حرب طاحنة يشهدها الشرق الأوسط منذ أكثر من 7 أشهر، امتدّت نارها وتداعياتها من قطاع غزّة نحو بلدان عدّة كان بمقدّمتها لبنان، حيث فتح "حزب الله" جبهة إسناد جنوباً انقسمت حولها آراء اللبنانيين، فرأى مؤيدوها أنّها ضرورية لدعم الفلسطينيين، واعتبر معارضوها أنّها لم تُحقّق سوى الدمار والتعطيل. وفي خضمّ القتال، أتى مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومسؤولين مقرّبين منه بحادثة سقوط المروحيّة الرئاسية، ليزيد المشهد تعقيداً.
موقع "النهار العربي" التقى مسؤول ملف الموارد والحدود في "حزب الله" نواف الموسوي، وحاوره في تداعيات موت رئيسي، الحرب في غزّة وجنوب لبنان، ترسيم الحدود، وثروة النفط والغاز.
رئيسي... تكهّنات كثيرة
بداية يرى الموسوي، في رده على احتماليّة أن يكون ما حدث مع رئيسي ورفاقه هو عمليّة اغتيال، أنّ "التكهّنات تكثر عادة عندما يتعرّض مسؤول سياسي كبير لحادثة من هذا النوع"، معتبراً أنّ كل الأسئلة التي تُطرح الآن "مشروعة" استناداً إلى ما لابس الحادثة من وقائع.
لكنّه في الوقت نفسه يشدّد على أنّ كشف حقيقة ما حدث "بيد السلطات الإيرانيّة، التي في ضوء التحقيق الذي تجريه يمكن أن تعطي الرأي النهائي في هذا الصدد"، لافتاً إلى أنّه من الممكن "طرح سيناريوهات عدّة ولكنها ستفتقد للواقعيّة إلا إذا استندت لمعلومات مؤكّدة".
وبخصوص التداعيات على الداخل الإيراني، يقول الموسوي إنّ "الثورة (الإسلامية) منذ انتصارها مرّت باستحقاقات أشد من ذلك كالانفجار الذي أودى بحياة 73 قياديّاً من حزب الجمهورية الإسلامية، إضافة إلى اغتيال الرئيس محمد رجائي، لكنّها أثبتت قدرتها على البقاء رغم أنّها كانت آنذاك في بدايتها".
ويستبعد المسؤول في "حزب الله" بشكل حاسم أن يؤثّر ما حدث على "دعم إيران لحركات المقاومة في العالم العربي"، أيّاً كان الرئيس المقبل وإلى أيّ معسكر انتمى، مستشهداً بـ"زيادة الدعم" إبان حكم الرئيسين محمد خاتمي وحسن روحاني المحسوبان على التيار الإصلاحي.
ويضيف: "نظراً للآليات المعمول بها في إيران، لا أرى أي تأثير يذكر على الحرب" القائمة في المنطقة.
الحدود و"الاعتراف بإسرائيل"
يرفض الموسوي، وهو من جيل المؤسسين في "حزب الله"، أيّ تلميح إلى اعتراف التنظيم بوجود إسرائيل أو التنازل عن حقوق لبنان، وهو أمر تمّت معايرته به إبان التفاهم بشأن المنطقة الاقتصادية الخالصة في تشرين الأول (أكتوبر) 2022.
ويوضح: "لو عاد الأمر لحزب الله لم نكن لنفاوض ترسيم الحدود إلا مع أصحاب الأرض، أي الشعب الفلسطيني".
يقول الموسوي إنّه منذ تحرير لبنان عام 2000 تقع مسؤولية تحديد الحدود على عاتق الدولة "فنحن نعتبر أنّ الكيان لا شرعية له ولسنا الجهة التي تفاوض..."، وفي جميع الأحوال بحسب قانون البحار "لا يستطيع لبنان أن يُعلن بصورة أحادية منطقته الاقتصادية الخالصة، فهذا الأمر يخضع للتحكيم أو للتفاوض".
وخلال سرده لتفاصيل ما جرى خلال هذه المفاوضات، يتّهم الموسوي حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بـ"ارتكاب خطيئة" في الاتفاق الذي أبرمته مع قبرص في 17 كانون الثاني (يناير) 2007، والذي جعلت فيه المنطقة ثلاثية البعد النقطة رقم واحد. ويكشف: "قلت للسنيورة إنّه يتحمل مسؤولية تضييع 865 كلم مربع من حقوقنا".
