أرسلت مصر شحنة أسلحة كبيرة في سفينة حربية إلى الصومال، مطلع الأسبوع الجاري، ووصلت الشحنة الجديدة بعد دفعات أسلحة أخرى أرسلتها القاهرة إلى مقديشو في أعقاب توقيع الدولتين بروتوكولاً للتعاون العسكري يوم 14 آب (أغسطس) الماضي.
ويؤكد مسؤولون وخبراء مصريون، تحدث إليهم "النهار العربي"، أن تلك الشحنات سوف تستمر وستساهم في تعزيز إمكانيات الجيش الصومالي الذي يأتي، حالياً، في الترتيب الرقم 142 من أصل 145 جيشاً حول العالم. وتدهورت قدرات الدولة الصومالية التي تحظى بموقع استراتيجي مهم للغاية، بعد الحرب الأهلية التي شهدتها عام 1991، وما تلاها من انتشار للجريمة والإرهاب.
وترى مصر أن إثيوبيا تهدد حصتها من مياه نهر النيل، بسبب إصرارها على إدارة سد النهضة منفردةً، كما أنها تسعى لزعزعة الأمن في البحر الأحمر بعدما وقّعت اتفاقاً لبناء قاعدة عسكرية تطل على هذا الممر الملاحي المهم مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، ما يشكل تهديداً إضافياً على قناة السويس التي تراجعت عوائدها بسبب هجمات الحوثيين في اليمن على السفن المارة جنوب البحر الأحمر.
دعم وردع
يقول رئيس جهاز استطلاع القوات المسلحة المصرية الأسبق اللواء أركان حرب نصر سالم لـ"النهار العربي": "الصومال دولة عربية، وبيننا اتفاق دفاع مشترك، كما أن بروتوكول التعاون الذي وقعناه معها، أخيراً، يسمح لنا بإمدادها بالأسلحة، وكذلك بتدريب قواتها".
ويضيف المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية في القاهرة: "إن البروتوكول لا يهدف إلى شن أي هجوم على إثيوبيا أو أي دولة أخرى، لكنه يرمي إلى تدريب القوات الصومالية جيداً، وإمدادها بالأسلحة".
ويردف: "بالمناسبة فإن التدريب، وقدرة المقاتل على استخدام السلاح أهم من السلاح نفسه، ومصر انتصرت في حرب 6 تشرين الأول (أكتوبر) 1973 رغم أن أسلحتها كانت أقل تطوراً من السلاح الذي تملكه إسرائيل".
ويشير اللواء سالم إلى أن "الوجود العسكري المصري على مقربة من إثيوبيا سوف يبعث برسالة واضحة لا لبس فيها، يجب أن تدركها أديس أبابا جيداً، مفادها أن الحضور العسكري المصري سيقدم دعماً - ولو معنوياً - لأطراف عدة تستطيع إزعاجها، كما أنه سيساعد الحكومة الصومالية على إنهاء الوضع القائم حالياً في إقليم أرض الصومال غير المعترف به دولياً، ويعزز قدرات مقديشو على الحفاظ على وحدة أراضيها".
ويعتقد الخبير العسكري أن الدعم الذي تقدمه القاهرة لمقديشو سوف يساعد قواتها المسلحة على التطور بدرجة أسرع، بحيث تكون قادرة ومؤثرة في منطقة القرن الأفريقي، وبإمكانها حماية حدودها ومصالحها في المنطقة.
مواجهة الاستفزازات
من جانبه، يقول وكيل جهاز الاستخبارات العامة المصرية السابق اللواء محمد رشاد، لـ"النهار العربي"، إن "مصر ذهبت إلى الصومال لدعم موقف وليس لإنشاء موقف. الصومال لديها قواتها المسلحة، وقد تعرضت مقديشو للاستفزازات من قبل أديس أبابا التي دعمت إقليم أرض الصومال الانفصالي عسكرياً، ونحن ذهبنا لمساعدة الأشقاء في الصومال لمواجهة تلك الاستفزازات".
ويرى الخبير الاستخباراتي أن "القاهرة لديها علاقات جيدة مع إريتريا، ولديها علاقات جيدة مع الصومال، وما يحدث حالياً هو أن مصر تستعيد حضورها في أفريقيا، وهذا حدث من قبل، فأفريقيا هي العمق الاستراتيجي للقاهرة، ومصر هي دولة أفريقية، وتسعى لتأمين مصالحها في منطقة القرن الأفريقي".
وعن أهمية دعم مصر للجيش الصومالي الذي يأتي في ترتيب متأخر للغاية بين جيوش العالم من حيث قوته، يقول إن "أي تقدم في قدرات الجيش الصومالي، حتى وإن كان بسيطاً، سيكون نجاحاً كبيراً بالنسبة لنا، لأنه سيجعله قادراً على تأمين حدوده، وفرض سيطرته على أراضيه".
ويعتقد اللواء رشاد أن بروتكول التعاون العسكري بين القاهرة ومقديشو "سوف يفتح مجالات تعاون أوسع، وسيشجع الصومال على بناء جيشها حتى يكون له ترتب أفضل بين دول العالم".
ضغط هائل
يؤكد خبراء تحدث إليهم "النهار العربي" أن إثيوبيا أدركت الرسالة التي أرادت مصر إيصالها من توقيعها بروتوكول تعاون مع الصومال، وإرسال مساعدات عسكرية وقوات مصرية إلى الأراضي الصومالية، وكذلك فإنّ الوجود العسكري المصري في دولة تربطها حدود تتجاوز 1600 كيلومتر مع إثيوبيا، يشكّل ضغطاً هائلاً على أديس أبابا.
وجاءت التحركات المصرية الأخيرة، بعد قرابة 12 عاماً من المفاوضات المضنية بشأن إنشاء وإدارة سد النهضة، بين مصر والسودان (دولتي مصب نهر النيل) من جهة، وإثيوبيا (دولة المنبع) من جهة أخرى.
ولم تصل تلك المفاوضات لأي اتفاق ملزم للأطراف الثلاثة بسبب تعنت أديس أبابا وإصرارها على أن السد شأن سيادي، ما دفع القاهرة للإعلان عن إيقاف المسار التفاوضي في كانون الأول (ديسمبر) 2023، وبدأها في استخدام أدوات أخرى.
وتعد حصة مصر من مياه نهر النيل (55.5 مليار متر مكعب) المورد الرئيسي للمياه لهذا البلد ذي المناخ الصحراوي الجاف، فهي توفر قرابة 90 بالمئة من الاحتياجات الأساسية لما يناهز 110 ملايين مصري يعيشون تحت خط الفقر المائي بمسافة كبيرة، فنصيب الفرد هنا يبلغ 500 متر مكعب في العام، فيما خط الفقر المائي يبدأ تحت مستوى 1000 متر مكعب، لذا تنظر القاهرة لمصالحها المائية على أنها مسألة حياة أو موت.