لم يكن استهداف قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان الأول من نوعه، لكن طرح التساؤلات عن الجهة المستفيدة من محاولة اغتياله يخلط الأوراق، وسط حديث عن تيار مناهض للتفاوض المرتقب استئنافه منتصف آب (أغسطس) المقبل، ضمن جولة سلمت الحكومة ردها على الدعوة بصيغة أقرب إلى التساؤلات منها إلى القبول أو الرفض.
فقد أشار بيان للقوات المسلحة إلى أن المضادات الأرضية تصدت لمسيرات هاجمت حفل تخريج دفعات من الكلية الحربية والبحرية والجوية في جبيت شرقي البلاد، ما أسفر عن مصرع خمسة أشخاص. وأظهرت مقاطع مصورة استهداف الاحتفال خلال القيام بعرض عسكري بحضور البرهان، حيث انقطع البث المباشر فجأة قبل أن يتبين حدوث استهداف مباشر بالمسيرات.
فرضية اغتيال
قالت مصادر ميدانية إن الضحايا هم أربعة من الحرس الرئاسي الخاص بالبرهان، ما يشير إلى فرضية محاولة اغتيال، علماً أنها المرة الأولى التي تطال المسيرات فيها ولايات البحر الأحمر والشرق السوداني، حيث تتمركز فرق الجيش وقياداته.
وتحدثت المصادر عن مغادرة البرهان فوراً عائداً إلى بورتسودان، بعدما التقى عدداً من الضباط قبل وقوع الحادثة، فيما كان منتظراً أن يتحدث عن موقف الحكومة الرسمي من الدعوة الأميركية لجولة مفاوضات جديدة في جنيف منتصف آب (أغسطس) المقبل. ونفت مصادر مقربة من "الدعم السريع" مسؤولية الأخير عن الاستهداف، ملقية بالمسؤولية على التيارات الإسلامية الرافضة لقبول التفاوض.
وكان لافتاً في الأيام القليلة الماضية انقسام الرأي العام السوداني بين توجه داعم للمفاوضات وآخر رافض لها ومحذر من انقسام المؤسسة العسكرية في حيال ذهاب الجيش إلى المباحثات المرتقبة في جنيف.
الخرطوم تتساءل
وكانت الخارجية السودانية قد أعلنت الإثنين عن تعاونها مع أي جهة تسعى إلى صون دماء السودانيين وحفظ كرامتهم في مؤشر على قبول الدعوة للتفاوض مع الدعم السريع. كما أوضحت في بيان لها أن أي مفاوضات قبل تنفيذ إعلان جدة القاضي بالانسحاب الشامل لن يكون مقبولاً من الشعب السوداني. وتقول مصادر متابعة لـ"النهار العربي" إن الرد الرسمي كان أقرب إلى الأسئلة حيال عدم استشارة الحكومة في شكل وأجندة التفاوض، والدول المشاركة بصفة مراقب، وكذلك مصير النقاط المتفق عليها سابقاً في منبر جدة، والدعوة التي وجهت إلى البرهان بصفته قائد الجيش وليس رئيس مجلس السيادة، وهي الصيغة ذاتها التي يصرّ عليها "الدعم السريع" حيث اشترط قائد الفصيل العسكري محمد حمدان دقلو (حميدتي) حضور البرهان بهذه الصفة للقائه في جيبوتي نهاية العام الماضي، قبل إلغاء الاجتماع فجأة وقتها.
كما طالبت ببحث وقف النار، وليس الخوض في فتح مسارات إنسانية بحسب المصادر التي توقعت تدخلاً مصرياً في هذا السياق، إثر سلسلة اجتماعات شهدتها مدينة العلمين بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره التشادي محمد إدريس ديب، وتوقع انعقاد قمة رباعية تضم الأطراف الفاعلة في المشهد السوداني إقليمياً، وفق المصادر نفسها.
خلط أوراق وتصعيد
يشير الكاتب والباحث محمد إدريس عبد الله إلى مدى خطورة استهداف البرهان، متهماً "الدعم السريع". يقول لـ"النهار العربي" إن هذه الحادثة تطال للمرة الأولى الولايات الآمنة في البحر الأحمر، "فسبق أن هاجمت المسيرات مناطق في شندي والقضارف لكن هذه المواقع قريبة إلى حد ما من خطوط الاشتباكات. أما أن تصل المسيرات إلى بورتسودان وجوارها فهو أقوى رسالة للبرهان بأنه لم يعد هناك موقع للجيش لن تطاله قوات الدعم".
ولا يستبعد عبد الله أن تكون الحادثة الأخيرة رسالة ضغط على البرهان ليكون الحلقة الأضعف في أي مفاوضات مقبلة، مضيفاً: "متوقع حدوث تصعيد ميداني قبل أي جولة تفاوض، وهو ما كان يجري في حصار سنار والاقتراب من ولايات القضارف والنيل الأزرق. لكن الاقتراب من البرهان أكثر من أي وقت مضى يعني مزيداً من خلط الأوراق وإعادة ترتيب المشهد الميداني بترجيح الكفة للدعم السريع".
فتش عن الإسلاميين
للخبير الميداني جعفر ود عبد الرحمان وجهة نظر مختلفة، إذ يلقي بالمسؤولية على التيار الإسلامي الذي يحبط أي عملية تفاوض قد تنتزع منه مكاسب سلطوية. وفي حديثه لـ"النهار العربي"، يستشهد بالحملة التي يصفها بـ"الشرسة" ضد البرهان في الأيام الماضية لجهة حثه على رفض التفاوض، مهما كانت الضغوط الإقليمية والدولية. ويقول: "المسافة بين مواقع الدعم السريع وبورتسودان وجوارها، وهذا يعني أحد احتمالين: الأول، وجود خلايا نائمة في الشرق؛ والثاني، وجود عناصر متشددة ترفض أي عملية سياسية. وفي الحالتين هناك إشكالية اختراق واضح في صفوف المؤسسة العسكرية".
ويستند الرجل إلى حقيقة مفادها أن الحركة الإسلامية تتحكم بمفاصل المشهد الداخلي السوداني، مراهنة على إنهاك خصومها، وبينهم المؤسسة العسكرية، تمهيداً لتسيّد المرحلة وإمكانية التقدم والسيطرة التدريجية على مفاصل البلاد، مضيفاً: "ما زال رهان الحركة الإسلامية وعلي كرتي تحديداً على استمرار القتال، ما دام ذلك يستنزف الدعم السريع ولا يكلف الجيش إلا المزيد من الانسحابات حتى يصل إلى مرحلة يستعيد فيها التقدم، لكن بعد أن يصل الأمر بالمؤسسة العسكرية إلى انقسام يبعد التيارات المخالفة لتوجهاتهم، ما يعني المزيد من الحروب الأهلية التي تهدد كل ما يضمن وحدة السودان".