، التي يعرض فيها الخبراء لإشكاليات التنقل في مصر، والموازنة بين الحفاظ على المساحات الخضراء وتوسعة الطرق العامة، ونقاشات أخرى حول البصمة البيئية، وأزمة البلاستيك في مصر.
وتوضح نائبة الملحق الثقافي بالمعهد الفرنسي أنّ قضية الحد من البصمة الكربونية في المهرجانات باتت تشغل النقاشات الفنية، وتحوز اهتمام الكثير من الفنانين بالفعل. وتشير إلى أنّ الكثير من المشاركين في هذا الاحتفال بمنتجات صناعية، تدور مشاركتهم حول إعادة التدوير، أو ابتكار طرق بديلة، أو تناول مختلف للمنتجات لتصبح صديقة للبيئة.
تقول الشيخ: "في هذا الاحتفال حاولنا تقديم نموذج يحتذى، فقررنا الاستغناء عن المطبوعات هذا العام، وتجنب الطباعة على البلاستيك، والاستعاضة عنه بمنتجات معاد تدويرها".
يشار إلى أن العديد من المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال الاستدامة البيئية شاركت في عيد الموسيقى والبيئة، مثل: "البديل"، وVery Nile، و"وجود"، وButtonUp، حيث قدمت منتجاتها وأنشطتها في أكشاك تفاعلية.
قدم عدد من المشاركين منتجاتهم وأنشطتهم في أكشاك تفاعلية
مزيج البيئة والموسيقى
"نهدف إلى أن تكون الموسيقى وسيلة لأن يتحدث الناس لبعضهم البعض"، هكذا استهلت فريدريكا بيريا، مديرة قسم البرامج الثقافية في معهد غوته بالقاهرة، حديثها لـ"النهار العربي"، مضيفة أنّ "الموسيقى والبيئة على قدر كبير من الأهمية للمجتمعات".
وتضيف أن "عيد الموسيقى والبيئة شهد نقاشات مهمة من الخبراء هذا العام، وكان بإمكان الكثير من المصريين وأسرهم حضور هذه النقاشات في حديقة الأزهر، ثم في المساء حضور الحفلات الموسيقية، وهو ما يخلق مزيجاً من الوعي بقضايا البيئة والاستمتاع بالموسيقى".
وتضمن البرنامج الموسيقي لعيد الموسيقى والبيئة وجود العديد من الفنانين والفرق الموسيقية من مصر وفرنسا وألمانيا، وهم: أحمد عيد/إيلاف، وأقصى الواسط، وعين العقل، وإلكتروزبالة، وكريم أسامة، ومريم صالح.
وتشير فريدريكا بيريا إلى أن "هذا العام شهد تقديم إنتاج فني جديد وخاص لجمهور عيد الموسيقى والبيئة، نتج عن تعاون بين الفنانين والفرق الموسيقية: أحمد عيد، وعين العقل، وإلكتروزبالة، ضمن إقامتهم الفنية التي أمضوها في مركز بساريا للفنون بالإسكندرية بقيادة الموسيقار أحمد صالح".
وعن المبادرات البيئية الجديدة، تقول مديرة قسم البرامج الثقافية في معهد غوته في القاهرة إنّ "إدارة عيد الموسيقى والبيئة دشنت مبادرة جديدة خلال الاحتفالية عبر تقديم مياه منقاة للحضور؛ يمكن الاستعانة بالزجاجات الفارغة وملؤها للحد من استهلاك البلاستيك خلال الفعالية".
استقبل الحدث ورش عمل وأنشطة للتوعية بالقضايا البيئية
نشطاء البيئة
إلى جانب العروض الفنية، كان حضور نشطاء البيئة لافتاً، من خلال تقديم حلقات نقاشية، واجتماعات موائد مستديرة، وورش عمل عن السياسات الحضرية والبيئية مع باحثين وفاعلين في المجال العام ونشطاء بيئيين.
من بين النشطاء المشاركين في هذه النقاشات، محمد كمال، المدير التنفيذي لمؤسسة "غرينش"، إحدى المؤسسات المتعاونة في تنظيم عيد الموسيقى والبيئة، ويقول لـ"النهار العربي" إنّ المؤسسة "كان لها تجربة سابقة عام 2021 في تنظيم مهرجان للموسيقى والبيئة أيضاً، وحقق نجاحاً لافتاً في حينه، ومن هنا بدأ اهتمامنا بهذا النوع من المهرجانات".
يشرح كمال: "تكمن أهمية مثل هذه الفعاليات في خلق مساحة للنقاش بشأن موضوعات مهمة، واستهداف جمهور غالباً ما يكون غير مهتم بالقضايا البيئية، إذ يأتي إلى هذا النوع من المهرجانات من واقع اهتمامه بالأنشطة الثقافية، ويفاجأ بوجود نقاشات بيئية".
ويتابع: "عندما يأتي هذا الجمهور نستمع إلى وجهات نظر مختلفة ومهمة، أحياناً يقول البعض إنه لا فائدة من النقاش في البيئة، أو أنها ليست أولوية، ومن هنا تنشأ مساحة للنقاش المتبادل والتوعية، التي يعززها حضور الفن أيضاً بشكل كبير".