تزايدت في الآونة الأخيرة التهديدات الإسرائيلية باجتياح لبنان، وآخرها قول الجيش الإسرائيلي اليوم الأحد، إنه أكمل مرحلة أخرى من الاستعداد لحرب محتملة على جبهته الشمالية مع لبنان وسوريا. وترافقت التهديدات مع ترويج إعلامي عبري لسيناريو شبيه باقتحام غزة ترجم بضربات استباقية من قبل الجيش الإسرائيلي لمواقع لـ"حزب الله" في لبنان وسوريا.
ورغم الحراك السياسي للمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى المنطقة ومنها بيروت للضغط أو الحؤول دون نشوب حرب واسعة، بالإضافة إلى الرسائل الغربية والدولية لتهدئة الأوضاع على الحدود، إلا أن طبول الحرب بدأت فعلياً تقرع، فهل تقع؟
تعليقاً على الموضوع، رأى الكاتب السياسيّ المختص بالحركات الإسلامية و"حزب الله" الصحافي قاسم قصير أن "كل الاحتمالات واردة للحرب وهناك معلومات عن استعداد إسرائيل لشن عملية عسكرية ضد لبنان في الأسابيع المقبلة".
وفي تعليقات لـ"النهار العربي" قال قصير: "لا أحد يستطيع تحديد شكل اي عملية عسكرية إذا حصلت وقد تكون من خلال تشديد القصف دون الدخول البري".
ورداً على سؤال عن أن الموفد الإسرائيلي في قطر لم يكتف باقتراح انسحاب "حزب الله" إلى شمال نهر الليطاني أو تطبيق القرار الدولي 1701 بل طالب أيضاً بنزع سلاح "حزب الله"، أجاب بكل صراحة ووضوح: "لا الانسحاب مطروح، ولا نزع السلاح".
لكنّ كرة النار على الحدود اللبنانية بدأت تتدحرج ولهيبها وصل إلى العمق اللبناني في البقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، لهذا أكد قصير أن "لبنان ضمن جبهات المواجهة في مواجهة المشروع الاسرائيلي والأميركي، وكل شيء وارد. لم يعد هناك خطوط حمراء".
العميد حسن جوني
إلا أن الخبير العسكري العميد المتقاعد حسن جوني استبعد "اجتياحاً اسرائيلياً للبنان" لأسباب عدة، أهمها أن الجيش الإسرائيلي منهك ويقاتل منذ 6 أشهر وجهوزيته انخفضت عسكرياً وهذا ما يؤكده مسؤولون إسرائيليون بارزون بتأكيدهم أن هناك نقصاً كبيراً في عدد الجنود وأن الجيش الإسرائيلي بوضعه الحالي لا يستطيع أن يفتح جبهة جديدة.
وأوضح لـ"النهار العربي" أن جبهة الجنوب تشهد تسخيناً متقطعاً، وهناك ضربات إسرائيلية عنيفة تؤدي إلى تدمير كامل للأهداف، بالإضافة إلى عمليات قنص من المسيرات الإسرائيلية في الفترة الأخيرة يتم عبرها استهداف للأهداف عند الاشتباه بها وليس بالضرورة بعد التأكد منها، وهذا تطور استفزازي لاستدراج "حزب الله" إلى مواجهة مفتوحة، إلّا ان الحزب يتجنبها ولا يريدها تلافياً للدمار الذي سيحصل من قبل الآلة العسكرية الاسرائيلية الضخمة ولكن ايضا لا يريدها تماهيا مع توجهات إقليمية، خصوصاً إيرانية.
وذكّر بأن "إيران الداعم الأساسي لـ"حزب الله" وهي لا تريد تصعيد الموقف وتتلاقى مع الرغبة الأميركية الرافضة حتى اللحظة توسع الحرب".
"قوة طازجة"
وأوضح جوني أن "حزب الله" من الناحية العسكرية يعتبر قوة "طازجة" ولم تستهلك قواه الدفاعية، خصوصاً أن رماة الصواريخ وجنود المدفعية الخفيفة هم الذين يقاتلون فقط منذ 6 أشهر، بالإضافة إلى الاستخدام التكنولوجي والمسيّرات، ولكن الجهاز الدفاعي الأساسي والبنية الدفاعية البرية لـ"حزب الله" التي تقاتل براً، وفقاً لمنطق الحرب غير المتماثلة وغير التقليدية، لم تستهلك بعد ولم تستنفد، و"هذا ما يعرفه ويفهمه الإسرائيلي تماماً"، مشيراً إلى "طبيعة الأرض في الجنوب الملائمة للدفاع والمناورات لـ"حزب الله"، وهي ليست لصالح إسرائيل اطلاقاً ولديها تجربة سابقة بهذا الموضوع".
