النهار

لبنان عنوان حراك دبلوماسي في واشطن... ديفيد هيل لـ"النهار العربي": إسرائيل مصمّمة على مواجهة مع "حزب الله" بعد غزة وهذه اللحظة المناسبة للدبلوماسية
المصدر: النهار العربي
دوائر واشنطن بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية على تماس مستمر ووثيق لجهة استثمار أي خرق إيجابي
لبنان عنوان حراك دبلوماسي في واشطن... ديفيد هيل لـ"النهار العربي": إسرائيل مصمّمة على مواجهة مع "حزب الله" بعد غزة وهذه اللحظة المناسبة للدبلوماسية
وفد نواب المعارضة اللبنانية في احد لقاءاته في واشنطن
A+   A-
واشنطن - أمل شموني

تشهد العاصمة الأميركية، واشنطن، حراكًا سياسيًا ودبلوماسيًا ناشطًا محوره الشرق الأوسط عامة، ولبنان بشكل خاص. ففي اللقاءات المتعلقة بلبنان، تنشط الدوائر الأميركية في البحث عن مخارج لتلافي حرب بين حزب الله ولبنان من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وسط تقارير تفيد أنه عندما يتضح الوضع في غزة، ستتجه الأنظار نحو لبنان، وسيكون السؤال عن نوايا الإسرائيليين وحزب الله تجاه بعضهما.
 
وقال ديفيد هيل، الزميل في "معهد ويلسون" ومساعد وزير الخارجية السابق للشؤون السياسية والسفير الأميركي السابق في لبنان، لـ "النهار العربي"، إن الإسرائيليين يشعرون بأنهم بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر)، لا يحتاجون فقط إلى إزالة تهديد "حماس"، بل أيضاً الى "إزالة تهديد حزب الله"، "وإذا كنّا نريد منع خطر التصعيد العسكري، فهذه هي اللحظة المناسبة للدبلوماسية". 
 
وفيما يجهد العديد من النواب اللبنانيين الزائرين الى واشنطن في شرح وجهات النظر المتعلقة بموضوعي الفراغ الرئاسي، والأزمة اللبنانية الإسرائيلية، تشير المصادر الأميركية الى أن إدارة الرئيس جو بايدن تفصل بشكل واضح بين الملفين، وأن المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين مكلّف ملف الحدود والسعي لوقف الاشتباكات المتقطعة والعمل على إيجاد حل شبه نهائي للنقاط الخلافية وترسيم الحدود البرية، فيما تضطلع السفيرة الأميركية في لبنان ليزا جونسون بمهمة التنسيق مع اللجنة الخماسية في الملف الرئاسي، على رغم ان دوائر واشنطن بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية على تماس مستمر ووثيق لجهة استثمار أي خرق إيجابي في أي من الملفين.
 
حراك فرنسي في واشنطن 
وكان الموفد الفرنسي جان- إيف لودريان قد زار واشنطن خلال شهر نيسان(أبريل) حيث بحث مع مسؤولين أميركيين، وفي مقدمهم وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن وهوكشتاين الملفات اللبنانية خصوصًا مسألتي الحدود وانتخاب رئيس للجمهورية.
 
 
وأشارت سيلين أويسال، الدبلوماسية الفرنسية الزائرة في معهد واشنطن، في مقال لها الى أن مقترحات فرنسا لاقت استحسانًا لدى المسؤولين اللبنانيين، لافتة الى طرح مبادرة مشتركة فرنسية- أميركية لإيجاد حل دبلوماسي يمنع اندلاع حرب شاملة بين حزب الله وإسرائيل.
 
وفي هذا السياق، أبرز إد غبريال، السفير الأميركي السابق ورئيس مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان، إلى "النهار العربي"، أهمية دور الدبلوماسية الأميركية في تجنب حصول تصعيد شامل، خصوصًا أن كلا الجانبين، حزب الله وإسرائيل، قد رفعا مستوى جهوزيتهما. وأشار الى انه منذ الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران تزايدت المخاوف، لافتا الى ان هوكشتاين، الذي التقى الجاليات اللبنانية الأميركية في ديترويت وهيوستن مؤخرًا، استمع الى المطالب الداعية الى تعزيز التدخل الأميركي لمنع أي تدهور إضافي. وقد لفت غبريال الى ان الأميركيين والفرنسيين متفقون على العديد من النقاط المشتركة للمضي قدماً لوقف الاشتباكات المتبادلة والشروع في وضع حل لمسألة النزاع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية. 

