يعمل الأزهر منذ عامين تقريباً على الإعداد لحوار إسلامي - إسلامي، يزيل الخلافات المذهبية بين المسلمين، ويكرس مفهوم المواطنة من دون تمييز على أساس الدين أو المذهب أو العرق أو الجنس. وتبدو الدعوة التي أطلقها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب عام 2022 طموحة، وتبذل المؤسسة الدينية واسعة التأثير في غالبية المسلمين بمصر والعالم مساعي وجهوداً حثيثة لتفعيلها.
رغم طموح المبادرة، والجهد المبذول لتدشينها، وكذلك الاستجابة التي أبدتها مؤسسات ورموز سنية وشيعية في دول عدة، بما في ذلك إيران، إلا أن الاستقطاب السياسي والاجتماعي الذي تشهده بلدان منطقة الشرق الأوسط منذ عقود، والذي لعبت جماعات الإسلام السياسي دورا محورياً في تأجيجه، يلقي بظلاله القاتمة على الواقع، ما يطرح تساؤلات عدة.
وربما أهم تلك التساؤلات هو: هل يمكن لمبادة الحوار الإسلامي - الإسلامي أن تتجاوز أروقة القادة الدينيين وحواراتهم الهادئة - التي دعا شيخ الأزهر إلى أن تكون "علمية لا سياسية" - لتجد موطئ قدم بين المواطنين الذين ملأ الاستقطاب عقول كثير منهم بصخب التشدد الديني، وبصورة تُشيطن الآخر المختلف؟
ردود الأفعال
يقول رئيس تحرير صحيفة "صوت الأزهر" الكاتب والصحافي أحمد الصاوي: "الدعوة التي أطلقها فضيلة الإمام الأكبر خلال حضوره مؤتمر التعايش في البحرين بحضور البابا فرنسيس وملك البحرين حمد بن عيسى، حظيت بردود الأفعال الإيجابية من مراجع شيعية في إيران والعراق ولبنان والبحرين".
ويضيف لـ"النهار العربي": "خلال العامين الماضيين كان هناك اتصالات ولقاءات ومناقشات متواصلة للتجهيز للمؤتمر الذي من المتوقع أن يعقد مطلع العام المقبل في البحرين".
ويشير إلى أن شيخ الأزهر "وضع أسساً لهذا الحوار، أولها أن يكون علمياً لا سياسياً، أي يكون بين علماء الدين في ما يخص المشتركات الدينية بين السنّة والشيعة، وهي كثيرة جداً، وأن يركز على حل بعض الإشكاليات التي تثير حفيظة الجمهور هنا وهناك، مثل بعض تصرفات المتطرفين والغلاة في هذا الجانب أو ذاك، وأن يعمل على تعزيز وحدة الأمة ’وحدة علمائية‘ قادرة على أن تتصدى لحالة التنازع المذهبي في العالم الإسلامي".
وعن غير المسلمين ومفهوم المواطنة، يقول الصاوي: "الحوار الإسلامي - الإسلامي هو في الحقيقة تتويج لجهود فضيلة الإمام الأكبر في ما يخص الحوار مع غير المسلمين، وقضية المواطنة هي قضية حسمها شيخ الأزهر منذ سنوات طويلة، من خلال وثائق ومواقف ومناهج داخل المؤسسة الأزهرية، والحوار هو انعكاس واستكمال للانفتاح على الآخر".
خلاف الأضداد
يبدي الباحث المتخصص في حركات الإسلام السياسي الدكتور عمرو عبد المنعم تفاؤلاً بفكرة الحوار التي دعا إليها شيخ الأزهر، خصوصاً مع تراجع الدعم الذي كانت تقدمه بعض الدول لتيارات إسلامية كانت تغذي كراهية الآخر المختلف دينياً أو مذهبياً. ومع تفاؤله هذا، إلا أن الباحث يلفت إلى بعض الملاحظات التي يرى أنها مهمة كي يؤتي الحوار الإسلامي - الإسلامي ثماره.
عبد المنعم الذي خصص رسالته للدكتوراه للبحث في موقف الجماعات الإسلامية المتطرفة من قضية التجديد الديني، يقول لـ"النهار العربي": "نحن نعاني من إشكالية في الحوار بين الأضداد. هنا في مصر على سبيل المثال، التيار العلماني يرى إشكالية في الخطاب الديني الذي تتبناه المؤسسات الدينية، وتلك المؤسسات ترى أن في التيار العلماني تنويراً زائداً".
ويضيف: "إلى ذلك، نحن في مواجهة تيارات دينية متطرفة تعمل على استقطاب رجال الدين. لذا فمن الضروري توسيع دائرة الحوار الداخلي، والتركيز على الشباب، كي يكون للمبادرة تأثير في أرض الواقع".
وبالنسبة للحوار بين المذاهب الإسلامية، يرى الباحث أن "الأزهر يملك القدرة المعرفية التي تمكنه من اجراء حوار فاعل، ومخاطبة السنة والشيعة"، لافتاً إلى أنه "في الفترة الأخيرة تطور الأزهر، واعتمد مناهج متقدمة، والطالب الأزهري يدرس بجانب المذاهب الأربعة (السنية)، المذهب الإباضي، والمذهب الزيدي".
ويشير إلى أن "التعايش المذهبي والحوار بين السنة والشيعة له جذور تمتد إلى بدايات القرن الماضي، وهناك حوارات رائعة ساهم فيها شيوخ سابقون للأزهر، منهم الشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد مصطفى المراغي الذي له وثيقة ’الزمالة الإنسانية‘ التي تضع ضوابط للعديد من القضايا المذهبية".
الموقف الإيراني
تحظى طهران بتأثير كبير في أوساط الشيعة حول العالم، وربما يشكل فهم موقف نظامها السياسي الحاكم ومجتمعها من فكرة التقارب مع السنّة، أمراً مهماً لاستشراف ما يمكن أن يؤول إليه الحوار المرتقب.
يقول الباحث في الشأن الإيراني أحمد فاروق لـ"النهار العربي": "المواطن الإيراني (الشيعي) أيضاً لديه نظرة سلبية إلى الآخر، وحين نتحدث عن الآخر فهنا نقصد السلفي التكفيري الجهادي، إذ يرى أن المنطلقات الأساسية له هي تكفير الشيعة".
ويرى فاروق أن ثمة أساساً يمكن البناء عليه، ويقول: "حين يتحدث الإيرانيون عن التقارب بين المذاهب، يكون منطلقهم هو آراء الشيخ شلتوت، كما أن الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان دعا إلى توحيد الأمة، واعتبر أن المستفيد من التفرقة هو الغرب".
ويلفت الباحث إلى أنه "لو نظرنا داخل المجتمعات السنية والشيعية، نجد نظرة غير لائقة حيال الآخر في الجانبين، لكن ما يبرز على السطح هو الدعوة إلى الوحدة الإسلامية، وهذا يجعلنا لا نمتلك توقعاً واضحاً، بل نتساءل إلى أي مدى يمكن نجاح الحوار وجهود التقارب وسط التجاذبات التي نراها يميناً ويساراً؟".