النهار

بعدما بات "واقعاً"... ما خيارات مصر لحل أزمة سد النهضة؟
القاهرة - ياسر خليل
المصدر: النهار العربي
القلق المتزايد والذي يتجلى فيما تنشره وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي هنا، يدفع البعض إلى الاعتقاد بأن كافة الحلول السلمية المتاحة قد انتهت...
بعدما بات "واقعاً"... ما خيارات مصر لحل أزمة سد النهضة؟
يرى محللون أن الاتفاق العسكري بين مصر والصومال يشكل ورقة ضغط قوية على إثيوبيا
A+   A-

أصبح سد النهضة أمراً واقعاً، فقد تم الانتهاء من بنائه، وتقترب المرحلة الخامسة من ملء خزانه بمياه نهر النيل من الاكتمال، هذا بجانب إغلاق إثيوبيا لبوابات السد، بعد حدوث توترات مع القاهرة على خلفية إرسالها دعماً عسكرياً إلى الصومال التي تربطها حدود مشتركة مع إثيوبيا، هذا قبل أن تضطر أديس أبابا، أخيراً، إلى فتح بوابات سدها بعد إغلاقها لمدة 8 أيام.

 

ويتوقع خبراء تداعيات خطيرة على مصر التي تقع تحت خط الفقر المائي بمسافة كبيرة، حيث يبلغ نصيب الفرد فيها من المياه نحو 500 متر مكعب في العام، في حين يحسب الفقر المائي تحت مستوى 1000 متر مكعب.

 

ويشعر سكان هذا البلد ذو المناخ الصحراوي الجاف والذي تندر فيه الأمطار، بقلق شديد خصوصاً مع غياب حل واضح لهذه الأزمة التي بدأت أولى ملامحها تتجلى بوضوح مع شروع إثيوبيا في بناء سدها عقب قيام ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011، مستغلة انشغال القاهرة بحالة السيولة الأمنية والتوترات السياسية التي اجتاحت البلاد في ذلك الوقت.

 

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد خلال اختبارات سابقة لتشغيل سد النهضة

 

كما أن المفاوضات الثلاثية التي خاضتها دولتا المصب (السودان ومصر) مع دولة المنبع إثيوبيا، انتهت إلى لا شيء تقريبا بعد قرابة 12 عاما من جولات المباحثات المضنية. وبرغم أن حصة مصر من مياه النيل والتي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب لم تتأثر حتى اليوم، إلا أن سلوكيات أديس أبابا وتعنتها خلال المفاوضات، يضاعف المخاوف من إمكانية تحكمها في النهر الذي يعتمد عليه قرابة 115 مليون مصري، وثمة تكهنات بأنها قد تقرر بيع مياه النيل لاحقاً، أو تستغلها لممارسة ضغوط سياسية على دولتي المصب.

 

هذا القلق المتزايد والذي يتجلى في ما تنشره وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي هنا، يدفع البعض إلى الاعتقاد بأن كافة الحلول السلمية المتاحة قد انتهت، ويراهن البعض على انهيار السد الإثيوبي نتيجة أخطاء فنية، كما يرى بعض المتخصصين المصريين ومنهم أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي، الذي وصف السد مراراً بأنه "قنبلة مائية". هناك أيضا من يتوقع أن تلجأ القاهرة للقوة العسكرية لحماية مصالحها المائية، لأن خطر نقص المياه هو "مسألة حياة أو موت" بالنسبة للمصريين.

 

مساران للحل

لا يرى رئيس مؤسسة النيل للدراسات الأفريقية والاستراتيجية الدكتور محمد عز الدين في انهيار سد النهضة أملاً وحيداً، ويقول عز الدين لـ"النهار العربي" إن "انهيار السد الإثيوبي لن يفيد مصر في شيء، المهم الآن هو كيفية تشغيل السد، لو تم الاتفاق على طريقة تشغيل السد بأسلوب يراعي مصالح دولتي المصب، خصوصاً في فترات الجفاف، لن تكون هناك أي مشكلة من بقائه".

 

لكن الإشكالية الحقيقية، حسب وجهة نظر الخبير في الشؤون الأفريقية "تتمثل في أن إثيوبيا لم تحترم دولتي المصب، ولم تحترم اتفاقيات النيل السابقة، تالياً هي تضر بمصالح الدولتين، وقد يتم استغلال السد سياسيا في ما بعد للضغط على إحدى الدولتين أو كلاهما لأي غرض سياسي".

 
توفر مياه نهر النيل قرابة 90 بالمئة من الاحتياجات الأساسية للمصريين

 

ويشير إلى أن "التجربة أثبتت أن السبل التقليدية لا تجدي نفعا مع الحكومة الإثيوبية، والحل هو أن يكون هناك التزام من قبل المجتمع الدولي يجبر كافة الأطراف على احترام بعضها البعض".

 

ويؤكد عز الدين أنه "إذا لم يحدث هذا، ولجأت مصر والسودان إلى القوة العسكرية أو أي وسيلة للدفاع عن حقوقهما، لن تكونا مخطئتين، لا سيما أن دفاعهما عن حقوقهما المائية بمثابة دفاع عن القانون الدولي، فالقوانين المنظمة للحقوق المائية تماثل القوانين المنظمة لحدود الدول والتي يحق الدفاع عنها".

