النهار

تغيير مستمر في نظام التعليم الثانوي في مصر يُربك الطلبة والمدرسين
المصدر: رويترز
عندما التحقت رغدة فاروق بكلية الآداب قسم الفلسفة جامعة القاهرة قبل أربع سنوات، آلت على نفسها أن تجتهد في دراسة المادة التي أحبتها لتصبح معلمة لها سواء في الجامعة أو المرحلة الثانوية.
تغيير مستمر في نظام التعليم الثانوي في مصر يُربك الطلبة والمدرسين
طلبة في مصر
A+   A-
 عندما التحقت رغدة فاروق بكلية الآداب قسم الفلسفة جامعة القاهرة قبل أربع سنوات، آلت على نفسها أن تجتهد في دراسة المادة التي أحبتها لتصبح معلمة لها سواء في الجامعة أو المرحلة الثانوية.

أثمر اجتهادها بالفعل وتخرجت هذا العام.

لكن قرار وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف إلغاء مادة الفلسفة وكذلك علم النفس من الثانوية العامة ضمن خطة "إعادة هيكلة" هذه المرحلة بدد هذه الأحلام.

وقالت رغدة لرويترز بصوت يغلفه الحزن: "كان نفسي أحصل على فرصة عمل جيدة لكن القرار الأخير دمر أحلامي".

وتساءلت: "كيف تلغي مادة تقود إلى تشكيل عقل ناضج؟ كيف تلغي أساس العلوم التي تساعد على الوصول إلى حلول عقلانية وسليمة للمشكلات. كيف تلغي مادة علم النفس التي تساعد الفرد على فهم ذاته والمجتمع؟".

تتمثل أبرز ملامح الخطة التي أوردتها الوزارة على موقعها الإلكتروني في أن يدرس طلاب الصفين الأول والثاني الثانوي في العام الجديد ست مواد بدلا من عشر، على أن يدرس طلاب الصف الثالث خمسا بدلا من سبع. وستصبح اللغة الأجنبية الثانية والتربية الدينية مادتي نجاح ورسوب، ولكن خارج المجموع. وستلغى مادة الجيولوجيا إلى جانب الفلسفة وعلم النفس.

أما محمد عبد الحميد، وهو مدرس لغة فرنسية تحدث لرويترز طالبا عدم الإفصاح عن اسم مدرسته، ففوجئ قبل شهر من بدء العام الدراسي بتهميش مادته بعدم احتسابها في المجموع.

وقال وتعبيرات الغضب والقلق على وجهه: "الموضوع طبعا مفاجئ ويعتبر كارثة بالنسبة لمدرسين اللغة الفرنسية".

وأكد الوزير أن "عملية إعادة تصميم المحتوى استندت لقواعد علمية بمراجعة خبراء متخصصين، كما أنه تم إجراء حوار مجتمعي بشأنها، وحظيت بنسبة قبول كبيرة لما لها من أثر في تخفيف العبء على الأسرة المصرية، دون التقصير في المعارف التي سيدرسها الطلاب".

وقال حسن شحاتة أستاذ المناهج بكلية التربية جامعة عين شمس لرويترز إن الهدف من الخطة الجديدة هو "التركيز على المواد المؤهلة للتعليم الجامعي وإتقانها والتمكن من هذه المهارات حتى يستطيع الطالب اجتياز مرحلة التعليم الجامعي بنجاح. وأيضا تخفيف العبء المالي على أولياء الأمور لانتشار ظاهرة الدروس الخصوصية".

وافقته في الرأي (د.أ)، وهي خبيرة آثار بمحافظة الفيوم لديها ابنان بالمرحلة الثانوية وقالت لرويترز طالبة عدم ذكر اسمها سوى بالأحرف الأولى: "رأيي إيجابي جدا في النظام الجديد، لأنه خفف حمل المذاكرة عن الطلبة وحمل الدروس الخصوصية والكتب الخارجية عن أولياء الأمور".

أما أحمد صالح طالب الصف الثاني الثانوي بمدرسة التوفيقية في روض الفرج فيرى أن النظام الجديد "خفف العبء على الطلاب من حيث المذاكرة والدروس والكتب وكمان دمج المواد العلمية في مادة واحدة وهذا شيء إيجابي. لكن تحويل بعض المواد خارج المجموع... المشكلة لأنها مواد سهلة كنا نجمع بها درجات".

وأيده في ذلك مصطفى أحمد الصاوي، وهو طبيب أسنان ستلتحق ابنته بالصف الأول الثانوي في مدرسة خاصة بمحافظة الجيزة، قائلا: "طبعا النظام الجديد بيخفف العبء عن أولياء الأمور".
 
