النهار

جهود مكثّفة للوزير الجديد في محيط مضطرب... أيّ تغييرات في السياسة الخارجية المصرية؟
القاهرة - ياسر خليل
المصدر: النهار العربي
خلال ثلاثة أيام فقط اجتمع الوزير المصري بسفراء بلده في الخارج والسفراء المنقولين حديثا لرئاسة عدد من بعثات مصر الدبلوماسية والقنصلية، كما تواصل مع نظراءه في دول عدة...
جهود مكثّفة للوزير الجديد في محيط مضطرب...
أيّ تغييرات في السياسة الخارجية المصرية؟
وزير الخارجية المصري خلال افتتاح مؤتمر الجاليات المصرية بالخارج
A+   A-

شهدت الدبلوماسية المصرية نشاطاً ملحوظاً، أخيراً، شمل لقاءات واتصالات عدة أجراها وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع مسؤولين إقليميين ودوليين، وتحركات لبعثات مصرية في دول ومنظمات شتى حول العالم، كما حظيت الجاليات المصرية في الخارج بنصيب من هذه الأنشطة، إلى جانب مساع لجلب الاستثمارات الأجنبية.

 

وخلال ثلاثة أيام فقط اجتمع الوزير المصري بسفراء بلده في الخارج والسفراء المنقولين حديثاً لرئاسة عدد من بعثات مصر الدبلوماسية والقنصلية، كما تواصل مع نظرائه الروسي سيرغي لافروف، والإيراني على باقري كني، واللبناني عبد الله بوحبيب، والهندي سوبرامانيام جايشانكر، والسعودي الأمير فيصل بن فرحان، ورئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا، والمنسق الأممي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند، والمبعوث الأميركي للسودان توم بيرييلو، وغيرهم.

 

 

وتواكبت تلك النشاطات المكثفة مع تصاعد التوترات بمنطقة الشرق الأوسط على خلفية اغتيال إسرائيل كلّاً من رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية خلال وجوده في طهران، والقائد العسكري الكبير في "حزب الله" فؤاد شكر الذي تم استهدافه في الضاحية الجنوبية لبيروت.

 

ومع أن القضية الفلسطينية تقع في بؤرة الاهتمام السياسي والشعبي المصري، إلا أن ثمة قضايا حاضرة بقوة في دائرة اهتمامات السياسة الخارجية المصرية باعتبارها تمثل تحدياً للأمن القومي، وفي مقدمتها الحرب المشتعلة جنوباً في السودان منذ نيسان (أبريل) 2023، والأوضاع المضطربة غرباً في لبييا، وارتفاع أعداد الوافدين لنحو 9 ملايين، إلى جانب أزمة سد النهضة الإثيوبي واتفاقية عنتيبي، وهما ملفان يشكلان تهديداً لحصة القاهرة من مياه نهر النيل الذي يعد المصدر الرئيسي للمياه في مصر التي تعاني من ندرة مائية.

 

كما تعتبر الأزمة الاقتصادية الصعبة التي تواجهها الدولة منذ عام 2022 تحدياً قوياً، لذا تعمل الحكومة على جذب الاستثمارات الأجنبية، كما تقوي صلاتها بجالياتها، وفي هذا الإطار افتتح الوزير المصري مؤتمر المصريين في الخارج، بالعاصمة المصرية، يوم الأحد.

 

ومع تولي عبد العاطي مهام عمله في 3 تموز (يوليو) الماضي، ونشاطه الملحوظ خصوصاً بعد تصاعد التوترات الأخيرة، سادت توقعات بأن ثمة تغييرات ما في السياسة الخارجية المصرية قيد التطبيق.

 

 

قدرات غير مستغلة

ويرى مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير جمال بيومي أن "سياسة مصر الخارجية ثابتة، ترتكز على السلام"، ووصف ما يقوم به الوزير عبد العاطي بأنه "تركيز على نقطة بالغة الأهمية، وهي إبراز القدرات غير المستغلة لدى مصر".

 

ويقول بيومي الذي يمتلك 60 عاماً في الخبرة الدبلوماسية لـ"النهار العربي" إنه يعرف عبد العاطي منذ كان ملحقاً دبلوماسياً، "وقد عاصرته وهو يحصل على الماجستير والدكتوراه، وحين ذهب إلى بروكسل، وألمانيا التي منحته وساماً عظيماً، ويمكنني أن أصفه بأنه أخذ السلّم الدبلوماسي من قاعه حتى قمته، لذا فهو من أكثر الدبلوماسيين المصريين الذين عرفتهم دراية بالتفاصيل".