 

ويضيف: "في النهاية للأسف الشديد فإن مصر تواجه بمفردها هذه الأزمة، لأن السودان منشغل بالاقتتال الداخلي، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع". 

 

ويعتقد عز الدين أن الحل هو "أن تبحث مصر عن شركاء في أفريقيا والمجتمع الدولي، وتدافع عن حقوق شعبها وحقوق الشعب السوداني في مياه نهر النيل، ولا تلتفت إلى أي أضرار ستقع، حتى إذا انهار سد النهضة. 

 

ضغط كبير

من جانبه، يرى الصحافي الإريتري المتخصص في الشؤون الأفريقية محمود أبو بكر أن إثيوبيا تكاد تكون قد حصلت على ما تريد، ولا يوجد ما يدعوها إلى توقيع اتفاقيات مع مصر والسودان، إلا إذا كان هناك ضغط كبير، سواء دولياً أو إقليمياً أو غير ذلك، ليدفعها للتوجه لإجراء محادثات مع مصر والسودان، وإن كانت الظروف التي يمر بها السودان لا تسمح بمشاركته.

 

ويقول أبو بكر لـ"النهار العربي": "اعتقد أن مصر تسعى حاليا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال تواجدها العسكري بالصومال، فسوف ترسل قرابة 5000 جندي ضمن قوات حفظ السلام تحت راعية الاتحاد الأفريقي، بجانب 5000 آلاف آخرين يمكنها نشرهم وفقاً لاتفاقية التعاون العسكري التي وقعتها القاهرة مع مقديشيو مؤخراً".

 

 

ويشير إلى أنه "من حق الصومال ومصر أن تستعينا ببعضهما البعض بموجب هذا الاتفاق، وفي هذه الحالة سيحق للقوات المصرية أن تنتشر عند المناطق الحدودية بين الصومال وإثيوبيا بمحاذاة إقليم أوغادين ما يمثل ضغطاً كبيراً على الأخيرة. لقد تنبهت إثيوبيا لذلك واعترضت على نشر القوات المصرية في الصومال، وتعمل على تجييش بعض الأقاليم الفيدرالية الصومالية للتظاهر ضد التواجد المصري في الصومال".

 

ولفت إلى أن "هناك مؤتمراً صحفياً عقده وزير الخارجية الإثيوبي السفير تاي أتسكيسيلاسي، ألمح فيه إلى أن تواجد القوات المصرية في الصومال يتعلق بسد النهضة، وليس حفظ السلام في الصومال، وتحدث عن أن قضية السد يجب حلها في إطار تفاهمات ثنائية أو ثلاثية".

 

ويعتقد الصحافي الإريتري أن "هذا تحول مهم، لأن إثيوبيا كانت تعتبر أي حديث عن سد النهضة تدخل خارجي يمس سيادتها، وهي الآن تتحدث عن البحث عن حل من خلال التفاهمات مع مصر والسودان".

 

وهذا التحول يعني برأيه أن "ورقة الضغط التي تستخدمها القاهرة، والمتمثلة في تواجدها العسكري في الصومال، قد تجدي نفعا وتقود للتوصل إلى تفاهمات بشأن تشغيل وإدارة السد، لكن عدا ذلك لا أعتقد أنه ثمة حلول أخرى بعدما اكتمل السد وبات أمراً واقعاً".   

 

حجم الأزمة

ويتفق كثير من المحللين والسياسيين في مصر على أن تداعيات سيطرة إثيوبيا على سد النهضة ستكون كارثية، وقد حذر وزير الموارد المائية الأسبق الدكتور محمد نصر علام في تدوينة له على صفحته الشخصية من تلك التداعيات.

 

 

وقال علام: "بدون احترام أمننا المائي، وبدون اتفاق قانوني على قواعد تشغيل وإعادة ملء السد، ومع بداية سنوات جفاف أو فيضانات منخفضة، سيؤدي هذا إلى نتائج وخيمة على النحو التالي: السحب من مخزون السد العالي لتغطية عجز الإيراد وانخفاض منسوب المخزون عام بعد آخر حتى يصل منسوب مياه البحيرة في عدة سنوات قليلة (٣-٥ سنوات) إلى مستوى أدنى ويتأثر معه بدرجة كبيرة انتاج السد من الكهرباء".

 

ويضيف: "ستضطر مصر بعدها، وتحت هذه الظروف، إلى تقليل المنصرف من السد العالي وهبوط منسوب مياه النيل داخل مصر وتوقف العديد من محطات مياه الشرب والري، وبذلك سيكون هناك عجز في مياه الشرب في مناطق عدة، وعجز في مياه الري لمساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، وسيزداد مقدار الفجوة الغذائية عن 10 مليار دولار سنويا".

 

ويؤكد أن الأمر إلى بلغ هذه الدرجة من السوء "ستضطر مصر وقتها للدفاع عن وجودها وشعبها واستقرارها بكل ما تملكه من أدوات أمنية وسياسية واقتصادية"، داعياً "العقلاء" في إثيوبيا إلى تدارك الوضع قبل تحوله إلى كارثة.

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium