الدولة والمجتمع
"لا توجد دولية قوية دون مجتمع قوي"، كانت هذه من أوائل العبارات استهل بها المفكر السياسي حديثه، مؤكداً حاجة الدولة المصرية إلى تنشيط "الجسد السياسي".
وقال أستاذ العلوم السياسية: "فكرة تنشيط الجسد السياسي، تنبع من فكرة أعمق، وهي علاقة الدولة بالمجتمع. وهنا نسأل: هل توجد دولة قوية من دون مجتمع قوي؟ لا. هذا أمر متفق عليه في كل النظريات السياسية والاجتماعية، وحتى في الواقع العملي".
وأضاف: "قد تظهر نماذج مثل هتلر، وموسيليني، استطاعت تكوين جيش قوي جداً، لكن هذه القوة ليست مستدامة. القوة الحقيقية للدول تنبع من امتلاكها مجتمعاً قوياً، يؤمن بأفكار النظام، ولديه استعداد لحمايتها".
ويتساءل مجدداً: "كيف يمكن أن تتدفق الحيوية في الجسد السياسي؟ لست ممن يحبون إعادة اكتشاف العجلة. لقد اكتشفت العجلة بالفعل. هناك آليات واضحة، مثل: الأحزاب السياسية، والمجتمع المدني، والجامعات ومراكز الأبحاث، والصحافة. نشاط هذه المكونات وإتاحة الحرية لها، يخلق حياة فكرية، ويتيح تعدد الآراء".
ويضيف: "قوة الدولة لا تأتي أبداً من فرض رأي واحد، ولكن تنبع من التوصل إلى هذا الرأي بالحوار، وتلاقح الأفكار، والتوافق على الرأي الذي يتم تبنيه. حين يُفرض رأي أحادي من شخص أو حزب، ينتهي هذا الرأي بانتهاء من فرضه".
ويرى أن "طبيعة البشر هي رفض ما يفرض عليهم، ولكن حين يشعرون بالمشاركة وأن الرأي الذي تم تبنيه هو ثمرة حوارهم ومناقشاتهم، يلتفون حوله، ويكونون مستعدين للتضحية من أجل تطبيقه".
الأفكار والردع الأمني
وعن بعض الأفكار التي قد تعوّق تقدم المجتمعات، يقول هلال إن "الأفكار لا تموت بالردع الأمني فقط، قد ينجح الردع في عدم ظهور بعض الأشخاص، أو القضاء على تنظيمات وتفكيكها، تنتهي الأفكار فقط حين نقوم بتفنيدها".
ويشير إلى أن "هناك عنصراً آخر إلى جانب تفنيد الفكرة، وهو البيئة الحاضنة لها. إن تغيير هذه البيئة عامل حاسم في القضاء على الفكرة".
ويعتقد هلال أن مصر شهدت، خلال الفترة الأخيرة، فهماً أعمق لأهمية التعامل مع الأفكار بالأفكار، ويقول: "من أهم الشواهد على هذا إطلاق الحوار الوطني، الذي يلتزم بعدم إقصاء أي طرف من الأحزاب السياسية المصرية".
ويقول: "من المثير للاهتمام أننا اكتشفنا أن تيارات لم يكن يخطر ببالنا يوماً أنها سوف تلتقي فكرياً، لكن حين ندخل في تفاصيل قضية معينة، ونسألهم: وما الحل إذن؟ نجد أنهم قد توافقوا على حل ما".
جاهزية المجتمع
يرى البعض أن المجتمع قد يكون غير مؤهل للديموقراطية، وأن ثمة تيارات قد تستغل انفتاح المجال العام في بث الشائعات والتحريض على التظاهرات والاعتصامات، وربما التحريض على أعمال العنف كالتي شهدتها مصر في أعقاب ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013.
وعن هذا يقول هلال: "نعم قد يكون المجتمع غير مهيأ، وربما يقود التقاء الأمية مع الفقر في بعض المناطق، إلى انتشار نمط غير صحيح من التدين، ما يفضي إلى عدم الممارسة السياسية الصحية، وعدم التمييز للانتخاب على أسس سليمة، لكن هذا يجب ألا يحول دون حق المواطنين في ممارسة حقوقهم السياسية، بل يجب العمل على زيادة وعيهم، بما يمكنهم من الممارسة السليمة".
بناء الثقة
ويواصل: "غالبية المواطنين حين يعرفون بحادثة معينة، ولا يجدونها في وسائل الإعلام المصرية، ولا تخرج الحكومة للتعليق، فقد يتجهون لوسائل إعلام أخرى، وهذه فرصة ذهبية للإعلام الموجه ليضع الخبر في السياق الذي يرغب فيه".
ويعلق: "لهذا أنا من المؤمنين بأن من أهم الأدوار التي يجب أن تضطلع بها الحكومة الجديدة هو كسب ثقة المواطنين، وهذا سوف يأتي من خلال الشفافية، والمصارحة".
فوهة بركان
يرى الدكتور هلال أن المنطقة تعيش على فوهة بركان: "بعض الأزمات التي نعيشها سابقة على حرب غزة. حرب السودان، والصراع في ليبيا، وحتى الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين سابقة على 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023".
ويقول: "هذا الوضع يفرض أعباءً أمنية إضافية على مصر، وبالتبعية أعباء اقتصادية، وأتت الطامة الكبرى حين تفجرت الأوضاع في غزة، بدأ القلق من خطط إسرائيل لتهجير الفلسطينيين إجبارياً لسيناء".
"وسط هذا الأزمات كلها يفكر صانع القرار في كيفية إدارة العلاقات مع البلدان العربية، والقوى الإقليمية والدولية"، يقول علي الدين هلال، و"الخطوات التي اتخذتها القاهرة في تطبيع علاقاتها مع أنقرة أمر جيد، فتركيا دولة كبيرة ومؤثرة بالمنطقة، كذلك مساعي تحسين العلاقات مع طهران مهمة".
ويعتبر المفكر السياسي أن "أسلوب التواصل، والنقاش، وتعزيز العلاقات، وخلق مصالح مشتركة، هي سياسة أكثر نجاعة مقارنة بقطع العلاقات".
ويبدو هلال غير مرتاح لما وصل إليه مشهد الانتخابات الأميركية، ويقول إن "الولايات المتحدة دولة أعرفها منذ أكثر من 50 عاماً، وقد قمت بزياراتها عشرات المرات، ويحزنني ما أراه في انتخاباتها، إن المناظرة التي جرت بين المرشحين الرئاسيين كانت عبارة عن تلاسن أكثر منها تقديم أفكار وحلول".
ولا يعتقد أن فوز الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن بفترة جديدة، أو تمكن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من العودة إلى الحكم سوف يؤثر على مصر أو المنطقة العربية بدرجة كبيرة، ويقول: "سيعمل الرئيس الأميركي، أياً كان، لتحقيق مصالح بلده، وسيعمل الرئيس المصري والحكام العرب لمصلحة بلدانهم، من ثم لا أعتقد أن نتائج الانتخابات الأميركية ستؤثر كثيراً على الأوضاع هنا".