كشفت تقارير إعلامية تركية عن زيارة مرتقبة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة، يوم 4 أيلول (سبتمبر) المقبل، وهي أول زيارة رسمية يقوم بها لتركيا منذ توليه مقاليد السلطة في البلاد عام 2014. وتأتي الزيارة بعد تحسن تدريجي في العلاقات السياسية بين البلدين، وبعد زيارة قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مصر في 14 شباط (فبراير) الماضي.
وبدأت جهود استعادة العلاقات بين القاهرة وأنقرة تتحرك خلف الكواليس في عام 2020، ثم شهدت نشاطاً ملحوظا خلال العامين الماضيين، حيث بدأ المسؤولون في البلدين، خلال تلك الفترة، يتبادلون الاتصالات والزيارات، ويتباحثون لحل عدد من الملفات الخلافية، ومنها ملف جماعة "الإخوان المسلمين" ومنصاتها الإعلامية التي تهاجم الدولة المصرية وقيادتها السياسية من الأراضي التركية، وكذلك ملف غاز شرق المتوسط، وكذلك التدخلات التركية في عدد من الدول العربية مثل ليبيا، وسوريا، والعراق.
وعلى رغم أن ملف "الإخوان المسلمين" كان الشرارة التي أشعلت الأزمة بين القاهرة وأنقرة، ولا زال أكثر الموضوعات إثارة للسجالات منذ الإعلان عن زيارة السيسي لتركيا، خصوصا بعد تداول تقارير صحافية تفيد بأن الجماعة استبقت الزيارة الرئاسية بمبادرة لطلب العفو مقابل التوقف عن العمل السياسي لمدة تتراوح بين 10 إلى 15 عاماً، إلا أن محللين تحدث إليهم "النهار العربي" اتفقت آرائهم على أن ملف الجماعة التي تصنفها القاهرة تنظيماً إرهابياً، بات بالياً ولا يحظى بأولوية في النقاشات المصرية التركية التي اتجهت للتركيز على مجموعة أكثر أهمية من القضايا الثنائية والإقليمية.
ويقول الباحث في الحركات الإسلامية والجماعات الإرهابية أحمد سلطان لـ"النهار العربي": "كان هناك اتفاق منذ بداية المحادثات بين القاهرة وأنقرة على تنحية ملف الجماعة والتركيز على الملفات الأكثر أهمية، سواء ما يتعلق بالتعاون وتنسيق المواقف الإقليمية، أو ما يخص دول الجوار التي تنشط بها تركيا مثل ليبيا وغيرها، وكذلك التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين".
دبلوماسية رئاسية
يقول مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير جمال بيومي لـ"النهار العربي" إن "مصر كانت حريصة منذ حدوث توتر في العلاقات مع تركيا على التصرف بشكل عقلاني، فقامت باستدعاء السفير، وأكدت في الوقت ذاته على العلاقات الوطيدة التي تربطنا بالشعب التركي، لذا فأن العلاقات لم تنقطع حتى في أشد لحظات التوتر بين البلدين".
ويعتبر الدبلوماسي المصري المخضرم أن "زيارة الرئيس السيسي إلى تركيا تأتي في ظل دبلوماسية رئاسية نشطة تحتاجها مصر"، لافتا إلى أنه "في السنوات العشر الأخيرة من عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك -وأنا أكن له احتراماً كبيراً على المستوى الشخصي- ونتيجة للمخاوف الأمنية بعد محاولة اغتياله في أديس أبابا، ونتيجة تقدمه في العمر، كانت تحركاته الخارجية محدودة، وهذا حرمنا من الدبلوماسية الرئاسة".
