مشاورات هادفة بحثاً عن حلول للأزمات اللبنانية التي لا تزال تراوح مكانها، يجريها المدير التنفيذي لـ"ملتقى التأثير المدني" والخبير في السياسات العامّة زياد الصائغ، كلّما تنقّل في زيارات خارجية. وهو عاد من زيارة للعاصمة البولندية وارسو على مدى أسبوع، التقى فيها مسؤولين في الخارجية البولندية ومراكز أبحاث ورئيس أساقفة وارسو، وحمل فيها رؤية الملتقى إلى ضرورة استمرار النضال لقيام "دولة المواطنة الحرّة السيدة العادلة المستقلة" تحت سقف الدستور واتفاق الطائف.
من هذا التطوّر، كانت بداية حديث "النهار العربي" مع زياد الصائغ الذي يعتبر أنّ "مشتركات استراتيجية تجمع لبنان وبولندا، ومنها صعوبة جغرافيا البلدين، ناهيك بالخطر المستدام على الهوية، ما يجعل شراكتها بنيوية، وبما قاله البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، وهو بولنديّ الأصل، عن أنّ لبنان أكثر من وطن بل إنه رسالة حرية وديموقراطية". ويقول الصائغ: "لبنان جزء من العالم الحرّ بليبراليّته وسمة الحرية التي تميّزه، والتعددية التي يحكي عنها الدستور بصيغة المواطنة في العيش المشترك، وبالتالي فإنّ ما تواجهه بولندا وأوروبا خصوصاً لناحية تصدّيها للديكتاتوريات والثيوقراطيات أساسيّ، ما يجعل لبنان معهما في مسار تشاركيّ حضاريّ".
وإذا كانت هناك اختلافات لبنانية ملحوظة حول ملفّ النزوح السوريّ والحزمة المالية التي قدّمها الاتحاد الأوروبي، فماذا في الملف وأيّ حلّ يمكن اعتماده؟ يسرد المدير التنفيذي لـ"ملتقى التأثير المدني" أنّه "منذ عام 2011 تراكمت خطايا منظومة قوى الأمر الواقع، عنيت تحالف المافيا - الميليشيا في مقاربة أزمة النزوح السوريّ، من الاستغناء عن الداتا التي هي حقٌّ سياديّ، مروراً بتجاهل قدرة لبنان الاستيعابية، فرفض إنشاء مراكز إيواء موقّتة حدودية، وانفلات سوق العمل وتسيّب الحدود، والقصور في الأداء الدبلوماسيّ على أساس العودة، لذا نحن هنا".
وفق انطباعاته، "المجتمع الدوليّ مقصّر وعاجز عن إنجاز حلّ سياسيّ في سوريا بناءً على قرار مجلس الأمن الدوليّ 2254، ومحاولة جامعة الدول العربية مفاوضة النظام السوريّ حول قضايا أساسية، ومنها عودة اللاجئين، فشلت. لكن لننتبه إلى أنّ فريقاً لبنانياً بأجندة غير لبنانية ساهم في تهجير هؤلاء النازحين إلى لبنان، ويفرض مع حلفائه، روسيا والنظام، أمراً واقعاً جغرافياً وديموغرافياً، فهل من يتحدّث عن هذا البعد الكارثيّ؟".
ويعتقد أنّ "مؤتمر بروكسل لن يأتي بجديد عدا محاولة الثبات في تقديم المساعدات للاجئين والمجتمعات المضيفة. الصراخ والاتهام للاتحاد الأوروبي تمتزج فيهما أيديولوجيا تغيير الهويات وشعبوية الاستقطابات. ما نحتاجه دبلوماسية عودة مبادرة نتعاون فيها مع الأمم المتحدة وجامعة الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبيّ، وليس دبلوماسية اشتباك وفتح حدود بحرية بطريقة غير شرعيّة. مقاربتي تزعج كثيرين، لكنّ غياب الحوكمة السليمة والقرار السياديّ أوصلنا إلى ما نحن فيه للأسف. الحلول متوفّرة، ونحتاج دولة".
وهل يخشى أن يكون لبنان على مسافة من توتّرات أو فوضى في الداخل نتيجة ملفّ النزوح السوريّ؟ يقول الصائغ إنّ "الفوضى والتوترات جرّاء النزوح السوريّ قائمة عملانياً منذ عام 2015، ليس بسبب عدم اعتماد سياسة عامّة فحسب، بل لإدخال هذه الأزمة في الصراع السياسيّ، وبالتالي محاولات تفجير الوضع من بوابة النزوح السوري ستستمرّ، وتتولى ذلك غرف سوداء. تزخيم الضغط السلميّ الدبلوماسيّ لعودة النازحين موجب وطني وأخلاقي، وإنهاء الوجود غير الشرعي لأي فئة فيهم تكفله القوانين المرعية الإجراء، لكن لنحذر من تدمير لبنان من خلال تغيير هويته من ناحية، أو ضخّ شحن طائفي مذهبي من ناحية أخرى، وهذا ما يقوم به فريق حلف الأقليات".
ماذا عن الاستحقاق الانتخابيّ الرئاسي اللبناني تحديداً بعد مرحلة طويلة من المراوحة؟ يجيب: "نحتاج استرداد الجمهورية وعندها يستقيم انتخاب رئيس أو رئيسة للجمهورية. الجمهورية بهويّتها، وقيمتها في الحرية والديموقراطية والعيش المشترك والميثاق تحت سقف الدستور ضمن مواطنة تحتضن التنوع، هي بيت القصيد. أي تسوية رئاسية على حساب ما سبق ينتهي فيها الكيان هذه المرّة. بين أي رئيس بأيّ سبب واستمرار النضال لانتخاب رئيس سيادي وإصلاحيّ ومعتدل وحواريّ، نختار النضال ونقطة على السطر. المجتمع الدولي والأشقّاء العرب يتبنّون هذه المعادلة لكن لهم أسلوبهم الدبلوماسيّ".
ويدقّ الصائغ ناقوس الخطر بقوله: "إننا في صميم حرب شاملة ولا أحبّذ تجزئة الحرب. لكن للأسف نحن في حرب، لم تأخذ الدولة اللبنانية فيها أيّ قرار. خطف قرارها. المساعي الدبلوماسية لوقف هذه الحرب مستمرّة، لكن ليعلم القاصي والداني أن لا مقايضة على حساب سيادة لبنان وقراره الحرّ وسيادة لبنان في هذه المساعي. والمسار متّجه إلى تطبيق كامل للقرار الدولي 1701 الذي يبقى بوضوحه وارتباطه بالقرارين 1559 و1680، وهو مستقى من روحية الدستور، يبقى خلاصاً للبنان على أن تستعيد الدولة حصرية استعمال القوّة وقرار السلم والحرب. رهن لبنان لسياسة المحاور خطيئة أخلاقية".