أثارت قرارات السلطات الأمنية السودانية حيال الأجانب جملة من التساؤلات بشأن حقيقة علاقتهم بالحرب الحالية من جهة، ومصير من تبقّى في البلاد من الجاليات العربية وغيرها من جهة أخرى، وسط معلومات رسمية عن انخراط بعضهم في القتال وإجراءات مشدّدة طالت ولايات عدّة مؤخّراً.
وعشية انقضاء المهلة التي حدّدتها الشرطة في ولاية الخرطوم للأجانب للمغادرة، حرصاً على سلامتهم، أصدر والي نهر النيل محمد البدوي عبد الماجد قراراً وُصف بأمر الطوارئ، يحمل إجراءات مشدّدة بحق الأجانب، داعياً للتبليغ عن أي أجنبي منهم، ومنع تشغيلهم في أي مهنة، وحتى منع توفير السكن والإيواء لهم. وبينما قالت وكالة الأنباء الرسمية "سونا" إنّ خلية أمنية ضبطت عدداً ممن وصفتهم بالمتسللين والمتعاونين مع "قوات الدعم السريع"، وبينهم أجانب، بدأت حملات مكثفة لطردهم إثر انتهاء مهلة المغادرة الطوعية التي امتدت أسبوعين. وكان الجيش السوداني أعلن في مناسبات عدة عن أسر مقاتلين من جنوب السودان وتشاد في معارك سابقة، أشهرها في أم درمان، حين استعاد مبنى الإذاعة والتلفزيون في آذار (مارس) الفائت.
هؤلاء هم الأكثر عدداً
ويستضيف السودان، منذ ما قبل الحرب، أعداداً من اللاجئين من دول الجوار الأفريقي. وساهمت الحدود غير المضبوطة في تدفق أعداد كبيرة من دون أوراق رسمية، ما كان يستدعي السلطات للقيام بحملات منظمة لضبط هذا الانتشار.
في المقابل، تعدّ الجاليات المصرية والسورية واليمنية من الأكثر حضوراً في البلاد، إذ سبق أن أشارت وزارة الهجرة وشؤون المصريين في الخارج إلى أن عدد أفراد الجالية المصرية في السودان يقدّر بنحو 10 آلاف شخص، فيما كان يدرس نحو 5 آلاف طالب هناك. وتشير أرقام صادرة عن وزارة شؤون المغتربين اليمنية أن عدد اليمنيين في السودان كان يقترب من 50 ألفاً. وتقدّر السفارة السورية عدد السوريين ما قبل حرب السودان بـ30 ألفاً، غالبيتهم في الخرطوم.
وتذكر مصادر محلية أن البعثات الدبلوماسية السودانية في الخارج تتشدّد كثيراً في منح أي تأشيرة دخول لأي أجنبي وافد للسودان، حتى لو كان يحمل سمة إقامة سابقة، وهو إجراء يشمل مختلف الجنسيات على حدّ قول المصادر.
سوريون ويمنيون عالقون
وبينما نجحت غالبية الدول بإجلاء رعاياها من السودان في الأسابيع الأولى للحرب، بدا الأمر متعثراً للبعض، كاليمنيين والسوريين. يقول أحد أفراد الجالية السورية لـ"النهار العربي" إنّ رحلات جوية قليلة بين بورتسودان ودمشق تمكنت من نقل بعض السوريين، فيما لم يتمكن آخرون من المغادرة بسبب التكاليف العالية. ومع انتهاء إقامتهم، لم تسمح السلطات المحلية بتجديدها، ما أدّى إلى وقوعهم في مخالفات وتحمّلهم غرامات عالية، بحسب قوله.
ويتابع الرجل، الذي فضّل عدم ذكر هويته، أنّ الأغلبية الساحقة غادرت الخرطوم بالفعل منذ بداية الحرب، سواء لولاية الجزيرة أو لبورتسودان، من دون أرقام واضحة عن عدد من بقي في البلاد، لا سيما أن البعثة الدبلوماسية السورية لم تعاود فتح مقراتها هناك.
خزان من المرتزقة
يصف الناشط الميداني محمد عادل القرارات الأخيرة لضبط الوجود الأجنبي بالمتأخّرة جداً ومن دون جدوى، عازياً ذلك إلى حدود غير مسيطر عليها، تسمح بمرور الآلاف من المرتزقة للمشاركة في القتال. ويقول لـ"النهار العربي": "ثمة أعداد كبيرة من مقاتلي القبائل ينتشرون من تشاد إلى النيجر ومالي وحتى أفريقيا الوسطى. ومهما بذلت هذه الدول من جهود لضبط حدودها، فلن تتمكن من السيطرة على خزان بشري مترابط قادر على التوجّه للقتال في السودان، طمعاً بالمال والمكتسبات من أموال وسيارات وغيرها"، وهذا يفسّر العثور على عربات لسودانيين في دول الجوار مثل تشاد.
يُرجع عادل أصل المشكلة إلى التساهل الحاصل في أيام حكم عمر البشير لناحية تدفق الأجانب، والذي وصل حدّ منح الجنسيات بشكل كبير لمن لا يستحقونها، بحسب رأيه، من دون أن تنفع قرارات مجلس السيادة لاحقاً بمراجعة إجراءات الجنسية أو الإقامات الممنوحة. يضيف: "لن يقود ذلك إلّا إلى تنامي الكراهية ضدّ غير السودانيين، فهناك الكثيرون ممن فرّوا من الحروب في بلادهم واستضافهم السودان، ولا ذنب لهم بما يجري اليوم. لكن هذه الممارسات الاعتباطية ستؤدي إلى أزمات اجتماعية بعد الحرب".
خطوة متأخّرة... وضرورية
بدوره، يرى الناشط الاجتماعي زايد حافظ أنّ قرار السلطات الأخير متأخّر وضروري في الوقت نفسه، طارحاً تصنيفاً للوجود الأجنبي في السودان. يقول لـ"النهار العربي": "هناك أجانب قَدموا بطريقة نظامية، أغلبيتهم من جنسيات عربية، ووجودهم لا يضرّ بالأمن القومي. لكن هناك أجانب من دول الجوار التي تشهد نزاعات مسلحة أو مجاعات أو انخفاضاً في دخل الفرد، مثل دول الساحل الأفريقي وجنوب السودان وإثيوبيا، يدخلون البلاد بصورة غير نظامية، ما أضرّ بالأمن القومي. وبعضهم، مثل الوافدين من جنوب السودان وإثيوبيا، تلقّوا تدريبات عسكرية وكانوا جزءاً من حروب بلادهم الأهلية".
وبحسب زايد، ترى الدولة أن الأجانب الوافدين من هاتين الدولتين يقاتلون في صفوف "الدعم السريع"، لافتاً إلى حضور أشخاص من غرب أفريقيا أيضاً كانوا يمتهنون التسول قبل الحرب واشتهروا بالسرقات، خصوصاً في سوق أم درمان وبيوت الأهالي هناك، معلقاً: "خطوة الإجلاء مهمّة، لكنها متأخّرة جداً. وكان يجب إيجاد حلول لهم، لكن المهم اليوم هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومحاولة ضبط العناصر المتورطة، لا سيما من إثيوبيا وجنوب السودان".