وبحسب غبريال، فإن هوكشتاين والجانب الفرنسي تحدثا عن منطقة حدودية لبنانية منزوعة من سلاح "حزب الله" يبلغ عمقها 10 كيلومترات شمال الخط الأزرق، وانتشار للجيش اللبناني إلى جانب قوات اليونيفيل. وأكد غبريال ان الأميركيين واضحون بشأن  توفير التمويل الإضافي للجيش اللبناني، رغم وجود بعض المنتقدين في الكونغرس. وقال ان الإدارة الأميركية تدعم الجيش اللبناني بقوة، كما أن الجهات الفاعلة الرئيسية في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب وفي لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ واللجان الفرعية الرئيسية الأخرى الخاصة بالشرق الأوسط من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، جميعها داعمة للجيش اللبناني وتوسيع دوره، لافتًا الى أن مجموعة العمل الأميركية من أجل لبنان تعمل جاهدة على تقديم المشورة وتوفير المعلومات الضرورية والصحيحة لتعزيز دور الجيش اللبناني.

1701 أساسي.. 

وفيما واشنطن وباريس تركزان على ضرورة البدء بوقف الأعمال العدائية، ووضع جدول زمني لمحادثات الحدود، وفيما لم يشمل المخطط الفرنسي حلولًا لمسألتي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، يذهب الأميركيون إلى أبعد من ذلك ليقولوا انهم لا يستبعدون أي نقطة من نقاط الخلاف الـ13 الحدودية من على الطاولة. غير ان غبريال أشار الى ان اثنين أو ثلاث نقاط قد تتطلب "أكثر من جلسة حول فنجان قهوة.
 
 
 
 
ديفيد هيل
من جانبه، شدد السفير هيل على أهمية تطبيق القرار 1701، قائلاً إن تنفيذ الجوانب غير المكتملة من القرار، بما في ذلك انسحاب "حزب الله" ونشر قوة للجيش للبناني، ستكون أولى المهمات للتوصل الى استقرار الوضع في الجنوب انطلاقًا من الخط الأزرق، وقد يلي ذلك السعي الى معالجة القضايا الحدودية العالقة. وأضاف هيل أن البدء في التنفيذ التدريجي للقرار 1701 لتخفيف التوتر على الحدود سيكون "إنجازًا كبيرًا بحد ذاته"، رغم إثارته مخاوف من عدم التزام "حزب الله" الكامل لجهة عودة عناصره مجدداً الى تلك المنطقة، في ظل ضعف دور "اليونيفيل" والجيش اللبناني. 

ويشار الى أن الموقف اللبناني يشدد على أهمية أولويتين، هما تثبيت لبنانية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والمطالبة بتطبيق القرار 1701.
 
وفي هذا الإطار، ركز النواب اللبنانيون خلال لقاءاتهم الأميركية على المطالبة بضرورة التنفيذ الكامل للقرار 1701.
 
غير أن الدكتور بول سالم، الباحث السياسي ورئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن، يرى ان هناك اختلافاً بالنسبة الى مقاربة هذا الأمر في واشنطن. وقال لـ"النهار العربي" إنه على الرغم من أن القرار 1701 هو اساسي، ولهذا السبب هناك تواجد لقوات اليونيفيل والجيش اللبناني في الجنوب، غير ان واشنطن ومعظم الأطراف الدولية تدرك ان المطالبة بالتنفيذ الكامل للقرار الدولي حاليًا أمر غير واقعي خصوصًا لجهة نزع سلاح حزب الله "رغم وجود رغبة لدى الكثيرين في ذلك".
 
ويظل القرار 1701 هو الإطار القانوني العام، وان النقاش حاليًا يركز الى إدراج بعض الترتيبات الفعلية وتحسينها الظروف في هذه المنطقة لوقف او درء أي تدهور عسكري شامل، بحسب ما قاله سالم. 
 
 
آلية مراقبة التنفيذ 
وشملت الورقتان الأميركية والفرنسية وقف الطلعات الجوية الإسرائيلية فوق لبنان. وفي هذا الإطار، أكد غبريال وسالم أن واشنطن تعي أن القرار 1701 يُنتهك من طرفي الحدود، والمسألة المطروحة تتمحور حول إيجاد آلية لمراقبة وضمان تنفيذ وقف الاشتباكات الحالية. ومن ثم ومع التوصل الى اتفاق حدودي، السعي لإيجاد آلية لضمان تنفيذ هذا الاتفاق.
 