وإذ رأى أن "الجيش الإسرائيلي يحسب حساباً كبيراً جداً لخسائره إذا اجتاح لبنان"، تساءل: "لماذا يريد الجيش الإسرائيلي اجتياح لبنان بعد ان دخله سابقاً وبقي 20 عاماً لكنه اضطر أن ينسحب نتيجة عمليات المقاومة التي أخرجته بالقوة. ما هي الغاية التي يريد أن يحققها إذا اجتاح لبنان طالما أنه غير قادر على البقاء؟".
شمال الليطاني
وعن انسحاب "حزب الله" إلى شمال نهر الليطاني، أوضح أن "الحزب موجود بين الناس في القرى الحدودية وهو جزء من النسيج الشعبي ومسألة عودة الحزب من الليطاني الى الحدود هي مسألة ساعة أو ساعتين أو عشر دقائق في مناطق معينة واليوم حسب تطور مدى الأسلحة الباليستية حتى عودة الحزب الى شمال الليطاني لا تحمي الشمال الاسرائيلي من أي ضربات".
وتوقع جوني أن "يصعد الجيش الإسرائيلي ضرباته الجوية والمدفعية ويكثف عمل المسيرات وينتهج مخططاً تدميرياً واستهداف العمق اللبناني للضغط على "حزب الله" والحكومة اللبنانية ربما لاستنهاض اصوات داخلية هي رافضة اصلا للتورط اللبناني في هذه الحرب، وهذا أقصى ما يمكن ان تقوم به اسرائيل سعياً لعودة الحزب إلى خلف شمال الليطاني وتطبيق القرار الدولي 1701 بحسب ما كان معمولاً به قبل هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي".
سيناريو غزة
وفيما هدد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت باستهداف "حزب الله" حتى في بيروت ودمشق، تحدثت القناة الـ 14 الإسرائيلية عن إجراءات ممنهجة للجيش الإسرائيلي يقوم فيها في الأراضي اللبنانية، تمهد الطريق لدخول عسكري للمقاتلين إلى الأراضي اللبنانية، تماماً كما حصل قبل الدخول البري إلى قطاع غزة، حيث قصف سلاح الجو أهدافاً من أجل تهيئة المنطقة لدخول الآليات العسكرية. وأفادت القناة العبرية بأن الجيش الإسرائيلي، وفق الفرضية نفسها، يستعد للدخول إلى الأراضي اللبنانية على مسافة تصل إلى 5 كيلومترات في العمق.
ورأى جوني أن "ما يجري اليوم ليست ضربات جوية ممهدة لعملية عسكرية برية للجيش الإسرائيلي بل استهداف مستقل لمواقع محددة ومحصورة بعناصر "حزب الله" وكوادره"، موضحاً أن "الضربات الجوية الممهدة للاجتياح تستهدف الجسور والطرقات والمواقع الدفاعية والبنى التحتية وغيرها من الأهداف"، وهذا لا يحصل.
صندوق بريد
وشدد على أن "لبنان ليس صندوق بريد بل هو متدخل في الحرب الجارية في المنطقة من خلال "حزب الله" تحديداً، وبات يعتبر لاعباً أساسياً فيها، لذا، فهو معني بكل تطور إيجابي أو سلبي ممكن أن يحصل، وإذا توقفت الحرب في غزة تتوقف الحرب في لبنان وإذا تم إنجاز تسوية ما ستشمل حتماً الجبهة اللبنانية".
ورداً على سؤال، استبعد جوني أن "تتمادى إسرائيل باستهداف سفارات كما حصل في سوريا، لأن هذا العمل بحد ذاته هو اعتداء على سيادتين، وهذا أمر كبير جداً ولا يمكن ان يمر، ولكننا شاهدناه في سوريا نظراً لاعتبارات عدة، ونتيجة الوضع المترهل في هذه الدولة ولنظام الحكم فيها ولوجود قوى عسكرية مختلفة على ارضها، خصوصاً أن اسرائيل تدعي انها تهاجم قوى ايرانية وهي اصلا في حالة عداء معها وهذا الفعل لا ينسحب على اي سفارة في العالم ولا على اي دولة".