 

ويضيف: "أرى أن الوزير لديه مقدرة على إبراز بعض الإمكانات التي لم نستغلها بعد، سواء في ما يخص الكارثة التي تكاد تحل بالشرق الأوسط، وكيفية مواجهتها، أو من جهة جذب الاستثمارات والاهتمام بالجالية المصرية في الخارج".

 
 

 

وفيما يخص الخطوط العريضة للسياسة الخارجية للقاهرة، يقول الدبلوماسي المخضرم: "لقد أخذت مصر مسيرة السلام كركيزة أساسية، ونعتقد أن هذا أفضل مسار يمكن اتخاذه، ولم نحد عنه أبداً منذ الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وحتى اليوم، والخارجية المصرية بشكل خاص لديها قناعة راسخة بأهمية السلام".

 

ويشير إلى أن "ثمة اعتقاداً بأن ما يجري حولنا، جزء منه يهدف إلى استدراج مصر لصراع عسكري مسلح. أعتقد أننا نستطيع من خلال السلام أن نحقق نتائج أفضل، ويمكننا أن نخدم الفلسطينيين أكثر مما لو خضنا حرباً".

 

ويضرب الدبلوماسي مثالاً: "يسيطر الإسرائيليون على معبر رفح، وهذا يعرقل دخول المساعدات، لكن من خلال الاتصالات التي تقوم بها القاهرة، نستطيع أن ندخل المساعدات للفلسطينيين في غزة، ويستطيع طيراننا الحربي أن يحلق فوق القطاع ويمدهم بالمساعدات من خلال إسقاطها جواً في المناطق التي لا يمكن الدخول إليها برياً. صحيح أن المساعدات ليست بالقدر الذي نريده، ولكن لو انزلقنا للصراع لما تمكن طيراننا الحربي من التحليق فوق غزة لإمداد الفلسطينيين بالمساعدات، ولازدادت أوضاعهم سوءاً".

 

 

تحجيم الصراع

من جانه يقول مدير المركز العربي للبحوث والدراسات في القاهرة هاني سليمان لـ"النهار العربي" إن "الاتصالات والأنشطة المكثفة التي قامت بها وزارة الخارجية المصرية، أخيراً، الهدف منها هو محاولة احتواء الأوضاع المتوترة بالمنطقة، قبل الوصول إلى نقطة الانفجار، والحيلولة دون اتساع رقعة الصراع وفتح جهات جديدة، خصوصاً في ظل الأحداث المتسارعة التي وقعت خلال فترة وجيزة، ومن أهمها الاعتداء الإسرائيلي على الداخل اللبناني واستهدافه لعدد من الكوادر، وكذلك الاختراق الإسرائيلي للداخل الإيراني واغتيال هنية".

 

لذا يعتقد سليمان أن "هذه العمليات هي ضربة موجعة للنظام الإيراني ما يجعل فرص اشتعال الموقف حرجة للغاية، ما يبرز الحاجة للدور المصري. ما جرى يؤكد أن هناك عبثاً إسرائيلياً وعدم اكتراث بالتهدئة وعملية السلام. لكن هذا لا يمنع من المحاولة والعمل على احتواء الموقف قبل المزيد من الاشتعال".

 

 

ويضيف: "إلى جانب الملف الفلسطيني الذي يقع في قلب اهتمامات السياسة الخارجية المصرية، تأتي ملفات أخرى بالغة الأهمية ومنها دون شك الحرب المشتعلة في السودان، وقد شهدنا دوراً متصاعداً لمصر في هذا الملف خلال الفترة الأخيرة. وأعتقد من خلال هذه التحركات، فإن وزير الخارجية المصري الجديد يحاول تقديم نفسه، وتوسيع اتصالاته، في ظل هذه الأوضاع الإقليمية المتوترة".

 

ويرى أنه "رغم ثبات السياسة الخارجية المصرية، وأسسها الراسخة منذ عقود متتالية، ومساهمة رئاسة الجمهورية في رسمها، وتداخل دورها مع الدور الذي تلعبه المخابرات العامة المصرية ومؤسسات أخرى، ولكن تولي وزير خارجية جديد المنصب يعطي فرصة لإعادة التعريف وإعادة تنسيق علاقات مصر الخارجية، وكذلك قد يتضمن هذا وضع تكتيكات مختلفة، ولا شك في أن السمات الشخصية للوزير يكون لها تأثيرها ودورها في تنفيذ تلك السياسات".

اقرأ في النهار Premium