على رغم حالة القلق والسجالات التي أعقبت تصديق برلمان جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي، إلا أن وزير الموارد المائية والري المصري الأسبق الدكتور محمد نصر علام يرى أن الاتفاقية "في خبر كان". وهو يعتقد أنها ليست آخر التهديدات التي سوف تواجه أمن مصر المائي، فثمة محاولات أخرى تقودها إثيوبيا وجهات خارجية لم يسمها.
وتعتبر القاهرة حقوقها المائية في مياه نهر النيل قضية وجودية، حيث يعيش أكثر من 100 مليون مصري تحت خط الفقر المائي بكثير، معتمدين بشكل أساسي على حصة مصر من مياه نهر النيل، والتي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، وتوفر هذه الحصة أكثر من 90 بالمئة من الاحتياجات الأساسية للمصريين.
وتهدف الاتفاقية الى تأسيس مفوضية لدول حوض النيل، وسوف تلغي تلك المفوضية - إذا اكتمل نصاب "عنتيبي" - نظام الحصص الثابتة التي تحصل عليها مصر والسودان، لذا فإن الخرطوم والقاهرة يعارضنها منذ عام 2010، ما أدى إلى عرقلتها.
لا أساس قانوني
ويقول وزير الموارد المائية المصري الأسبق لـ"النهار العربي" إن "قواعد الاتفاق الأساسي الذي أقره البنك الدولي بشأن الاتفاق الإطاري لدول حوض النيل، تقضي بالتوافق الكامل، أي عدم معارضة أي دولة لأي من بنود الاتفاق".
ويضيف: "نتيجة لرفض مصر والسودان لأكثر من بند، قامت دول المنبع (وحدها) بتغيير قواعد الاتفاق، وصوتت على أن يتحول التوافق من "كامل" إلى "أغلبية". وعرفت الأغلبية بثلثي الأصوات".
الدول التي شاركت في المفاوضات كانت 9 دول، وهي: أوغندا، وبوروندي، وتنزانيا، وكينيا، ورواندا، والكونغو، وإثيوبيا، والسودان، ومصر.
ويقول علام إنه "منذ 2010، لم توافق إلا 5 دول فقط، ولا تزال مصر والسودان والكونغو وبوروندي يرفضون"، معتبراً أن "الاتفاقية في خبر كان، وليس لها وجود قانوني أو مؤسسي".
ويشير إلى أن "موافقة جنوب السودان ليس لها أى تأثير مؤسسي أو قانوني، فموافقتها على الاتفاقية يجعل عدد الدول 10، مما يتطلب موافقة 7 دول لتحقيق الأغلبية المطلوبة منذ 14 عاماً، والتي لم تتحقق حتى اليوم".
ليس مناهضة لمصر
كان توقيع جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي مثار دهشة في مصر، خصوصاً أن القاهرة توجه دعماً ومساعدات كبيرة لجوبا، وكان لها دور مهم في جهود إحلال السلام والعمل على جمع الفرقاء من جنوب السودان على مائدة الحوار مرات عدة في القاهرة.
ويقول علام إن "موافقة برلمانات دول الحوض ليست نابعة من موقف سياسي مناهض لمصر، أو لاحتياج مياه أو إقامة مشاريع مائية، لكنها للأسف، نتيجة تعليمات من الخارج، وضغوط تمارسها بعض دول الحوض، وعلى رأسها إثيوبيا".
ويعتقد أن "هذه التهديدات لن تتوقف، وأشكالها ستتجدد، حتى من الدول التي حظيت بالدعم المصري، مثل أوغندا وتنزانيا"، لافتاً إلى أن "اللعبة كبيرة، لكن لدينا من خبراء الأمن القومي من يستوعب قواعدها جيداً، إنهم يحاولون بأقصى ما يستطيعون، وذلك اعتماداً على خبرات سابقة".
قضية وجودية
خاضت القاهرة مفاوضات مضنية مع أديس أبابا بشأن سد النهضة الإثيوبي، الذي تتخوف مصر والسودان من أن يتحول إلى تهديد لمصالحهما المائية، وقبل أشهر قررت القاهرة وقف المسار التفاوضي الذي بدأته والخرطوم مع إثيوبيا قبل نحو 13 عاماً، وذلك بسبب "تعنتها" ورفضها للتوصل إلى توافق بخصوص إدارة السد وملئه.
وخلال الأزمات التي شهدتها قضية سد النهضة، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مراراً على أن حقوق مصر التاريخية في مياه نهر النيل تعد مسألة حياة أو موت، وأن بلاده لن تتنازل عن حقوقها التاريخية.
ويصف علام الوضع المائي المصري بأنه "سيئ للغاية، فنصيب الفرد من المياه في حدود 500 متر مكعب سنوياً، أي نصف الحد الأدنى للفقر المائي. ولذلك نعاني من فجوة غذائية سنوية تزيد عن 10 مليار دولار، ونلجأ لتحلية المياه للشرب في العديد من المدن الساحلية والصحراوية".
هذا الوضع المائي بالغ الصعوبة، والذي قد يهدد حياة عشرات الملايين من المصريين مع تزايد عدد السكان، دفع محللين مصريين إلى توقع أن تستخدم القاهرة كافة الخيارات المتاحة لديها لحماية مصالحها المائية، بما في ذلك المسارات القانونية والدبلوماسية التي تسلكها حالياً، وحتى القوة المسلحة إن لزم الأمر.