أعلنت الولايات المتحدة، أخيراً، موافقتها على صفقة صواريخ ستينغر مع مصر، تتضمن 720 صاروخاً بقيمة 720 مليون دولار أميركي، كما قررت أن تستأنف تقديم مساعداتها العسكرية للقاهرة كاملة (بقيمة 1.3 مليار دولار)، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2020.
فسّر بعض المحللين والمهتمين هذه التطورات بأنها ناتجة عن انفتاح مصر على استيراد السلاح الصيني، أخيراً. وبالبحث تبين أن بعض الصفحات - التي يبدو من أسمائها ومحتواها أنها تتبنى وجهات نظر داعمة لبكين - كانت قد بثت منشورات تطرح التفسير ذاته.
لا يوجد ما يفيد بأن تلك الصفحات تتبع جهات أو وسائل إعلام رسمية صينية، لكنها على أي حال طرحت تفسيراً لقي قبولاً لدى البعض، كما بدأ يروج على مواقع التواصل، وجعل آخرين يتساءلون: هل حقاً أعادت واشنطن "تسليح" القاهرة بعد انفتاحها على شراء السلاح الصيني؟
ونشرت صفحات عدة تدوينة متطابقة، جاء فيها: "غير عادي... الولايات المتحدة تركز على تسليح مصر بعد انفتاح القاهرة على السلاح الصيني"، ثم قارنت بين سعر الصاروخ الأميركي الذي يبلغ قرابة مليون دولار، ونظيره الصيني الأرخص، وقالت: "هناك صواريخ صينية معادلة بل وأكفأ من ستينغر، صاروخ FN-6 الصيني وسعره 70 ألف دولار فقط".
قراءة للتحولات
يقول مدير المركز العربي للبحوث والدراسات في القاهرة الدكتور هاني سليمان لـ"النهار": "أعتقد أن موافقة الولايات المتحدة على صفقة الصواريخ، مرتبطة بحرص واشنطن على العلاقات مع القاهرة في هذه الفترة الحساسة، وترتب عليه موافقتها على صرف المساعدات العسكرية لمصر كاملة للمرة الأولى منذ سنوات".
ويرى سليمان أن "هذا التوجه مبنى على قراءة مهمة للتحولات الإقليمية والدولية، والحرب في غزة، ودور مصر في الوساطة والمفاوضات بين إسرائيل وحركة حماس، والوضع السياسي والأمني الحساس في هذا التوقيت".
ولا يستبعد الباحث أن يكون انفتاح القاهرة، في السنوات الأخيرة، على قوى دولية أخرى مثل الصين وروسيا وفرنسا وألمانيا، وتنويع مصادر تسليحها شكل عاملاً إضافياً دفع الولايات المتحدة إلى أن تبقى مصر في مربع علاقاتها بالمنطقة.
ويلفت إلى أنه "ربما تحاول مصر إدارة التجاذبات بين القوى الكبرى لمصلحتها، لأن التنافس السياسي على مستوى قيادة النظام العالمي، يولد فرصاً وهامش مرونة للدول الإقليمية الفاعلة مثل مصر كي تستفيد من هذه المتغيرات".
وكانت مصر بدأت سياسة تنويع مصادر تسليحها منذ عام 2014، ومنذ ذلك الحين وحتى عام 2023 كانت في قائمة أكبر 10 دول مستوردة للسلاح في العالم، إلا أن النسبة الغالبة من مشترياتها من السلاح كانت تأتي من ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وروسيا إلى جانب الولايات المتحدة، ولم تشكل مشترياتها من السلاح الصيني نسبة تذكر في أي وقت كان، وفقا للتقارير التي نشرها معهد ستوكهلم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI).
تنافس عالمي
من جانبها، ترى المحللة السياسية والمحامية الأميركية إيرينا تسوكرمان أنه "لدى الصين كل الدوافع لمحاولة تشويه صفقة صواريخ ستينغر بشكل خاص، والعلاقات الأميركية - المصرية بشكل عام، نظرا لأن الصين قد استثمرت عشرات المليارات من الدولارات في مصر في السنوات الأخيرة".
ورغم أن التفسير سالف الذكر طرحته صفحات غير رسمية داعمة للصين، إلا أن المحللة الأميركية تقول لـ"النهار": "في خضم المنافسة بين القوى العظمى، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن التعليقات الاستباقية من بكين ليست مفاجئة".
وتضيف: "حتى وإن بدأت الولايات المتحدة في إدراك خطورة النفوذ الصيني في أفريقيا والشرق الأوسط، فمن الواضح أن هذه الصفقة لم تكن مدفوعة فقط بهذا الاستيقاظ المتأخر بسبب شراء مصر طائرات صينية أحدث وأرخص سعراً، مقارنةً بالإصدارات الأميركية القديمة".
ومن الأمثلة على ذلك "كان استئناف المساعدات العسكرية الأميركية لمصر، أخيراً، مرتبطاً بشكل مباشر بالدور الإيجابي لمصر في الوساطة بين إسرائيل وحماس. علاوةً على ذلك، فإن أي مساعدة عسكرية تقدم لمصر ترتبط بشرط أن يتم إنفاق جزء منها على شراء المعدات والتكنولوجيا العسكرية الأميركية، لذا، وبمجرد اتخاذ قرار استئناف المساعدات، كان من الطبيعي أن تحتاج واشنطن إلى بيع القاهرة أسلحتها للاستفادة من هذه السياسة".
وتعتقد أنه "في نهاية المطاف، لا يهم كثيراً ما هو الدافع الأميركي في هذه الحالة. النقطة الأهم هي أن مصر ستستفيد من الأسلحة الأميركية المتفوقة، وأن الأسلحة الصينية، رغم كونها أرخص، لا يمكنها ببساطة أن ترتقي إلى هذا المستوى من الجودة".
علاقات قوية
يرى الصحافي المصري المقيم في الولايات المتحدة محمد ماهر أن "القاهرة تحظى بعلاقات قوية مع واشنطن منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وأن الولايات المتحدة استثمرت في تطوير القدرات العسكرية المصرية منذ عقود، لأنها تدرك مدى أهمية دورها في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة".
ويقول ماهر لـ"النهار": "كانت مصر دائماً تأتي في الترتيب الثاني بعد إسرائيل من حيث الحصول على المساعدات، ربما باستثناء هذه الفترة التي تشهد حرباً بين أوكرانيا وروسيا، لكن دائما كانت القاهرة بين أكبر 3 دول تحصل على مساعدات أميركية".
ويضيف: "طلبت مصر هذه الصواريخ بعدما أثبتت فعالية كبيرة خلال الحرب الروسية - الأوكرانية، ولا يمكن المقارنة بينها وبين السلاح الصيني من حيث الجودة. كما أن اتجاه القاهرة للانفتاح على استيراد الأسلحة من بكين هو أمر حديث، ويأتي في إطار سياسة تنويع مصادر السلاح، لكن صادرات مصر من السلاح الصيني لا تقارن بقدر مشترياتها من السلاح الأميركي والغربي أو حتى الروسي".