إنّها محاولات استهدافيّة أكثر منها عراقيل هامشية فحسب، تتعرّض لها إليسا في الجولة الحاليّة من التحديات التي تخوضها، وإن كانت هذه الفنانة المتمرّدة قد واجهت صعوبات جمّة واستطاعت تجاوزها مهما كلّفتها من عناء في شتّى مراحلها المعطاءة فنّياً. لكنّ قضيّتها الآنيّة التي تصارع خلالها الأمواج العاتية من تدخلّات سياسية، لا تعنيها وحدها إنّما أضحت بمثابة مسألة وطنية تقتضي التحرّك العاجل تصدّياً لمحاولة تسلّل الظواهر القمعية التي باتت تختصر كيفية إدارة بعض قطاعات الدولة اللبنانية المكفهرّة في ظلّ شغور الاستحقاقات وعدم انتظام المؤسسات، في اتجاه المضمارين الثقافيّ والفنيّ اللذين لا يزالان قادران على تضميد آلام وطنٍ تكتنفه الأعباء ويحتاج التمسّك في معركة هدفها الأساسيّ حماية الحريات.
من المتعارف عن إليسا أنّها لم يسبق أن اهتزّت أمام الريح كلّما واجهت حرباً شعواء لشخصها أو أعمالها، وهي لا تخشى أن تعبّر صراحة عن اختلاجات وطنيّة وتصاريح حول التطورات السياسية في لبنان وإن كانت تدرك في قرارة نفسها أنّها ستخسر بعض الذين لا يستسيغون ما تتكلّمه ولا يحبّذون نظرتها إلى الأوضاع اللبنانية، لكن أن يكون ثمة أرشيف فنيّ على "حافة تراخٍ" ينذر باستهتار مريب من بعض السلطات وسط تأثير سياسيّ على بعض القضاة اللبنانيين، فإنّ هذه الهشاشة السلطوية في عدم تقدير جدارة سنواتٍ من التربّع على عرش الجوائز العالمية التي أهدِيَت للبنان بأكمله في كلّ جولة من أنسنة للموسيقى لا صناعتها فحسب، يجعل البلد في قعر "المماحكة الركيكة" كأن بتنا نتحدّث عن وطنٍ يعمل بعض الذين يتولون مسؤوليات فيه على استهداف تاريخ أعمال ناصعة.
حتى وإن كانت محاولات استهداف أرشيف إليسا الفنيّ على صفحتها عبر منصّة "يوتيوب" تشكّل هراءً حقيقيّاً يبتغيه البعض عبر التعويل على تدخّلات سياسية تلتها عراقيل في محاولة لتأخير قرارات قضائية أعطت الفنانة اللبنانية حقّها، لكن التفكير في أن ذلك الأرشيف بات في متناول الاستخفاف، يستدعي أشمل مصطلحات الشجب والاستنكار. ذلك أنّ المناكفات التي تحاول التأثير على إليسا لم تعد محصورة في محاولات الهجوم على شخصها فحسب، إنما باتت الفنانة اللبنانية تصارع مع الذين لم يفارقوها في عزّها، خطر التعرّض للتاريخ الأرشيفيّ الذي استطاعته باعتناء. ولا يمكن الاستهانة في المعركة وأبعادها من دون إغفال أبعاد وجود تدخلات تأخذ طابعاً سياسيّاً لمنع تنفيذ قرارات قضائية، ما يطرح استفهامات حول خطورة وتبعات محاولة التأثير على عمل المؤسسات اللبنانية.
استهداف للثقافة والتاريخ
يفسّر الوكيل القانونيّ للنجمة إليسا المحامي مارك حبقة في حديثه لـ"النهار العربي" مفاصل القضية، في قوله إنّ "إليسا تتعرّض لمخاطر من زاوية استهدافية للثقافة ولتاريخ لبنان، لناحية إمكان أن يمحى أرشيفها عن صفحتها على منصّة "يوتيوب" لأنها لا تحوز القدرة على إدارة صفحتها على "يوتيوب" حالياً بسبب مصادرة شركة "وتري" لكلمة السرّ وللتفاصيل التقنية للصفحة. ولا تزال شركة "وتري" تمتنع عن تنفيذ القرارين القضائيّن المدنيّين السابقين اللذين كانا أكّدا على إلزام الشركة ضرورة تسليم إليسا صفحتها على "يوتيوب" وكلمة السرّ".
إذ يأتي أوج التضامن الشعبيّ العربيّ مع إليسا بهدف حماية أرشيف فنيّ مرتّب بشجن تعب عملها، يضيف وكيلها القانونيّ أنّ "المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي سامر ليشع كان ألزم شركة "وتري" تسليم الصفحة في إشارته القضائية لكنّ تلك الشركة لم توافق. وبعدما عمل سامر ليشع على إيقاف صاحب الشركة وأنذره بضرورة أن يعمل على تسليم الصفحة أو يبقى موقوفاً، تدخّلت القاضية غادة عون وتركته بموجب سند إقامة معتبرةً أن النزاع مدنيّ. هذا ما يشكّل خطورة في القضية".
ويدقّ المحامي مارك حبقة "ناقوس المحاذير" من "وجود تدخلات سياسية في العمل القضائي خصوصاً أن القاضية غادة عون أعطت إشارتها بشكلٍ عشوائي من دون معرفة مسبقة في الملفّ. ويتأكّد أن ثمة تدخلات من أشخاص يتلاقون مع غادة عون في أفكارها ضدّ إليسا واستطاعوا التأثير على القاضية في محاولتهم استهداف حقوق إليسا الأدبية والفنية من خلال قرارات عشوائية قامت بها غادة عون". وهو ينتقد الواقع الحاليّ حيث "يوجد لدى القيّمين على شركة "وتري" علاقات مع أشخاص في استطاعتهم أن يتدخّلوا مع غادة عون لاستخدام النفوذ السياسيّ والتأثير على قضية قضائية بحتة".
ماذا عن تبعات التدخّل السياسيّ في القضاء؟ يقول حبقة إنّ "تصرفات غادة عون في ملفات تتدخل فيها وتأخذ قرارات في شأنها بمثابة ترجمة للتدخلات السياسية ضدّ مصلحة مواطنين لا يتفقون في السياسة مع الأشخاص الذين في استطاعتهم التأثير على غادة عون". وهل بات القضاء اللبنانيّ في خطر؟ بحسب انطباعات الوكيل القانونيّ للفنانة إليسا، إن "القضاء في أسوأ أيامه ونحاول أن نردّ الحقّ لأصحابه بواسطة القانون.... وتكمن المهمة التي نضطلع بها كمحامين في شتى القضايا بالتصدي للمخالفات الحاصلة". ويستنتج أنه "لا بدّ من اتخاذ قرار في الأيام المقبلة يبطل كلّ الإشارات المخالفة في قضية الفنانة إليسا مع شركة "وتري" وهذا ما نتوقّعه ونتوخّاه من القيّمين على القضاء، على أن تنفّذ إشارة سامر ليشع مجدّداً".
في المحصّلة، كلّ الانتظار لأن يبتّ القضاء نهائياً في قضية أبعد من أن تكون شخصية فقط... وأن ينقذ قضية وطنية.