في السنوات التي تلت ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 شهدت الحدود المصرية توترات أمنية، وباتت مهددة بتسلل عناصر إرهابية ومهربين للسلاح والبشر. ومع انفجار الصراع في السودان ومن بعده الحرب في قطاع غزة خلال عام 2023، ازداد التوتر الحدودي بصورة غير مسبوقة، وأضحت الجبهات الشرقية والغربية والجنوبية بحاجة لمزيد من التأهب والجهود المكثفة لحمايتها.
تلك التطورات المتسارعة أبرزت أهمية القبائل المصرية التي تسكن الحدود الممتدة ذات الطبيعة الصحراوية القاسية، منذ قرون بعيدة، والتي تعرف كل حبة رمل وقطعة صخر بها، وتتوارث خبراتها جيلاً وراء جيل. وقد التفتت الدولة، خلال السنوات العشر الأخيرة، لأهمية دور تلك القبائل التي عاشت تاريخاً طويلاً من التهميش والتجاهل.
واحد من أهم القادة القبليين الذين عايشوا تلك الحولات ولعب أدواراً مهمة بها، هو رئيس مجلس شيوخ القبائل العربية الشيخ علي فريج راشد. فقد شارك النائب البرلماني السابق عن سيناء في تأسيس كيانات عدة ساهمت في تنظيم جهود القبائل على مستوى الجمهورية كافة، وساعدت على تنسيق جهودها مع الدولة في مراحل عدة.
ومن الكيانات التي ترأسها فريج: مجلس حكماء القبائل العربية، والمجلس القومي لشؤون القبائل المصرية، والحزب العربي، والجمعية العامة لاتحاد القبائل العربية التي انضمت، أخيراً، لاتحاد القبائل العربية الذي أعلن عن تأسيسه في شهر أيار (مايو) الماضي بقيادة رجل الأعمال المصري المعروف إبراهيم العرجاني.
جبهات جديدة
يقول الشيخ راشد لـ"النهار العربي": "لاشك في أن مصر تواجه، الآن، مخاطر من الجهات كافة وفي توقيت واحد، وهذا لم يحدث من قبل . كان التهديد المباشر دوماً يأتي من الشرق (جهة سيناء)، لكن اليوم حدودنا الغربية مع ليبيا مهددة، وحدودنا الجنوبية مهددة بسبب ما يحدث في السودان، وحدودنا في البحر الأحمر مهددة بسبب الحرب في اليمن والهجوم (الذي يشنه الحوثيون) على السفن، مما أثر تأثيراً مباشراً على دخل قناة السويس، وحدودنا الشرقية ملتهبة لما يحدث في غزة".
هذه التحديات، بحسب رأي راشد، تضع "مسؤولية خاصة على القبائل، وهي دعم حماية هذه المناطق، من خلال التلاحم مع القوات المسلحة والشرطة، وتنفيذ المهام التي تكلف بها. وقد أثبتت كل الحروب السابقة صدق هذه القبائل وإخلاصها ووطنيتها، خاصة في سيناء، مما شهد به كل رؤساء مصر، بداية من جمال عبد الناصر، مروراً بأنور السادات، وحسني مبارك، وصولاً إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي... لقد رأينا كيف تلاحمت قبائلنا مع الجيش والشرطة للقضاء على عناصر الإرهاب".
العرف والقانون
للقبائل أعراف وتقاليد ربما تكون أقوى من التشريعات التي تتبناها الدولة، ما يجعل البعض يعتقد بأن القبيلة خارج الإطار التنظيمي الرسمي، أو كما يقول البعض "دولة داخل الدولة"، وقد ساد هذا التصور لفترة طويلة خصوصاً مع انعزال القبائل عن الوادي الذي يعيش فيه معظم المصريين، ومن ثم غياب المعرفة الجيدة بثقافتها.
وعن هذا يقول الشيخ راشد: "لا شك في أن القضاء العرفي هو أحد أساليب تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة (التي تعيش فيها القبيلة)، وكثيراً من النزاعات لم يتم إنهاؤها إلا من خلال القضاء العرفي".
ويشير إلى أن "القضاء العرفي يسمي العدالة الناجزة. لأنه يفصل في القضية المنظورة أمامه في أيام أو ساعات، وحكمه يرضي الجميع. لهذا حتى الدولة تدعم القضاء العرفي، وتحيل كل النزاعات القبلية والعشائرية إلى القضاة العرفيين".