توجيه رئاسي؟
بنظرة سريعة على "هيكلة الثانوية العامة" نجد أن العلوم الإنسانية هي أكثر المواد تعرضا للتهميش بإلغاء مادتي علم النفس والفلسفة والمنطق، وكذلك إخراج اللغة الأجنبية الثانية من المجموع.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعا إلى التركيز على المجالات العلمية وخاصة تكنولوجيا المعلومات والبرمجة وقال في افتتاح مركز البيانات والحوسبة السحابية الحكومية في أواخر نيسان (أبريل) الماضي: "تريدون كلكم أن تدخلوا أولادكم آداب وتجارة وحقوق، ولكن ماذا سيعمل أولادكم؟ ويحزن الاولاد لان الحكومة لا تعمل لالغاء البطالة".

وأضاف: "هذا العمل تعمله وانت جالس في بيتك (البرمجة) ويكون الراتب 20..30 ألف دولار في الشهر وممكن ان يصل إلى 100 ألف دولار في الشهر".

ووصف عبد النبي عبد المطلب وكيل وزارة التجارة للبحوث الاقتصادية سابقا هذه الدعوة بأنها "لا غبار عليها، لكن... من الواضح في سوق العمل في مصر حاليا، لا توجد صناعات ولا زراعات ولا مشاريع استثمارية كبرى. فيجب أن تأتي الصناعات أولا ثم بعد ذلك الخريجين".

ووجد كلام السيسي قبولا لدى قطاع من الطلاب على ما يبدو. فعند سؤاله عن الكلية التي يريد الالتحاق بها، قال محمد ياسر، وهو طالب بالصف الثالث الثانوي بمدرسة لغات: "في البيت يريدون أن أدرس إما طب أو شرطة، لكن أنا أريد ان ادرس مبيوتر ساينس (حاسبات ومعلومات)، لأن الخريجين بيقبضوا بالدولار".

لكن الدعوة لم تلق القبول نفسه لدى الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن، الذي قال لرويترز: "نحن نتعلم لنعمل، ولكن أيضا نتعلم لنعرف.. نتعلم لنتحضر ونتعايش وننخرط ونشارك. دمج المواد الإنسانية أو إلغاؤها أو النظر إليها باستعلاء واستخفاف على هذا النحو عمل غاية في الخطورة، لأن العلوم الإنسانية هي التي تعطي الإطار العام وتكون الفكر والرأي والاتجاه وهي التي تصيغ الشخصية بمعنى أدق".

هل من حلول؟
احتل التعليم في مصر العام الماضي المرتبة 90 على مؤشر المعرفة العالمي الذي يُعده برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ويغطي 133 دولة حول العالم.

وأُطلق المؤشر عام 2017 ويصدر سنويا ويعتمد على سبعة مؤشرات فرعية هي التعليم قبل الجامعي والتعليم والتدريب الفني والمهني والتعليم العالي وتكنولوجيا المعلومات والاتصال والبحث والتطوير والابتكار والاقتصاد والبيئة التمكينية.

وجاءت مصر في المركز التاسع عربيا على المؤشر الذي تصدرته سويسرا في 2023.

ومن أجل إصلاح التعليم في مصر، يقول عبد العزيز أستاذ العلوم والتربية: "لا بد أن يكون فيه سياسة تعليمية محددة تنبع من الخطة العامة للدولة. ولا بد أن أعمل إطارا عاما للتعليم أعتمد فيه على معايير دولية كي أقدر أدخل التصنيف العالمي وبالتالي الخريج يقدر أن يعمل في الخارج وشهادتنا يبقى معترف بها عالميا".

ويرى كامل أستاذ الصحافة بجامعة القاهرة أنه "لا بد أن يكون التعليم في صدارة خطط الدولة الحاضرة والمستقبلية. وأن تتوفر له ميزانيات جيدة كما حددها الدستور".

ويلتقط عبد المطلب الخبير الاقتصادي هذا الخيط، ويطالب بضرورة مساهمة القطاع الخاص في ربط مخرجات التعليم بسوق العمل. ويقول: "في أوروبا وفي أميركا الشركات الكبرى مثل فورد للسيارات وشركات البترول وغيرها إما يكون لديها جامعات خاصة أو يكون لها أقسام داخل العديد من الكليات".

أما في مرحلة التعليم قبل الجامعي، فيرى شحاتة خبير المناهج أن للمجتمع المدني دورا يلعبه أيضا في تنمية التعليم وتطويره وإصلاحه، لأن "التعليم قضية مجتمع وليس وزير أو وزارة، فلا بد لرجال الأعمال أن يساعدوا في تمويل صندوق تعيين المعلمين لأن الدولة غير قادرة على تحمل تعيينهم بمفردها".
 
الكلمات الدالة

الأكثر قراءة

سياسة 11/23/2024 7:37:00 AM
أعلن برنامج "مكافآت من أجل العدالة" عن مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار أميركي مقابل الإدلاء بمعلومات عن طلال حمية المعروف أيضاً باسم عصمت ميزاراني
سياسة 11/23/2024 9:48:00 AM
إسرائيل هاجمت فجر اليوم في بيروت مبنى كان يتواجد فيه رئيس قسم العمليات في "حزب الله"، محمد حيدر

اقرأ في النهار Premium