ويتابع: "بموجب المرسوم 6433 جرى تصحيح هذا الأمر واعتماد الخط 23 كحدود للمنطقة الاقتصاديّة"، وبرز حينها رأي في مديريّة الشؤون الجغرافيّة بالجيش اللبناني أنّ الحدود البحريّة يجب أن تكون عند الخط 29.
ويشير إلى أنّه كان ينبغي تعديل المرسوم للتفاوض على الخط الجديد، إلا أنّ هذا لم يحدث رقم توقيع رئيس الحكومة آنذاك حسان دياب ووزير الأشغال ميشال نجار على مرسوم التعديل، ففي الليلة التي كان ينبغي على رئيس الجمهورية ميشال عون التوقع جاء وكيل وزارة الخارجيّة الأميركيّة ديفيد هيل إلى لبنان، وقيل آنذاك "إذا أقدمتم على هذه الخطوة سيطالب الجانب الإسرائيلي بحدود الخط 310.
ويضيف: "نحن التزمنا بما التزمت به الدولة، والمعنيون قالوا إنّ الهدف من طرح الخط 29 كان تفاوضيّاً فقط... لكنّ رأي حزب الله كان مختلفاً وقلنا إنّكم ستبدون بعين اللبنانيين كمن تراجع عن حقوقه المفترضة".
رغم ذلك، يؤكّد الموسوي أنّ لبنان حقّق إنجازاً آنذاك بتحرير 865 كلم مربع من القبضة الإسرائيليّة، وهي مساحة "بقي يفاوض للإفراج عنها عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي منذ عام 2020 دون أي تقدم قبل مزج التفاوض مع حركة المقاومة".
ويكشف: "عندما كنا نجري عمليّة الترسيم البحري، لم يرسل حزب الله مسيّرات فقط إلى حقل كاريش الإسرائيلي، بل قمنا بتهديد المهندسين والعاملين على تلك المنصة. اتصلنا بهم بطرقنا وقلنا لهم اخرجوا من هناك".
يؤكّد الموسوي أنّ بعض الفرقاء شوّهوا "إنجاز التحرير عمداً" ولأسباب عدّة، وفي مقدّمتها الخصومة مع عون والتحضير للانتخابات الرئاسيّة، كما زعموا أنّ اتفاق 17 أيار أعطى لبنان حقوقاً أكثر في منطقته الاقتصاديّة الخالصة و"هذا تدليس، فقد نصّ ملحق الترتيبات الأمنية لهذا الاتفاق على إنشاء منطقة بحرية مشتركة بين البحرية الإسرائيلية ولواء إقليمي في الجيش اللبناني، الذي كان يومها جيش سعد حداد".
"أخطاء توتال"
يصرّ المسؤول في "حزب الله" أنّ "التنظيم لم يستعجل السير بما وافقت عليه الدولة اللبنانيّة بسبب ما قيل يومها عن وجود حقل غاز في البلوك رقم 9"، أطلق عليه اسم "حقل قانا"، لافتاً إلى أنّه "لا يمكن الحديث عن أيّ حقل قبل عمليّة الاستكشاف"، عدا ذلك يبقى "مكمناً محتملاً".
ويؤكّد الموسوي أنّ الاستكشاف الذي حصل في البلوك 4 "ليس كافياً... وتوتال ارتكبت أخطاء من جملتها تحديد موقع البئر، ونرى أنّها تعمّدت الحفر في تلك النقطة لدراسة الطبيعة الجيولوجية لجزء أساسي من البحر المتوسط، ولم يكن في نيّتها الوصول للمكمن"، أما في البلوك رقم 9 "جرى اختيار جذع المكمن وليس قبّته". وبناء عليه فإنّ عمل الشركة الفرنسية "لم يكن احترافيّاً والاستنتاجات التي توصّلت إليها غير موثوقة" .
يعتبر المسؤول الحزبي أنّ "السياسة تدخّلت لمنع توتال من أداء عملها"، متهماً الولايات المتحدة بـ"محاصرة لبنان" ومنعه من الوصول إلى ثروته البتروليّة والاستفادة منها.
ويستغرب الموسوي أن يكون هناك غاز في تركيا وسوريا وقبرص وفلسطين المحتلة، والقول في الوقت نفسه إنّه لا يوجد بترول في بحر وبرّ لبنان، شارحاً أنّ الدراسات الزلزالية ثلاثية البعد تبيّن أنّ هناك مكامن في جميع البلوكات اللبنانية.
