تتسارع الجهود الدولية للتوصل إلى حل سياسي في السودان بعد سلسلة اتصالات ولقاءات بلغت ذروتها مع الدعوة الأميركية إلى محادثات في سويسرا. وفيما رحبت قوات الدعم السريع بالدعوة، تتجه الأنظار إلى موقف السلطة التي توسعت مروحة الاجتماعات معها مع دخول إيراني على الخط واستعادة العلاقات المقطوعة منذ قرابة ثماني سنوات.
ففي ثاني زيارة لمسؤول عربي للسودان، التقى وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية سلطان بن سعد المريخي قائد الجيش رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان. وأفادت الخارجية القطرية في بيان بأن اللقاء الذي عقد في بورتسودان بحث علاقات التعاون بين البلدين. وتأتي زيارة الوزير القطري بعد زيارة نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي. وتوسعت مروحة اللقاءات مع زيارة سريعة حملت وزير الدبلوماسية السوداني حسين عوض إلى القاهرة للقاء نظيره المصري بدر عبد العاطي.
وفي جيبوتي، وعلى هامش الاجتماع التشاوري الثاني بشأن تعزيز مبادرات السلام وجهوده، التقى الخريجي المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو. وبحسب مصادر محلية، من المتوقع أن يقوم بيرييلو ومعه مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية سامنثا باور بزيارة للسودان في بداية الشهر المقبل، وسط جدال واسع بشأن الدعوة إلى محادثات وقف إطلاق النار في سويسرا ابتداءً من الرابع عشر من آب (أغسطس) المقبل.
وقد سارع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى الترحيب بالدعوة الأميركية، وقال في بيان: "نجدد موقفنا الثابت، وهو الإصرار على إنقاذ الأرواح ووقف القتال وتمهيد الطريق لحل سياسي تفاوضي سلمي يعيد البلاد إلى الحكم المدني ومسار التحول الديموقراطي"، فيما بدا لافتاً غياب أي رد رسمي من مجلس السيادة أو الدبلوماسية السودانية حيال التحركات الأخيرة. وبحسب قول مصادر متابعة لـ"النهار العربي"، فإن اتصالات أجريت في الأسابيع الماضية بين الحركة الإسلامية من جهة وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، أفضت إلى مرونة بين كلا الطرفين واستعداد الأخيرة لقبول الإسلاميين كجزء من العملية السياسية.
إيران تعود وإريتريا تطرد دبلوماسياً سودانياً
في موازاة ذلك، قدم السفير حسن شاه حسيني أوراق اعتماده إلى البرهان ليصبح أول سفير إيراني في السودان منذ قطع العلاقات عام 2016 بعد علاقات جمعت طهران بنظام عمر البشير ووصفت بالإيجابية جداً، فيما ترددت أنباء عن توجه سفن وطائرات شحن إيرانية إلى بورتسودان في الأسابيع القليلة الماضية كمسعى لدعم الجيش السوداني. وفي المقابل، بدا لافتاً إعلان إريتريا طرد القائم بالأعمال السوداني السفير خالد عباس الذي أمهلته 72 ساعة لمغادرة أسمرا. وبحسب مصادر محلية، فإن الاصطفافات الأخيرة بعد زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد لبورتسودان قد تكون من العوامل التي أثارت غضب الرئيس الإريتري إسياس أفورقي ودفعته إلى طرد الدبلوماسي السوداني.
ولكن ما الذي دفع الأميركيين للتحرك الآن وقبل استحقاق الانتخابات الرئاسية؟
يقول الكاتب والباحث طلال مدثر إن الظهور الأميركي المكثف أخيراً في الملف السوداني جاء بعد انتقادات كثيفة صوبها الكونغرس تجاه إدارة بايدن واتهامها بالتعاطي السيئ مع ملف أفريقيا عامةً والسودان خاصةً. ويضيف لـ"النهار العربي": "هذه الانتقادات لم تدفع إدارة بايدن إلى التعامل بجدية مع ملف السودان بقدر ما دفع بها التقارب الروسي - السوداني أخيراً لترمي بثقلها في المبادرة الأخيرة هذه إلى حد الدفع بوزير خارجيتها أنتوني بلينكن ليكون على رأس قيادة دفة التفاوض، وربما نشهد ظهوره في الجلسات الأولى حال تلقي موافقة الجيش السوداني وإعلانه قبول الدعوة".
وبحسب مدثر، فإن الجانب الأميركي حشد جيداً هذه المرة، إذ يرى في زيارة المبعوث بيرييلو محاولة لخلق الأرضية المثالية لانطلاقة جولة التفاوض وتعزيز فرص نجاحها؛ وهو أيضاً تطور لافت في الموقف الأميركي، على حد تعبيره، مضيفاً: "هذا يُظهر للمرة الأولى احتراماً للحكومة والجيش السوداني، إذ تعمد المبعوث نفسه طوال أشهر تعيينه إهمال التعامل مع الجيش مقابل كامل الإصغاء لبقية الأطراف الأخرى والكيانات السياسية، ما أظهره كنصير مساند لأطراف أكثر من كونه وسيطاً بينهم".
أما الكاتب والمحلل السياسي عيسى دفع الله فيرى أن استمرار الحرب وزيادة كلفة الملف الإنساني كانا العامل الأكثر أهمية. ويقول لـ"النهار العربي": "استمرار الحرب وزيادة التكلفة في الملف الإنساني الذي يلقي بأعباء ومسؤولية أخلاقية وإنسانية على عاتق المجتمع الدولي، وللامبالاة طرفي الصراع بمصير المدنيين، كلها أسباب أدت إلى رفع صوت إيقاف الحرب من المجتمع الدولي الذي لم يعطِ الحرب السودانية أي اهتمام خلال 15 شهراً الماضية". وبحسب دفع الله، فإن "هناك سبباً إضافياً هو أن واشنطن ترى ملف السودان جزءاً من أجندة الخطاب الانتخابي للحزب الديموقراطي، ما يعني ضرورة رفع العصا ضد المتحاربين لإعادتهم إلى بيت الطاعة الأميركي، وبالتأكيد هي قادرة على ذلك لسيطرتها على الدول الداعمة للحرب".
فرص نجاح المحادثات المقبلة
يرى مدثر أن فرص النجاح تتوقف على الإجابة عن أسئلة عدة ترتبط بالبناء على إعلان جدة القاضي بانسحاب الدعم السريع من منازل المواطنين والخروج من الأعيان المدنية. ويقول: "هل يملك الدعم السريع نفسه سلطة على قواته نفسها وأمرها بتنفيذ الإخلاء بعد حالة التفلت الواضحة التي أظهرتها في عدد من المدن التي اجتاحتها؟ في المقابل، تريد بعض قيادات الدعم السريع البناء في هذه المفاوضات على ما تم التوصل إليه في مفاوضات المنامة، وهي تفاهمات تمت من قبل الجيش قبل أن تواجه بالرفض من قائده. ربما أيضاً يتمسك الدعم السريع بالبناء على مفاوضات المنامة، ما يجعل الوسيط السعودي - الأميركي أمام معضلة المواءمة بين هذين الأمرين. وهنا سيظهر دور المراقبين ذوي التأثير على الطرفين". ولا يقلل مدثر من فكرة الانخراط الأميركي رغبة بتحسين صورة الإدارة الحالية قبل الموقف الانتخابي، أو لرغبة بإعادة التموضع في أفريقيا.