كثفت القاهرة مساعيها الدبلوماسية والسياسية، أخيراً، لوقف الحرب المشتعلة في جارتها الجنوبية السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منذ 15 نيسان (أبريل) 2023.
ويقول مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون الأفريقية السفير إبراهيم الشويمي لـ"النهار العربي" إن "مصر تدرك مدى خطورة الأزمة في السودان، وتهتم بصورة أساسية بوقف نزيف الدماء المتدفق هناك، لذا فإن وقف الاقتتال يشكل أولوية بالنسبة للقاهرة".
وكان لافتاً أن الملف السوداني جاء في طليعة اهتمامات وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج الجديد الدكتور بدر عبد العاطي، الذي تولى مهام منصبه الأربعاء الماضي، ضمن حكومة جديدة.
وقد افتتح عبد العاطي مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية الذي عقد في العاصمة المصرية، السبت، أي بعد نحو 3 أيام فقط من توليه منصبه، وكان جلياً أن الوزير الجديد مهتم بطرح ملامح الرؤية المصرية للأزمة السودانية.
وتتواكب الجهود المصرية المكثفة مع مؤشرات تنبئ بتفاقم الوضع الكارثي في السودان.
وكان تقرير أصدرته اللجنة الدولية للإنقاذ (IRC) في نيويورك، يوم 25 حزيران (يونيو) الماضي، أشار إلى أن عدد ضحايا حرب السودان تجاوز 10 أضعاف التقديرات المتداولة إعلامياً، وبلغت التقديرات التي أوردها التقرير 150 ألف قتيل، في حين أن المتداول هو 15 ألفاً فحسب.
وبحسب تقديرات اللجنة فإن الحرب في هذا البلد الذي يبلغ تعداد سكانه ما يناهز 47 مليوناً، قادت لنزوح 8.2 ملايين منذ نيسان الماضي، وأن من يتعرضون للجوع أو نقص الغذاء يبلغ عددهم نحو 18 مليوناً، أما من يحتاجون لمساعدات إنسانية فهم 25 مليوناً.
قضية سودانية بالأساس
تصريحات عبد العاطي خلال افتتاح المؤتمر ركزت على مدى خطورة الأزمة التي يعانيها السودان، مؤكداً أن النزاع الراهن هو قضية سودانية بالأساس، كما شدد على أن أي عملية سياسية مستقبلية ينبغي أن تشمل كافة الأطراف الوطنية الفاعلة على الساحة السودانية.
ويتفق مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون الأفريقية مع هذه الرؤية، ويقول: "لا بد من التوصل لتوافق بين القوى السودانية المؤثرة، كي تستقر الأوضاع في السودان، ويتوقف القتال المسلح بشكل نهائي".
وكان المؤتمر شهد مشاركة ممثلي القوى السياسية والمدنية السودانية، والأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي، وعدد من الدول الفاعلة وذات الاهتمام بملف السودان.
وقال وزير الخارجية المصري إن "أي حل سياسي حقيقي للأزمة في السودان لابد وأن يستند إلى رؤية سودانية خالصة تنبع من السودانيين أنفسهم، ودون إملاءات أو ضغوط خارجية، وبتسهيل من المؤسسات الدولية والإقليمية، وعلى رأسها الاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والدول الشقيقة والصديقة المهتمة بالسودان".
وحدة السودان ومؤسساته
يقول الشويمي إن "مصر حريصة على وقف النزاع في السودان بشكل دائم، وفي أقرب وقت ممكن، وذلك للحفاظ على حياة السودانيين الأبرياء، وإنهاء معاناتهم الإنسانية، وللحفاظ على وحدة الأراضي السودانية، وللإبقاء على مؤسسات الدولة".
وكان وزير الخارجية المصري لفت في كلمته إلى خطورة الأزمة الراهنة التي يواجهها السودان، وتداعياتها الكارثية التي تتطلب الوقف الفوري والمستدام للعمليات العسكرية حفاظاً على مقدرات الشعب السوداني ومؤسسات الدولة، وبما يتيح الاستجابة الإنسانية الجادة والمنسقة والسريعة من كافة أطراف المجتمع الدولي، والتوصل لحل سياسي شامل يستجيب لآمال وتطلعات الشعب السوداني.
وطالب عبد العاطي كافة أطراف المجتمع الدولي بالوفاء بتعهداتها التي أعلنت عن التزامها بها في المؤتمر الإغاثي لدعم السودان، الذي عقد خلال شهر حزيران (يونيو) 2024 في جنيف، وكذلك المؤتمر الدولي لدعم السودان ودول الجوار الذي عقد في باريس منتصف نيسان (أبريل) 2024 لسد الفجوة التمويلية القائمة، والتي تناهز 75 بالمئة من إجمالي الاحتياجات.
كما أشار إلى أن مصر تكثف اتصالاتها مع كافة المنظمات الإنسانية متعددة الأطراف لدعم دول الجوار الأكثر تضرراً من التبعات السلبية للأزمة.
وكانت مصر استقبلت مئات الآلاف من السودانيين الفارين من لهيب الحرب في بلدهم، لينضموا إلى قرابة 5 ملايين سوداني يقيمون في مصر منذ سنوات.
ويشكل هؤلاء - إلى جانب ما يربو على 4 ملايين من جنسيات أخرى - ضغطاً شديداً على الاقتصاد المصري الذي يمر بظروف عصيبة، وهو ما دفع القاهرة، أخيراً، لمطالبة المجتمع الدولي بتحمل نصيبه من تلك الأعباء.