وعن امتناع الشركة تسليم التقرير التقني للحفر للدولة اللبنانيّة، يقول: "نحن بصدد تقديم تصوّر لتعديل القانون 132 الذي ينظم عمل الموارد البترولية في البحر، وتعديل العقود المبرمة مع الشركات، والبحث بإجراء قانوني بشأن تأخّر توتال في تقديم التقرير".
"العرض الإيراني الشامل"
يكشف الموسوي أنّه تلقى منذ وقت قريب عرضاً من شركة إيرانية "تستطيع القيام باستكشاف البترول واستخراجه في البحر والبرّ... والتسويق له"، مؤكّداً أنّ لدى الشركة القدرة والتقنيات "للوصول إلى المياه العميقة".
ولدى سؤاله عن تبعات الموافقة على أي عرض من إيران في ظلّ العقوبات عليها، يقلّل الموسوي من أهمّية ذلك، إذ يرى أنّ "القبضة الأميركية على سياسة البترول الدولية بدأت تتراخى، والجميع ممكن أن يشتري" من لبنان إسوة بروسيا وغيرها ممن طالتهم العقوبات، فأوروبا تُفضّل "شراء الغاز على أن تتجمّد".
كذلك، يتطرّق مسؤول ملفّ الموارد والحدود في "حزب الله" إلى إمكانيّة أن يستفيد لبنان من الغاز والنفط في تخفيض فاتورة الاستيراد على الأقل وبيع مشتقاته، فيما لو لم يتمكّن من تصديره أسباب لوجستيّة.
ويستطرد موضحاً أنّ "العرض الإيراني كان استطلاعاً للموقف ولم يتم تقديمه رسميّاً للبنان"، ويضيف: "مضطرون لأن نكون واقعيين كي لا نحمّل الدولة أكثر ممّا تحتمل بسبب التعقيدات الداخلية والعلاقات الدولية ولا يمكننا إجبارها على فعل ما نريد، بل يجب أن نتعاون للوصول إلى حلّ".
"من أجل غزّة"
ما يُعطّل الوصول لنهاية القتال في غزّة، وفقاً للموسوي، هو إرادة رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو بـ"الاستمرار في الحرب"، لأنّه يعلم أنّه في حال توقّفها "سيذهب للسجن وسيكون خارج الحياة السياسية".
ويشير إلى أنّ أميركا والأوروبيين الداعمين للحكومة الإسرائيليّة "في مأزق"، فهم يريدون "استثمار ما يفعله الجيش الإسرائيلي سياسيّاً عبر القبول بحلّ الدولتين وإقامة سلطة غير خاضعة لحماس في غزة، لكنّ برنامج نتنياهو منذ 1996 إلغاء حل الدولتين، وهنا المعضلة".
يعيد الموسوي التأكيد على موقف "حزب الله" بأنّ "النقاش يبدأ في جبهة لبنان بعد وقف الحرب على غزة"، ويسخر من الورقة الفرنسية ملمحاً إلى أنّها "كُتبت في إسرائيل". ويشير إلى أنّ ما يهمّ الموفدين الدوليين فقط هو "عودة الـ100 ألف مستوطن الذين هُجّروا من الشمال".
وبالنسبة للموسوي "جبهة غزة من أجل غزة، وهي غير مرتبطة بأيّ ملف أو استحقاق سياسي لبناني... ولا يسعى حزب الله لاستثمارها في تحقيق مكاسب داخليّة".
يردّ المسؤول في "حزب الله" على تهديد وزير الماليّة الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بإعادة احتلال لبنان إذا استمرّت العمليات العسكريّة ضدّ القوات الإسرائيليّة، بالقول: "هل أنت قادر على ذلك؟ فلتحاول".
ويتسائل: "هل خدم (سموتريتش) في الجيش؟ هل يعلم ما هي قدراته؟"، ويوضح: "هم لم يستطيعوا السيطرة على غزة التي تبلغ مساحتها 360 كلم مربع، رغم أنّها محاصرة وأرضها منبسطة".
أما بخصوص الشرط الإسرائيلي بتراجع "حزب الله" لعدّة كيلومترات عن الحدود من أجل النقاش في تسوية، يضحك قائلاً: "المسؤولون يقولون بتطبيق القرار 1701، حسناً طبّقوه".
إذاً هل "حزب الله" يؤيّد تطبيق القرار الدولي؟ يجيب الموسوي: "نحن أوكلنا التفاوض للدولة اللبنانية وفي ضوء النتائج نُعلن موقفنا... لكنّنا لن نكشف أوراقنا الآن".