بين طرح مبادرات جديدة أو إعادة أفكار سابقة للتداول، تتسارع التحركات السياسية في السودان، بخاصة بعد مؤتمر القاهرة، وفي ظل تراجع حاد للجيش أسفر عن سقوط مواقع عسكرية ومدن عدة بيد قوات الدعم السريع.
أبي أحمد في السودان
ففي أول زيارة لزعيم إفريقي منذ بداية الحرب، حط رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في بورتسودان، حيث كان لافتاً الاستقبال الذي حظي به من قبل قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان منذ وصوله المطار، ثم الاجتماع الموسع، فالخلوة بينهما، وحتى مغادرته. ووصف بيان صادر عن مجلس السيادة الانتقالي أن العلاقات بين البلدين نامية ومتطورة، فيما تحدثت معلومات عن المباحثات التي تناولت إنهاء الصراع الدائر، وكذلك الأوضاع قرب الحدود الإثيوبية، حيث تخشى أديس أبابا امتداد المواجهات إلى مواقع قريبة من سد النهضة، غير البعيد عن الحدود الشمالية الغربية مع السودان.
وعلاقات الخرطوم بأديس أبابا مرت بمحطات عديدة، إذ سبق لرئيس الحكومة الإثيوبي زيارة السودان قبل أسابيع من الحرب، ثم هاجم السلطات السودانية بعد اندلاع المعارك، داعياً إلى تغييرات دفعت إلى توتر العلاقة بين البلدين مع تفسير الحكومة السودانية لهذه المواقف على أنها اصطفاف ضمني مع قوات الدعم السريع. لكن البرهان عاد وزار أديس أبابا منهياً حالة الفتور قبل اجتماع قمة الإيغاد في جيبوتي. إلا أن الأزمة تجددت مطلع العام مع استقبال أبي أحمد قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي قام وقتها بجولة أفريقية، وكذلك بعد استضافة اجتماع تنسيقية القوى المدنية الديموقراطية "تقدم" مع حميدتي، ما أثار استياءً في أوساط الجيش السوداني، فيما لا تزال الخلافات حول سد النهضة عالقة بالتزامن مع النزاع على مثلث الفشقة الحدودي في غياب اتفاق على الترسيم بين البلدين.
موفد سعودي في بورتسودان
وسبقت زيارة رئيس الحكومة الإثيوبي، زيارة سريعة لنائب وزير الخارجية السعودي وليد الخزرجي لبورتسودان للقاء المدير العام للاستخبارات السودانية قبل اجتماع مع البرهان. ونفت مصادر محلية لـ"النهار العربي" أي ترابط بين الزيارتين، مشيرة إلى أن البحث تناول تعزيز مسار جدة التفاوضي وتوسيع قائمة المسهلين للمباحثات، وهو ما أثار حفيظة البرهان الذي عاد وشدد على تنفيذ مخرجات الجولات السابقة، لا سيما في أيار (مايو) 2023. كما نفت أي طرح لسحب القوات السودانية المشاركة في اليمن، وهو ما تردد في الآونة الأخيرة. واعتبرت أن الزيارة هدفها التركيز فقط على منبر جدة، من دون بحث مسائل أخرى، بحسب المعلومات المتوافرة.
وتتوقع مصادر سودانية أن تتزايد المساعي لفتح كوة في جدار الأزمة، بخاصة بعد الوضع الميداني المتغير وتوسع الدعم السريع وسيطرته على مساحات واسعة في ولاية سنار، وأخيراً التقدم في اللواء 90 غرب كردفان، ما يضع ولايات النيل الأبيض وشمال كردفان وصولاً إلى القضارف والنيل الأزرق في دائرة الاستهداف المباشر.
لا أفق للحل
لا يبدي رئيس "مركز أرتكل للدراسات" عثمان فضل الله أي تفاؤل وشيك، ويعتبر أن لا أفق تبلور باتجاه السلام، ويقول لـ"لنهار العربي": "الحرب الآن نبتت لها أنياب، وشكلت شبكات مصالح لا تنظر في الاعتبار إلى الوضع على الأرض إلا بما يدر عليها من دخل... وإذا أمعنّا النظر بدقة في مسببات الحرب، فسنجد أن مشعل الحرب الحقيقي هو فساد نخبة الإسلام السياسي، وهم أخطر أنواع الفساد على الأرض لأنهم يغطون فسادهم بالدين".
وبحسب فضل الله، فإن التحركات الدولية الحالية تأتي لأن الجميع يعلم مآلات هذه الحرب وخطرها على كيان البلد. ويوضح فضل الله أن الجميع "سعى منذ اليوم الأول باتجاه دفع الطرفين إلى الحلول والتوصل إلى تفاهمات، والآن رفع الإقليم وتيرة التحرك لأن كل التقارير تشير إلى أن الجيش السوداني في طريقه إلى الانهيار، والبلد على شفير التفكك. غير أن هذا التحرك، إن لم تقابله إرادة داخلية ورغبة حقيقية داخلية وتحديداً لدى قيادة الجيش، لن يُكتب له النجاح"، ليخلص إلى الإشارة إلى وصول نيران الحرب إلى 15 ولاية من أصل 18، فيما دعاة الحرب، بحسب وصفه، يدّعون الانتصار ويأملون نهاية الدعم السريع، "وهو شيء بعيد بالعقل والمنطق".
مساع متجددة بعد مؤتمر القاهرة
يفسر الكاتب والمحلل السياسي محمد الأسباط زيارة نائب وزير الخارجية السعودي بما يصفه بـ"التحرك الإقليمي الواضح"، ويقول لـ"النهار العربي": "يبدو واضحاً من زيارة المسؤول السعودي ولقائه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أن هناك تحركاً إقليمياً واضحاً لدفع قائدي الحرب إلى طاولة المفاوضات وتحريك مسار جدة".
ويضع المحلل السياسي زيارة رئيس الحكومة الإثيوبية في السياق ذاته، بعدما شكل مجلس السلم والأمن الأفريقي وفداً رئاسياً بقيادة الرئيس الأوغندي يوري موسفيني للترتيب لعقد لقاء بين البرهان وحميدتي، مضيفاً: "هناك سبب إضافي يتعلق بوصول العمليات العسكرية إلى قرب الحدود الإثيوبية، وقلق الأخيرة من تمدد الحرب نحوها، وهي التي تخوض بالأصل صراعات في الداخل".