بعد أقل من أسبوع على انتشار "قوات الدعم السريع" في عاصمة غرب كردفان، تقدّمت هذه القوات مجدداً في مناطق ضمن سنار لتسيطر على مواقع استراتيجية، تصبح معها ولايات منطقة الشرق وحتى النيل الأبيض والامتداد لوسط وغرب السودان مهدّدتين بالسقوط، وسط تراجع الجيش الذي بدأ هجوماً لاستعادة المواقع التي خسرها، وما لبث أن تراجع.
فقد أعلن الفاتح القرشي، المتحدث باسم "قوات الدعم السريع"، السيطرة على منطقة جبل موية في ولاية سنار، بعد معارك مع الجيش، فيما أكّدت مصادر ميدانية انسحاب القوات النظامية من هذه النقطة الاستراتيجية، وسط تحليق مكثف للطيران الحربي انطلاقاً من مصنع السكر الواقع غربي الولاية، حيث تمكن من استعادته والتقدّم نحو جبل موية قبل أن يعاود الانسحاب إلى نقاط ارتكازه السابقة، وسط قصف مدفعي من جهة "قوات الدعم السريع"، وفزع جيوب متعددة في القرى الواقعة حول الجبل.
ويوصف الوضع في سنار بالصعب والمعقّد، بعد محاولات "قوات الدعم السريع" ضرب دفاعات الجيش في محور مصنع السكر الذي يبعد قرابة 300 كيلومتر عن الخرطوم، قبل أن يشن مقاتلو "الدعم" هجوماً على سنار انطلاقاً من الجبل، مستندين إلى انشقاقات محتملة بين الجنود، ما دفع الجيش إلى الانسحاب وطلب تعزيزات عسكرية وصلت من ولاية النيل الأبيض.
وتعدّ هذه الأخيرة هدفاً محتملاً لـ"قوات الدعم السريع" بحسب مصادر تؤكّد لـ"النهار العربي" أهمية موقع ولاية سنار في جنوب شرق البلاد، حيث تحدّها من الشمال ولاية الجزيرة، وتجاورها شرقاً الحدود مع إثيوبيا، وجنوباً ولاية النيل الأزرق. أما النيل الأبيض والحدود مع جنوب السودان (كانت تسمّى ولاية أعالي النيل قبل انفصال الجنوب في عام 2011)، فتشكّل الجهة الغربية للمنطقة التي تمتد على مساحة تزيد على 40 ألف كيلومتر مربع.
بقيت هذه الولاية بعيدة من الحرب حتى مطلع كانون الأول (ديسمبر) الفائت، إذ شنّت "قوات الدعم السريع" هجمات عدة انطلاقاً من الجزيرة شمالاً، ونجحت في التوسع حتى مصنع السكر غرب الولاية، وهو يعدّ نقطة استراتيجية بوقوعه على طرق الإمداد إلى النيل الأبيض، والتي بقيت حتى فترة قريبة خارج مرمى نيران الطرفين. وبما أنها تجاور الخرطوم وإقليم كردفان غرباً والجزيرة شرقاً، فإنها استقطبت أعداداً كبيرة من النازحين من هذه المناطق.
أهمية جبل موية
يقول الخبير العسكري عبد الهادي منير ياسين، إن منطقة جبل موية استراتيجية بإشرافها على الطريق بين ولايتي سنار والنيل الأبيض، "والسيطرة عليها تعني تهديداً لمدن ربك وكوستي بالمقام الأول، وضغطاً أكبر على سنار التي تغدو تحت نيران ’قوات الدعم السريع‘. وهذا يدفع الجيش إلى استعادة المنطقة التي تشكّل الحدّ الفاصل بين شرق السودان وغربه".
يضيف ياسين لـ"النهار العربي": "الجبل نقطة التقاء طرق وسط السودان وشرقه وغربه، فهو يطل على الطريق القومي بين مدينتي سنار وربك في النيل الأبيض، ضمن سلسلة جبال سنار، ومن يتحكّم به يتحكّم بالممرات نحو الغرب للنيل الأبيض وحتى شمال كردفان. لهذا السبب، نشّط الجيش سلسلة دفاعات متنقلة في محيطه، لكن كثافة نيران ’قوات الدعم السريع‘ أجبرته على التراجع".
وبحسبه، يتوسط جبل موية ثلاث فرق عسكرية للجيش: الفرقة 17 مشاة، والفرقة 18 مشاة في منطقة كوستي غرباً، واللواء 265 قوات جوية شرقاً في سنار، وتتجمع شمالاً قوات الفرقة الأولى التي انسحبت من ود مدني في كانون الأول (ديسمبر) الفائت.
تقع قاعدة كنانة الجوية في النيل الأبيض جنوب شرق الولاية، "لكن هجمات ’الدعم السريع‘ سبّبت حالاً من الارتباك، وقطعت الإمداد عن قاعدة وادي سيدنا"، محذّراً من سقوط سنار، فالمسافة بين الجبل وعاصمة الولاية لا تزيد على 24 كيلومتراً، وعند السيطرة على الطرق التي يتحكّم بها الجبل، تصبح المنطقة بحكم الساقطة عسكرياً.
ويعقّب ياسين: "الخشية هنا من تكرار سيناريو ود مدني حين انسحب الجيش بشكل صادم، ولم تظهر نتائج التحقيقات حتى الآن، ما يثير المخاوف من سقوط ولاية ستكون كلفة استعادتها عالية جداً".
لماذا تقدّمت "قوات الدعم السريع"؟
يشرح الخبير الميداني علي عبد الكريم أهمية ولاية سنار قائلاً، إنها أول ولاية من جهة الشرق تنتقل إليها المعارك، "ما ينسف فرضية انقسام السودان"، مضيفاً لـ"النهار العربي" أن ثمة من يقول إن "قوات الدعم السريع" ستنتشر في الخرطوم وشمال كردفان ودارفور، فيما يبقى الشرق تحت قبضة الجيش، "لكن الوقائع اليوم تقول إن شرق السودان وغربه مهدّدان بالقدر نفسه، وهدف ’قوات الدعم السريع‘ كان وما زال التوسع في كل السودان بشكل تدريجي، في مقابل عجز واضح من الجيش".
وفي حال سيطرة الدعم على سنار، تكون ولايات القضارف والنيل الأزرق والأبيض مهدّدة بنيران الحرب، بحسب عبد الكريم، ما يعني أن الجيش سيتجه نحو تأمين القضارف قبل أي جهة أخرى. ويقول في هذا السياق: "امتداد الخطر إلى سنار يعني أن على الجيش تجميع قواته في القضارف، لأنها الحصن الأخير قبل الوصول إلى عمق ولايات البحر الأحمر ونهر النيل. وهذا يعني انسحابات وتوقف عمليات الجيش في ولاية الجزيرة، وعلى الحركات المسلحة الآتية من ناحية النيل الأزرق صدّ أي هجوم مرتقب على مناطقها".
ويختم عبد الكريم بالإشارة إلى مسألة "رجحان كفة ‘قوات الدعم السريع’ قبل أي استحقاق سياسي مقبل، سواءً عودة مفاوضات جدة أو مؤتمر القاهرة أو حتى مساعي الاتحاد الأفريقي. فقد باتت مساحات شاسعة من السودان تحت سيطرتها، وهذا يحسن الموقف التفاوضي لهذه القوات".