وكانت الدبلوماسية الفرنسية أويسال قد لفتت الى ان فرنسا طرحت آلية تحاكي "تفاهم نيسان 1996" الذي أوجد فريق مراقبة بإشراف الولايات المتحدة وفرنسا ولبنان وإسرائيل وسوريا، مشيرة الى تراجع الدور السوري وتقدّم الدور الإيراني لجهة التأثير على حزب الله. من جانبه، لفت غبريال الى أن فكرة هذه الآلية ممتازة وقد ترضي جميع الأطراف أيضاً. غير ان السفير هيل أشار الى أنه من الخطأ العودة إلى آلية "تفاهم نيسان 1996" معتبرًا ذلك خطوة الى الوراء بالنسبة للقرار1701. وقال إن القرار 1701 وضع قواعد أساسية جديدة ووسائل أقوى بكثير لوقف الإشكالات الحدودية، داعياً الى التطلع الى الأمام والتمسك بالتطبيق الكامل للقرار 1701. 

هوكشتاين ودور برّي

وفي سياق متصل، أشار سالم الى الانفتاح الإيجابي للجانب اللبناني لاسيما حزب الله والجانب الإسرائيلي على جهود هوكشتاين مما يمنحه دوراً معززًا، خصوصًا وانه يتمتع بالمصداقية لجهة نجاحه السابق في مسألة المحادثات المتعلقة بالحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. ولفت الى ان جهود هوكشتاين قد تكون مهمة جدًا في حال تم التوصل الى اتفاق جدي لوقف إطلاق النار في غزة، مما يجعل من الحديث عن وقف إطلاق النار في لبنان جدي وسريع، بالإضافة إلى استتباع ذلك بالشروع ببعض الترتيبات الجديدة على طول الحدود التي من الممكن ان يكون حزب الله منفتحًا عليها. ولفت سالم الى ان هوكشتاين يرى ان هذا الانفتاح من قبل الحزب قد بدأ يُترجم من خلال  تغييراتٍ عملانية تحدث عنها خلال لقاءاته. وشدد غبريال على خطورة التهديدات الإسرائيلية رغم وجود رغبة إسرائيلية لإعطاء فرصة لمساعي هوكشتاين لإيجاد حل دبلوماسي، مشيرا الى أنه يعتقد أن حزب الله أيضاً يتواصل مع الأميركيين من خلال طرف ثالث، وان الحوار غير المباشر قد يصل الى خواتيم إيجابية.
 
ولفت غبريال الى أهمية دور رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الذي "يتحمل بالفعل مسؤولية مهمة حاليًا"، مضيفا ان هوكستين يريد وضع كافة الأطراف السياسية في لبنان في أجواء محادثاته، وهو بالفعل باشر لقاءات مع برلمانيين لبنانيين من الأحزاب ومن جماعات المعارضة، غير أن "المناقشات الرئيسية الآن يجب أن تكون مع الرئيس بري"، بحسب تعبير غبريال.
 

 
الشغور الرئاسي.. لا مساومة
وعلى خط متوازٍ، تحتل مسألة الشغور الرئاسي في لبنان أهمية كبرى، وقد أشارت المصادر السياسية في واشنطن إلى أن السفيرة جونسون تقود المساعي الأميركية في هذا الموضوع. ورغم أن جهود الخماسية تعكس الانخراط الجدّي للولايات لمتحدة، فرنسا، السعودية، مصر، وقطر في العملية السياسية في لبنان والرغبة في إنهاء هذه الأزمة المستمرة منذ عام ونصف، حذّر النواب الزائرون لواشنطن من أن يتحول الشغور الرئاسي إلى ورقة مساومة مع "حزب الله". وفيما تؤكد واشنطن رغبتها في إقناع الأطراف اللبنانية بالحوار، غير أن أطراف المعارضة النيابية رافضة أن يتم الحوار برئاسة   بري باعتباره طرفاً أساسياً. 
 
