نشرت وسائل إعلام وصفحات إسرائيلية صوراً لفتحات أنفاق، تقول إن الجيش الإسرائيلي عثر عليها في منطقة رفح الفلسطينية، وادّعت أن تلك الانفاق تصل إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، ويتم استخدامها لتهريب الأسلحة لصالح حركة "حماس" التي تخوض مواجهات ضارية مع القوات الإسرائيلية في قطاع غزة منذ أكثر من 10 أشهر.
ويقول وكيل الاستخبارات العامة المصرية السابق اللواء محمد رشاد لـ"النهار العربي" إن "مسألة الانفاق التي تم حفرها للربط بين سيناء وغزة، تم الانتهاء منها خلال مرحلة الحرب على الإرهاب التي خاضتها مصر، وقضت إبانها على الجماعات المتطرفة في شبه الجزيرة".
وكانت سيناء شهدت نشاطاً للجماعات الإرهابية خلال حكم جماعة "الإخوان المسلمين"، وبعد إطاحة الجماعة من سدة الحكم في عام 2013، تعاظم نشاط تلك الجماعات وقامت بعشرات العمليات المسلحة ضد قوات الجيش والشرطة وكذلك المدنيين، إلى أن أطلقت القاهرة العملية الشاملة "سيناء 2018" والتي قضت على الإرهاب في سيناء وشتى ربوع مصر في أقل من ثلاثة أعوام.
وينفى الباحث المتخصص في الشؤون العبرية خالد سعيد صحة الادعاءات الإسرائيلية، ويقول لـ"النهار العربي" إن "الهدف من هذه الادعاءات هو رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنامين نتنياهو في الحفاظ على مكاسبه السياسية، بالدفع نحو المزيد من التصعيد في المنطقة، كما أن إسرائيل تطمع في السيطرة على محور فيلادلفيا، وهو ما تعارضه مصر".
كان هناك أكثر من 1500 نفق أنشئ معظمها بعد سيطرة "حماس" على القطاع عام 2006. وقد تم تدمير عدد من تلك الأنفاق بعد ضبط مهربين يقومون بتسريب سلع مدعومة لصالح الفقراء ومحدودي الدخل من المصريين، ويبيعونها بأسعار باهظة للفلسطينيين في القطاع.
وكان حجم الأنفاق متفاوتاً، بعضها يسمح بعبور شخص أو اثنين، في حين كان ثمة أنفاق كبيرة تمر فيها سيارة محملة بالبضائع.
العدد الأكبر من الأنفاق تم تدميره بعدما تحولت من منافذ لتوفير الحياة لسكان القطاع المحاصر إلى ممرات للموت، يعبر منها متطرفون لقتل المصريين بهدف الضغط على النظام الحاكم في مصر، بعد إطاحة "الإخوان" وحلفائهم الإسلاميين من السلطة.
عمليتان رئيسيتان
يقول المسؤول الاستخباراتي السابق: "قامت مصر بعمليتين أساسيتين لحماية أمنها بعدما تسللت عناصر إرهابية عبر تلك الانفاق إلى الأراضي المصرية. أولاً قمنا بدق حاجز فولاذي، نفذته شركة المقاولون العرب، ثم حفرنا قناة بعمق كبير جداً، تتم تغذيتها بماء البحر (لتُغرق تلك الأنفاق)، ويمتد طولها لمسافة 14 كيلومتراً إلى جنوب غزة".
ويضف اللواء رشاد: "قامت الدولة أيضاً بترحيل سكان منطقة رفح المصرية غرباً، حتى يتم إخلاء المنطقة كي تتمكن قواتنا المسلحة من القيام بأعمالها بطريقة جيدة، ودون تداخل مع السكان".
ويؤكد أن "موضوع الأنفاق بات في ذمة التاريخ، وقد قامت مصر بكافة الإجراءات القانونية والعملية اللازمة لحماية أمنها القومي من الإرهاب. وما تقوم به إسرائيل حالياً من ادعاءات هدفه التغطية على فشلها في تحقيق أي من أهدافها في قطاع غزة، وللتغطية على صمود المقاومة التي لا تزال موجودة على الأرض رغم مرور 10 أشهر من الحرب الشرسة".
ويرى المسؤول الاستخباراتي أن "إسرائيل ليس لديها أي معلومات دقيقة بشأن شبكة الأنفاق الموجودة تحت غزة، والدليل أن الشبكة لا تزال تعمل ولم تستطع إسرائيل الوصول سوى لجزء يسير من أنفاقها، لذا فهي تداري على فشلها بتوجيه الاتهامات لمصر، وهي اتهامات لا تستحق أي اهتمام من القيادة السياسية أو الدولة المصرية".
توقيت مهم
ويقول رئيس تحرير صحيفة "روز اليوسف" المصرية أيمن عبد المجيد لـ"النهار العربي": "هذه محاولة من نتنياهو للقفز على البيان المصري - القطري - الأميركي والذي يدعو لوقف إطلاق النار. هذا البيان يأتي في توقيت بالغ الأهمية والخطورة".
ويضيف: "من جهة الولايات المتحدة ثمة انتخابات رئاسية ومنافسة ببين المرشحين الرئاسيين كامالا هاريس ودونالد ترامب، وكلاهما في مأزق يتعلق بالخطاب الانتخابي، فثمة لوبي صهيوني يؤثر في أصوات الناخبين، وعلى الجانب الآخر يوجد لوبي عربي - إسلامي تدعمه أصوات أميركية رافضة للإبادة الجماعية التي تشهدها غزة، وتالياً فإن كلا المرشحين لديهما مصلحة في التهدئة".
وعلى الجانب المصري، حسبما يقول عبد المجيد فإن "مصر تسعى إلى وقف نزيف الدماء في غزة، وإعادة إعمار القطاع، وعودة الفلسطينيين إلى ديارهم"، لافتاً إلى أنه "وسط هذا كله فإن إسرائيل متخوفة من الرد الإيراني (على اغتيال اسماعيل هنية في طهران)، ما يجعل البيان المشترك بالغ الأهمية حتى يهدأ الصراع الدائر في المنطقة، وفي الوقت ذاته هذا يمثل ضغطاً على نتنياهو الذي يحاول الحفاظ على مكاسبه السياسية بمزيد من التصعيد".
سلام بارد
يرى سعيد أنه "لا توجد حالة سلام حقيقي بين مصر وإسرائيل، وهذا ما يجعل إسرائيل تدّعي كذباً تورط مصر في هكذا أمور. هذا كان يحدث وسيظل يحدث، لأن السلام الذي وقعه الجانبان بارد، لم يتجاوز الحكومة ليصل إلى الشعب. ثمة صراع مكتوم بين مصر وإسرائيل".
ويشير الخبير في الشأن العبري إلى أن "الجيش الإسرائيلي عرض أخيراً صورة لنفق قال إنه عثر عليه في الجانب الفلسطيني من رفح، وزعم أنه يصل إلى مصر، وهذا كلام غير صحيح فقد قامت مصر بعمليات تدمير للأنفاق عام 2013 في إطار حربها ضد الإرهاب".
ويعتقد سعيد أن "هذه محاولة إسرائيلية للسيطرة على محور فيلادلفيا الذي يعد خطاً فاصلاً بين غزة والحدود المصرية، وهي مساحة كبيرة تمتد لنحو 14 كيلومتراً"، معتبراً أن "تدمير الأنفاق الذي قامت به القوات المسلحة المصرية، كان مصلحة مصرية - فلسطينية خالصة، ما يؤكد زيف المزاعم الإسرائيلية".