تبدو زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي للسودان بمثابة إلقاء حجر في المياه الراكدة للحل السياسي، بعد أكثر من عام وثلاثة شهور على الحرب التي دمرت معالم واسعة في الخرطوم، وصولاً لأزمات إنسانية دفعت الأمم المتحدة لتفعيل محادثات بين الجيش وقوات الدعم السريع بشكل غير مباشر في جنيف. ويتزامن ذلك مع اتصالات وزيارات من السودان وإليه لبحث سبل إنهاء النزاع.
كواليس زيارة أبي أحمد
تكشف مصادر سودانية لـ"النهار العربي" أن رئيس الوزراء الإثيوبي حط في السودان حاملاً سلسلة أفكار لبلورة حل سياسي؛ وهو ما دفعه بداية لطلب اجتماع مغلق مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، الذي استجاب وقاده لمقر إقامته ببورتسودان بسيارته الشخصية، قبل أن ينضم باقي الوفدين للقاء. وتقول المصادر إن أحمد قد عرض على البرهان الوساطة بينه وبين قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي). أما بعد الزيارة، فقد عقد اجتماع ضم البرهان ونائبه شمس الدين كباشي ومساعد القائد العام ياسر العطا، ليصل بعد ذلك مسؤول عسكري إثيوبي ومعه الرجل الثاني في "الدعم السريع" عبد الرحيم دقلو إلى جنوب السودان للقاء الرئيس سيلفا كير، الذي كانت الأوساط السودانية تترقب زيارة وشيكة منه لبورتسودان، بعدما أوفد في وقت سابق مستشاره الأمني توت قلواك للقاء البرهان حاملاً آنذاك وساطة لجمع الأخير مع حميدتي، وهو ما انتهى بالفشل.
وتعتبر المصادر أن الاتصال الهاتفي الذي جرى بين رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والبرهان قد جاء في السياق نفسه لبحث سبل إنهاء الحرب. وذكرت وكالة الأنباء الرسمية الإماراتية "وام" أن الشيخ محمد بن زايد أكد خلال الاتصال "حرص دولة الإمارات على دعم جميع الحلول والمبادرات الرامية إلى وقف التصعيد وإنهاء الأزمة في السودان الشقيق بما يسهم في تعزيز استقراره وأمنه ويحقق تطلعات شعبه إلى التنمية والرخاء".
وأشارت المصادر إلى جولة مشاورات قام بها قائد الجيش السوداني مع عدد من الجهات العربية، لوضعها في صورة التحركات الحالية، وسط توقعات بزيارة وشيكة للقاهرة، وأخرى قد تقوده إلى أديس أبابا التي استضافت قبل أيام لقاء تشاورياً برعاية الاتحاد الإفريقي، بمشاركة عدد من القوى السياسية السودانية، وسط غياب تنسيقية القوى الديموقراطية.
هل تنجح مساعي إثيوبيا؟
يعتبر الكاتب والباحث في الشؤون الإفريقية عبد العزيز محمد، أن مساعي رئيس الوزراء الإثيوبي تنطلق من عدة عوامل تتكامل لتصبح مبادرته الأقرب للحل. ويضيف لـ"النهار العربي": "القلق الإثيوبي بات يتزايد من اقتراب المعارك بين الجيش والدعم السريع إلى ولاية النيل الأزرق والحدود الإثيوبية. وهناك لن يكون من الصعب أن تمتد المواجهات إلى سد النهضة، ما يشكل كارثة اقتصادية وبيئية لا يمكن تفاديها، تمتد من إثيوبيا إلى السودان ومصر أيضاً. والأمر نفسه يتعلق بالمقاتلين الإثيوبيين الذين يقاتلون في صفوف الجيش والدعم السريع. ومن هنا لاقى تحركه الأخير ترحيباً إقليمياً وإفريقياً واسعاً".
لكن محمد يستدرك أن العقدة الأساسية اليوم تكمن في "مدى واقعية البرهان" الذي سبق أن شن هجوماً على إثيوبيا وتراجع عنه، ليعود ويهاجمها مع استقبال أديس أبابا لحميدتي. معلقاً: "يتحدث البرهان عن انتصارات يحققها الجيش، ولكنه في المقابل يخسر الولايات تباعاً، ولا رهانات داخلية أو خارجية يعتمد عليها. لكنه اعتاد المراوغة وعدم الوضوح. وقد تكون المساعي الأخيرة لأبي أحمد مختلفة في ضوء الوضع الميداني الآخذ بالتصعيد".
حصاد المكاسب السياسية
يلفت الكاتب والمحلل السياسي ناصر محمد حسن إلى صعوبة المشهد السوداني وتعقيداته، ومدى الضغط الذي يواجه البرهان إزاء التحركات الخارجية الأخيرة. ويفسر ذلك في حديث لـ"النهار العربي" قائلاً: "الانتشار الميداني والسيطرة بحكم الأمر الواقع للدعم السريع على الخرطوم والجزيرة وسنار، تعني ببساطة أن حميدتي لن ينسحب منها بدون مكاسب سياسية واضحة تتعلق بتمثيله المستقبلي ليس كحزب أو تيار مدني، بل كسلطة أمر واقع تسيطر على جزء من السودان. وبالتالي فإن الثمن الذي على البرهان وفريقه القبول به سيكون عالياً جداً، ويواجه معه ضغطاً شعبياً بعد سلسلة الوعود بحسم المعركة ميدانياً، وهو ما لم يحصل".
ويخلص ناصر إلى أن الاتصالات الأخيرة تسعى إلى الترتيب لتنازلات من البرهان وحميدتي، عنوانها الرئيسي هو الحفاظ على أكبر قدر من المكتسبات، وبرعاية إقليمية وإفريقية تقود لإنهاء القتال المدمر في السودان، معقباً: "التحرك الإثيوبي الأخير وقبله زيارة المسؤول السعودي، ولاحقاً جولة البرهان العربية والإفريقية عنوانها استمزاج الآراء: إما ولادة مكون سياسي جديد يقود البلاد في المرحلة المقبلة، وإما تفكك السودان تماماً مع استمرار حرب هي أعقد من كل ما شهدته أفريقيا من قبل."