وتلافياً لإلحاق موضوع انتخاب رئيس للجمهورية بالمحادثات التي يجريها هوكشتاين، سمع النواب الزائرون من المسؤولين الأميركيين أن واشنطن تُميّز بين جهود هوكشتاين لتهدئة الحدود اللبنانية الإسرائيلية والجهود التي تقوم بها الولايات المتحدة من ضمن الخماسية لتسهيل التوافق بين الأطراف السياسية اللبنانية على اختيار مرشح رئاسي جديد. وقال غبريال لـ"النهار العربي" إن الولايات المتحدة أوضحت أن هناك تمايزاً واضحاً بين جهود المسارين، وأن اتفاقية الحدود لن تتم مقايضتها بالملف الرئاسي.
 
وأضاف غبريال أن انتخاب رئيس كفي يتمتع بشرعية داخلية وبدعم من المجتمع الدولي سيعيد الثقة إلى لبنان، ما يتيح الوقت الإضافي اللازم لإيجاد حل دبلوماسي للأزمات اللبنانية الأخرى. غير أن سالم لفت إلى الموقف الأميركي الرسمي التقليدي وهو أنه في نهاية المطاف، أياًٍ كان الرئيس الذي ينتخبه البرلمان رسمياً، فإن الولايات المتحدة ستحترم ذلك وتتعامل مع ذلك الرئيس. أي أن الاعتراف بالرئيس المنتخب أمر، ولكن التعامل مع الرئيس المنتخب لجهة تقديم المساعدات والدعم أمر مختلف تماماً.
 
ورغم وضع الولايات المتحدة المواصفات التي ترغب بها بالنسبة إلى الرئيس العتيد، إلا أن واشنطن تشدد على عدم التدخل في الأسماء. وقد أكد غبريال نقلاً عن مسؤولين أميركيين أن الخماسية ليست معنية باختيار اسم المرشح الرئاسي. بل إن الدبلوماسيين يأملون أن يتمكنوا من المساعدة في بناء التوافق لخلق إجماع حول شخصية لبنانية يمكنها تحمّل مسؤولية الرئاسة اللبنانية والشروع في تذليل مصاعب البلد. وتحدث غبريال عن السعي إلى سحب الترشيحات المطروحة حالياً للتمكن من انطلاق النقاش الهادف للتوصل إلى اختيار المرشح الأفضل لرئاسة لبنان. 

الملف الإيراني
وفي سياق متصل، أشار سالم إلى أن نواب المعارضة أعربوا خلال لقاءاتهم عن خشيتهم من تسليم الملف اللبناني إلى طهران، خصوصاً في ظل عدم وجود "سياسة أميركية ناجحة للتعامل مع إيران". ولفت سالم إلى أن إدارة بايدن تتعامل مع إيران من خلال ما يعرف بصفقة less-for-less. بمعنى آخر ألا تتجاوز نسبة تخصيب إيران لليورانيوم 60 في المئة، في مقابل عدم تطبيق قوي للعقوبات الأميركية ضد الصادرات النفطية. ولفت إلى أن هذه السياسة "كانت بحدها الأدنى تعمل جيداً إلى أن هاجمت "حماس"، بدعم من إيران، إسرائيل".
 
وقال غبريال إن جذور كل مشكلات لبنان تكمن في أمرين: الفساد وإيران. ولكن الولايات المتحدة لا تمتلك استراتيجية جيدة وواضحة للتعامل مع إيران، it's too fluid. وأضاف أن من الواضح "أننا بحاجة إلى استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط. كما أننا نحتاج إلى استراتيجية لبنانية كجزء من استراتيجية إقليمية تشمل خطط التعامل مع إيران". وأشار إلى أن مثل هذه الاستراتيجية يجب أن تتم بالتعاون مع "شركائنا الخليجيين: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر إلى جانب بعض الدول الأوروبية".
 
أما على صعيد الوضع الحالي، فقال غبريال إن "إيران أوضحت أنها لا تريد التصعيد، كذلك فعل "حزب الله"، غير أن إسرائيل لم تفعل، وبالتالي يمكن أن يكون هذا الوضع خطيراً". وأضاف أن مخاطر الحرب تظل قائمة بالنسبة إلى البنان، خصوصاً أن إسرائيل ترفض العودة إلى سيناريو "بقاء الأمور على حالها" التي كانت سائدة قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر). ويؤكد أن مهمة هوكشتاين المتمثلة في تهدئة التوترات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية ذات أهمية بالغة ويجب أن تترافق مع ضغوط إدارة الرئيس بايدن من أجل وقف إطلاق النار في غزة.
 

اقرأ في النهار Premium