ويواصل بيومي حديثه: "اليوم لدينا رئيس يقوم بدور شاب، أنه يقطعها (المسافات) من طوكيو في أقصى الشرق إلى باريس في أقصى الغرب، وقد ذهب صعوداً إلى نيويورك، واتجه جنوباً إلى جنوب أفريقيا، ولم يترك منطقة تقريباً إلا وقام بتغطيتها، لذا أنا سعيد جداً بهذا النشاط، ليس لأن الرئيس يقوم، ولكن لأنه هذا النوع من الدبلوماسية لديه قدرات غير متاحة للمستوى الوزاري أو مستوى السفراء".
مؤشر قوي
من جانبه، يرى الباحث المتخصص في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية كرم سعيد أن "زيارة الرئيس السيسي إلى أنقرة تعد مؤشراً قوياً على حرص البلدين على مواصلة التقدم في العلاقات المصرية-التركية".
ويقول الباحث لـ"النهار العربي": "هذه الزيارة تأتي بعد جهود وزيارات متبادلة استمرت لنحو عامين ونصف، بدأت بمحادثات استكشافية، ثم زيارة وزير الخارجية التركي إلى القاهرة، وزيارة وزير الخارجية المصري إلى تركيا، وانتهت بزيارة الرئيس التركي إلى مصر شباط (فبراير) 2024".
توقيت الزيارة من وجهة نظر سعيد له دلالة مهمة، ويقول إنها "تأتي في ظل تصاعد التوترات في المنطقة، سواء بالنسبة لاشتداد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أو المواجهات بين "حزب الله" اللبناني مع إسرائيل، وما تبيع ذلك من تطورات عدة".
ويشير إلى أن "هناك رؤية مصرية تركية مشتركة فيما يتعلق بإدارة صراعات الإقليم، فثمة دعم من القاهرة للتقارب التركي السوري، مقابل دعم أنقرة للدور المصري في المفاوضات بين حركة حماس الفلسطينية وإسرائيل، وهذا يؤشر لوجود رؤى مشتركة بين البلدين".
ويلعب التعاون الاقتصادي بين القاهرة وأنقرة دوراً محورياً في التقارب الحالي، ويلفت الباحث إلى أن "زيارة الرئيس المصري تأتي متزامنة مع انعقاد المجلس الاستراتيجي للتعاون بين مصر وتركيا، وهذا المجلس له أهمية كبيرة في دفع العلاقات التجارية بين البلدين، وثمة توافق على رفع معدل التبادل التجاري بينهما من 10 مليار دولار إلى 15 مليار دولار خلال المرحلة المقبلة، لذا، فأنه من المتوقع أن يكون ملف العلاقات الثنائية من أهم الملفات على مائدة الحوار المصري التركي خلال زيارة الرئيس السيسي إلى أنقرة".
ملف لم يغلق
ويشير الباحث في حركات الإسلام السياسي والجماعات الإرهابية إلى أن "في بداية جهود التصالح بين القاهرة وأنقرة، شهد ملف "الإخوان" نقاطاً خلافية يتعلق بعضها بتسليم السلطات التركية بعض المطلوبين أمنياً من قيادات الجماعة، لذا تم الاتفاق أول الأمر على تنحيته ذلك الملف جانباً والمضي قدما في الملفات الأخرى".
ويقول سلطان إن "وضع الملف جانباً لا يعني إغلاقه، وإنما وضعه في ترتيب أقل أهمية حتى لا يعرقل جهود المصالحة والتطبيع، وتم الاتفاق على التنسيق الأمني في هذا الملف، وهذا التنسيق بطبيعة الحال يضغط على عناصر "الإخوان" في تركيا".
ويرى الباحث أن "معارضة الجماعة باتت، بمرور الوقت، معارضة متكلسة لا تأثير يذكر لها. صحيح أن عناصرها لا زال لديهم منصات إعلامية ونشاط على شبكات التواصل الاجتماعي، لكن هذا ليس له أي تأثير في أرض الواقع، وهناك مبالغة في تقييم قدرة الجماعة، وهي في الوقت الحالي عاجزة عن إحداث أي تأثير حقيقي، وقد فقدت الكثير من أوراقها خلال الفترة الماضية".