عزل وتشكيك
يروي القيادي القبلي أنه "خلال فترة الاحتلال الإنكليزي، وضعت قوانين لعزل سيناء عن محافظات مصر، فقد كان ممنوعاً على أي مصري زيارة سيناء، وكان عبور أبناء سيناء من خلال قناة السويس من الأمور الصعبة، في حين كان من السهل لأبناء سيناء الدخول إلى فلسطين، وكان الهدف واضحاً، وهو عزل سيناء عن مصر على المدى البعيد".
بعد قيام ثورة 23 تموز (يوليو) 1952 لم تتغير تلك القوانين، ويقول راشد: "ظلت سيناء معزولة عن الوادي حتى حدثت النكسة عام 1967، واحتلال إسرائيل لشبه الجزيرة، واستمر الحال إلى حين تحرير سيناء بعد حرب 6 تشرين الأول (أكتوبر) 1973 المجيدة".
ويقول إن "الرئيس السادات أنهى عزلة سيناء، وأسقط القوانين التي تمنع دخول سيناء أو الخروج منها. وقد تعرض أهل سيناء لحملة تشكيك في الوطنية، كان يقودها المكتب الخامس في جهاز الموساد الإسرائيلي، وهو المكلف بتشويه صورة أبناء شبه الجزيرة أمام أبناء الوادي، لزرع الفتنة بينهم، ولكن شعب مصر لم ينخدع بهذه الأكاذيب".
ويواصل حديثه: "حدث العكس تماماً، فقد أثبت أهل سيناء وطنيتهم الخالصة ومحبتهم لوطنهم مصر خلال حربي 1956 و1967، وكانوا دوماً دعماً لقواتهم المسلحة، والآن في عصر الرئيس السيسي تم إنهاء عزلة سيناء تماماً بحفر الأنفاق تحت قناة السويس، وأصبح العبور منها وإليها في ثوان معدودة، إضافة إلى ما تم من مشاريع تنموية في شبه الجزيرة. ويكفي أن نقول إنه تم صرف ما لا يقل عن 66 مليار جنية (الجنيه يساوي قرابة 49.3 جنيه) في السنوات الماضية، وجاري صرف 300 مليار جنيه خلال السنوات المقبلة، وبهذه المشروعات أصبحت سيناء جزءاً من محافظات مصر الواعدة".
قبائل الجمهورية
وعن فكرة مجلس شيوخ القبائل العربية الذي يترأسه حالياً، يقول راشد: "الفكرة جاءت عندما أشهرنا الجمعية العامة لاتحاد القبائل العربية، فوجدنا أنه من الصعب التعامل مباشرة مع القبائل لانتشارها على مستوى القطر المصري".
ويبلغ عدد القبائل في مصر أكثر من 70، وتشير التقديرات إلى أن عدد أبنائها يصل إلى نحو 14 مليون نسمة، ما يناهز 14 بالمئة من سكان الجمهورية، إلا أن راشد يعتقد أن عددهم أكبر من ذلك.
ويضيف: "لما كان لكل قبيلة شيخ يرأسها ويمثلها أمام جميع القبائل والجهات الرسمية، وجدنا التعامل معه أيسر وأسهل وأفضل، ومن خلاله يتم التعامل مع قبيلته كلها، فأنشأنا المجلس الذي يضم أهم الشيوخ والرموز ليكون حلقة الوصل بين القبيلة والدولة".
ويلفت راشد إلى أن "عضوية المجلس ليست قاصرة علي شيوخ سيناء، إنما تضم كل شيوخ القبائل على مستوى الجمهورية". وعن الدور الذي يلعبه المجلس، يقول: "هدفه هو توحيد حركة القبائل وحل النزاعات التي تنشأ، والتوجيه والتوعية بالمخاطر التي تهدد الدولة المصرية، ومحاربة الشائعات التي تحاول التشكيك في كل انجاز يتم، إضافة إلى العمل على توعية شباب القبائل حتى لا ينجرف الى التنظيمات المتطرفة، وحل مشكلة البطالة بين الشباب والتي تهدد الأمن القومي، وخاصة في المحافظات الحدودية، وهذا من خلال التواصل مع الأجهزة الحكومية" .