تشكل المياه مسألة حياة أو موت بالنسبة للمصريين، وقد فسر البعض النشاط المتزايد للقاهرة في أفريقيا، خلال السنوات الأخيرة، بأنه توجه تحركه المصالح المائية لهذا البلد الذي يعاني من قلة الموارد المائية.
وقد أثير الكثير من الجدل بعد توقيع جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي، قبل أيام، وهي اتفاقية تهدف لتأسيس مفوضية للتعاون بين دول حوض النيل، وترمي لإلغاء نظام الحصص المائية التي تحصل عليها القاهرة والخرطوم، ما فتح الحديث مجدداً عن أهمية الحضور المصري في أفريقيا.
وبينما يقر مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشؤون الأفريقية السفير إبراهيم الشويمي بمحورية قضية المياه لمصر، واعتبارها قضية وجودية، يؤكد في حديث خاص لـ"النهار العربي" أن المياه ليست هي البوصلة التي تحدد توجهات مصر في أفريقيا، وأن ثمة فرصاً كبيرة للتعاون ومصالح مشتركة كثيرة تجمع القاهرة بالدول الأفريقية وتحركها في القارة السمراء.
وقد أرجع بعض السياسيين والمحللين السبب في تصاعد تلك التهديدات إلى ما وصفوه بغياب مصر عن القارة السمراء، ومن ثم قلة تأثيرها، خصوصاً في حقبة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك (1981-2011)، ما مكن أطرافاً من إقناع بعض البلدان الأفريقية، ولا سيما دول حوض النيل، بأن القاهرة تقف ضد التنمية فيها، وتتصدى لاستغلال مياه نهر النيل في مشروعاتهم الوطنية.
المياه مهمة ولكن
يرفض الدبلوماسي الذي يعدّ من أهم الخبراء المصريين في الشأن الأفريقي، الرأي القائل بأن غياب مصر عن أفريقيا هو ما قاد إلى تهديد مصالحها المائية، ويقول: "مصر ظلت حاضرة في أفريقيا، في عهد رؤسائها السابقين جمال عبد الناصر، وأنور السادات، ومبارك. ومبارك هو الذي أنشأ الصندوق المصري للتعاون مع أفريقيا".
وأضاف: "لكن لا شك في أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أعطى قوة دفع كبيرة لهذه العلاقات منذ توليه السلطة في عام 2014، وقد بحث كافة المشكلات التي تعاني منها بلدان القارة، ودعا إلى أن ننهض جميعاً معاً".
وعما إذا كانت المصالح المائية هي المحرك الرئيسي للنشاط المصري في أفريقيا، يقول: "نحن نتعاون بشكل أساسي وفي مجالات كثيرة مع دول حوض النيل (شرقاً)، لكن أيضا لدينا تعاون مع كافة الدول الأفريقية، فعلى سبيل المثال نتعاون مع دول غرب أفريقيا جميعاً، ولنا علاقات مع السنغال، وساحل العاج، والكونغو وغيرهم، وتمد مصر كافة الدول الأفريقية وتساعدها في توفير الأطباء والمهندسين والمعلمين".
هذا النشاط الذي شهده الحضور المصري خلال الأعوام العشرة الماضية، والذي اتخذ أشكالا عدة، منها مساعدة دول أفريقية عدة في بناء سدود للاستفادة من مواردها المائية، وإقامة مشروعات تنموية، وتقديم منح تعليمية لأبنائها، والتنسيق بين الحكومة والقطاع الخاص المصري في ضخ الاستثمارات في أفريقيا، كل هذا ساهم بشكل جلي في تحسين العلاقات المصرية - الأفريقية، ما جعلها ولأول مرة منذ تأسيس الاتحاد الأفريقي عام 2002 تتسلم رئاسته في دورته السنوية عام 2019، وقد قامت خلال تلك الفترة بالدفاع عن المصالح الأفريقية، وتعزيز علاقاتها مع دول الاتحاد، حسبما أشار الشويمي.
مزيد من الحضور
في الأعوام الأخيرة تزايدت المعاملات التجارية بين مصر ودول القارة، وقد بلغت عام 2023 قرابة 6 مليارات دولار أميركي، ومع هذا يعتقد الدبلوماسي المصري أن هذا أقل بكثير مما يمكن تحقيقه، ويقول: "يجب الانشغال بأفريقيا بقدر أكبر، وأعتقد أن نائب وزير الخارجية الجديد السفير أبو بكر حفني لديه خبرة كبيرة جداً في أفريقيا، ويمكن أن يلعب دوراً مهماً في هذا السياق".
ويرى أنه لا تزال لدى القاهرة فرص لم تستغل بعد، ويقول: "يجب أن ننشغل أكثر بأفريقيا، ونؤكد دوما لبلدانها أننا جزء من القارة السمراء، وحين نستورد، يجب أن نستورد من أفريقيا أولاً، وحين نصدر نتوجه إليها، وعلينا أن نقيم المزيد من المشروعات والاستثمارات ونتعاون بصورة أوسع مع الدول الأفريقية".
وعن المشروعات الطموحة التي تم طرحها مؤخراً، ومنها طريق القاهرة - كيب تاون، وكذلك بعض المشروعات المائية المشتركة مع بلدان من حوض النيل، يرى الشويمي أنها مهمة، ويعلق: "لا شك في أن المشروعات المائية لها أولوية، أما بالنسبة للطريق الذي يربط بين مصر وجنوب أفريقيا ويهدف إلى تنشيط الحركة التجارية بين دول القارة، فإنه يحتاج إلى تمويلات ضخمة للغاية، قد لا تكون متوافرة الآن".