تفجرت حالة من الغضب في أوساط المصريين، خلال الأسابيع القليلة الماضية، بسبب تكرار نشر سودانيين في مصر، خرائط لبلدهم تتضمن منطقة حلايب وشلاتين. تلك المنطقة التي يطلق عليها وصف "المثلث الذهبي" نظراً لأراضيها الغنية بالنبات النادر والحيوانات البرية وينابيع المياه العذبة، تقع في أقصى جنوب شرقي البلاد، وتخضع للسيادة المصرية بشكل مستقر، لكنها طالما كانت مصدراً لتعكير صفو علاقات المصريين والسودانيين، بين الحين والآخر.
وقد تجدد الغضب، أخيراً، بسبب لصق أحد المقيمين السودانيين خريطة لبلده على سيارته، وتظهر الخريطة حلايب وشلاتين ضمن الحدود السودانية، وقبل هذا بقليل تم ترحيل أحد أصحاب المحال التجارية السودانيين بعد لصقه خريطة مشابهة على متجره، وتكرر الأمر مع حلاق سوداني.
ويقول النائب السابق بمجلس النواب المصري عن منطقة حلايب وشلاتين ممدوح عمار لـ"النهار العربي": "حلايب وشلاتين أرض مصرية، ونحن أبناء القبائل في هذه المنطقة، ننظر لأنفسنا على أننا مواطنون مصريون".
ويضيف: "لكن رغم هذا، يجب بأي حال من الأحوال ألا تعكر هذه القضية صفو العلاقات بين المصريين والسودانيين، نحن شعب واحد يعيش في بلدين، نحن إخوة، ولن تؤثر هذه القضية في علاقاتنا".
غضب وتوترات
في مصر أكثر من 5 ملايين سوداني، يطلق عليهم غالبية المصريين وصف "ضيوف"، لكن في الآونة الأخيرة تصاعدت حدة الغضب ضدهم على المستوى الشعبي، وتعالت أصوات تطالب بترحيلهم، وهو أمر غير مسبوق.
جزء كبير من هؤلاء السودانيين يعيش في مصر منذ سنوات، أو كان يتردد عليها ويمكث فيها لفترات طويلة بهدف السياحة أو العلاج، ولم تحدث مطالبات مشابهة بترحيلهم، حتى في أشد فترات التوترات السياسية بين البلدين، خصوصاً في عهد الرئيس السوداني السابق عمر البشير.
وظلت منطقة حلايب وشلاتين مستقرة تحت السيادة المصرية، لكن نظام البشير استخدمها بين وقت وآخر محاولاً الضغط على القاهرة من خلال تأجيج مشاعر السودانيين ضد مصر، وذلك كلما حدث خلاف بين نظامه الذي ينتمي لجماعة "الإخوان المسلمين"، والنظام الحاكم بالقاهرة، بينما يتجاهل الملف برمّته كلما تلاشى الخلاف، وذلك بحسب مراقبين تابعوا هذه الحقبة.
ويقول الباحث المصري المتخصص في الشؤون الأفريقية خالد محمود في مقدمة دراسة أكاديمية له إن "مشكلة مثلث حلايب تختلف عن المشكلات (الحدودية) الأخرى باستدعائها واستبعادها في الملف المصري السوداني حسب ترمومتر العلاقات الثنائية".
ويستدعي الباحث مقولة لزعيم حزب الأمة السوداني سابقاً الراحل الصادق المهدي يشير فيها إلى أن تلك القضية "يتم سحبها من الدرج كلما تأزمت العلاقات بين البلدين"، و"صارت مثل قميص عثمان، تتم إثارتها من وقت لآخر لأغراض وأهداف سياسية أخرى".
احتواء وتهدئة
لا ريب في أن الخرائط التي نشرها سودانيون، في الآونة الأخيرة، كان لها دور فاعل في إثارة القضية وإلهاب مشاعر الغضب ضد الجالية السودانية في مصر، وما ضاعف حدة تلك المشاعر هو نشر بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو مفبركة تنسب لسودانيين أفعالاً مثل محاولات للسطو أو السرقة ضد مصريين.
وقد قامت وزارة الداخلية المصرية بالتحقيق في ما جاء بعدد من تلك المقاطع التي لاقت رواجاً كبيراً بين مستخدمي الإنترنت هنا، ونفت صحة ما روج بشأنها، إما لأنها لم تقع في مصر من الأساس، أو لأن الرواية المرافقة لها مضللة ومقتطعة من سياقها.
كذلك ثمة جهود من مواطنين مصريين لتهدئة الأجواء، والتصدي لعمليات الشحن التي تقوم بها بعض الصفحات والأشخاص، وتعمل تلك الجهود الفردية على توضيح حقيقة ما يتم تداوله، أو محاولة تفسيره عقلانياً.
وفي هذا الإطار، يشير الصحافي المصري ماجد يحيى إلى ملاحظة مهمة وهي أنه من خلال عمله في إعداد البرامج لاحظ أن مصممي الغرافيك في الغالب يستخدمون صوراً يتم تحميلها من مواقع متخصصة أشهرها Shutterstock وFreepik وغيرهما.
ويضيف: "تنشر تلك المواقع خرائط للسودان متضمنة حلايب وشلاتين، لسبب غير مفهوم، ويقوم المصمم باستخدام الصور دون أن يلاحظ هذا الخطأ، أو ربما لعدم علمه بموقع تلك المنطقة من الأساس".
ويقول في تدوين له على "فايسبوك": "يكون المصمم مصرياً أصيلاً محباً لبلده، ويقع في هذا الخطأ، وأعتقد أن الأمر ذاته يحدث مع السودانيين حين يحمّلون خريطة من الإنترنت ويستخدمونها، فيقعون في الخطأ نفسه".
تنمية وانتماء
تبلغ مساحة حلايب وشلاتين قرابة 20 ألف كيلومتر مربع، وتأخذ شكلاً يشبه المثلث، وتتكون المنطقة من ثلاث مدن، وهي: حلايب، وشلاتين، وأبو رماد. تطل تلك البقعة الساحرة على البحر الأحمر عبر سواحل ممتدة لعشرات الكيلومترات، وتتمتع بطبيعة خلابة، حيث فيها واحدة من أهم وأكبر المحميات الطبيعية في مصر، وهي محمية جبل علبة، التي تزخر بالنباتات النادرة والحيوانات البرية المتنوعة، وفيها مناطق أثرية، ومواقع أخرى مميزة، والكثير من العناصر الجاذبة للسياحة.
يقول النائب البرلماني السابق عن المنطقة إن "الشاهد على أن تلك المساحة أرض مصرية، هي المشروعات التنموية التي أقيمت بها منذ عقود مضت، فعلى سبيل المثال في عام 1981، أقام الفريق يوسف عفيفي محافظ البحر الأحمر مشروعات عدة بالمنطقة".
ويضيف عمار: "لقد نفذت الدولة خططاً تنموية، وأقامت مستشفيات ومدارس ووحدات محلية، وخلال السنوات العشر الأخيرة، وُضعت حلايب وشلاتين كدائرة انتخابية مستقلة، وخطط التنمية مستمرة حتى اليوم، وقد أنفقت الدولة على المنطقة، أخيراً، أكثر من مليار جنيه مصري لإقامة مشروعات تنموية، وتم تحويل حلايب إلى مدينة بدلاً من كونها قرية".