النهار

إسرائيل قصفت 17 بلدة لبنانية بالفوسفور الأبيض... ومخاوف بيئية وزراعية
المصدر: النهار العربي، أ ف ب
ذكرت وزارة الصحّة اللبنانية أنّه حتى 28 أيار (مايو)، أدّى التعرّض للفوسفور الأبيض إلى إصابة 173 شخصاً على الأقل منذ تشرين الأول".
إسرائيل قصفت 17 بلدة لبنانية بالفوسفور الأبيض... ومخاوف بيئية وزراعية
قصف فوسفوري على جنوب لبنان.
A+   A-
في مطلع العام الحالي، كان السبعيني محمد حمود داخل منزله مع زوجته في قريته الحدودية في جنوب لبنان، عندما أغارت اسرائيل في مكان قريب، لكن هذا القصف كان مختلفاً عمّا اعتاد عليه الرجل خلال الأشهر الماضية.

في حديث عبر الهاتف، روى حمود لوكالة "فرانس برس" من قريته حولا، ما حدث في ذلك اليوم. وقال الرجل "اشتعلت النيران أمام المنزل...كانت هناك رائحة غريبة ودخان قوي".

وأضاف "لم نكن نعرف أنه فوسفور...اعتقدنا أنه قصف عادي لكن عندما جاء الإسعاف، قالوا إنه فوسفور ونقلونا إلى المستشفى".

منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) في قطاع غزة، يتبادل "حزب الله" وإسرائيل القصف بشكل شبه يومي.
 
 
ويتّهم لبنان اسرائيل باستخدام مادة الفوسفور الأبيض المثيرة للجدل في هجمات على جنوب البلاد وتقول السلطات اللبنانية إنها تسبّبت بأضرار للبيئة والمدنيين.

وتستخدم ذخائر الفوسفور الأبيض وهي مادة قابلة للاشتعال عند التماس مع الأكسجين، بهدف تشكيل ستائر دخانية وإضاءة أرض المعركة.

لكن هذه الذخيرة المتعدّدة الاستخدامات قد تستعمل كذلك كسلاح حارق قادر على أن يسبب حروقاً قاتلة للمدنيّين، وفشلاً في الجهاز التنفسي والأعضاء، وأحياناً الموت.

وتُظهر صور لوكالة "فرانس برس" التُقطت في 10 مناسبات منفصلة على الأقل بين تشرين الأول ونيسان (أبريل) أعمدة دخان غريبة ومتفرّعة، تشبه الأخطبوط، يتماشى مظهرها مع ما قد يصدر عن استخدام الفوسفور الأبيض.

والتقطت تلك الصور في ما لا يقل عن ثمانية مواقع مختلفة على طول الحدود، وفي الكثير من المرّات، في مواقع قريبة من المنازل أحياناً.

وفي تشرين الأول، ذكر الجيش الاسرائيلي في بيان أن إجراءاته تملي بعدم استخدام قذائف الفوسفور الأبيض "في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، مع وجود استثناءات معينة".

وأضاف أن "هذا يتوافق مع متطلبات القانون الدولي ويتجاوزها" وأن الجيش "لا يستخدم هذه القذائف لأغراض الاستهداف أو إشعال النار".
 
 
17 بلدة!
في السياق، أعلنت منظّمة "هيومن رايتس ووتش" أن "استخدام الفوسفور الأبيض من إسرائيل على نطاق واسع في جنوب لبنان يعرّض المدنيين لخطر جسيم ويساهم في تهجير المدنيّين".
 
وأشارت، في بيان، إلى أنّها تحقّقت من "استخدام القوّات الإسرائيلية ذخائر الفوسفور الأبيض في 17 بلدة على الأقل في جنوب لبنان منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2023، خمس منها استُخدمت فيها الذخائر المتفجرة جوّاً بشكل غير قانوني فوق مناطق سكنية مأهولة".
 
وأوضحت أن "الفوسفور الأبيض مادة كيميائية مستخدمة في قذائف المدفعية والقنابل والصواريخ، وتشتعل عند تعرضها للأوكسجين. تسبب آثارها الحارقة الوفاة أو الإصابات القاسية التي تؤدي إلى معاناة مدى الحياة. يمكنها إشعال النار في المنازل والمناطق الزراعية وغيرها من الأعيان المدنية. بموجب القانون الإنساني الدولي، استخدام الفوسفور الأبيض المتفجر في المناطق المأهولة بالسكان هو عشوائي بشكل غير قانوني، ولا يفي بالمتطلبات القانونية لاتخاذ كل الاحتياطات الممكنة لتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين".
 
واعتبرت ان "استخدام إسرائيل الفوسفور الأبيض على نطاق واسع في جنوب لبنان يُبرز الحاجة إلى قانون دولي أقوى بشأن الأسلحة الحارقة. البروتوكول الثالث لاتفاقية الأسلحة التقليدية هو الصك الوحيد الملزم قانونا والمخصص تحديداً للأسلحة الحارقة. لبنان طرف في البروتوكول الثالث، لكن إسرائيل ليست طرفاً فيه".

بدورها، ذكرت وزارة الصحّة اللبنانية أنّه حتى 28 أيار (مايو)، أدّى التعرّض للفوسفور الأبيض إلى إصابة 173 شخصاً على الأقل منذ تشرين الأول".
 
واعتبرت أن على لبنان أن يقدّم فوراً إلى المحكمة الجنائية الدولية بياناً يتيح التحقيق والملاحقة القضائية على الجرائم الدولية الخطيرة الواقعة ضمن اختصاص المحكمة على الأراضي اللبنانية تشرين الأول 2023.
 
 
"اختناق"
ذكرت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام الرسمية في 28 كانون الثاني (يناير) أن "قذائف فوسفورية سقطت بين المنازل" في ساحة بلدة حولا، بعد استهداف من "مدفعية العدو".

وتحدّثت الوكالة الوطنية مرّات عدّة عن قصف بذخائر الفوسفور في جنوب لبنان، بما في ذلك في الأيام الأخيرة، ما تسبّب في بعض الأحيان باندلاع حرائق.

وقال حمود إنه وزوجته نقلا إلى مستشفى في بلدة ميس الجبل القريبة عقب الهجوم في 28 كانون الثاني، حيث تلقيا العلاج وأعطيا الأكسجين.

وأفاد مصدر من مستشفى ميس الجبل وكالة "فرانس برس" بأنّ مؤسسته استقبلت يوم 28 كانون الثاني أربعة مدنيين، بينهم امرأتان، نقلوا إلى العناية الفائقة نتيجة لتعرضهم "للاختناق وضيق تنفّس شديد من الفوسفور الأبيض". ومن بين المصابين، رجل في السبعينات من عمره وامرأة في الستينات.

وقال أطباء من ثلاثة مستشفيات إضافية في جنوب لبنان لوكالة "فرانس برس" إن مؤسساتهم عالجت مصابين بأعراض تنفسية ناجمة عن التعرض للفوسفور الأبيض.

وأكّد محقّق الأسلحة في فريق الأزمات التابع لمنظمة العفو الدولية براين كاستنر لوكالة "فرانس برس" أن "استخدام الفوسفور الأبيض في المناطق المأهولة يمكن أن يصنّف كهجمات عشوائية، وهو ما يعد انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي".

وأضاف "إذا أصيب أو قُتل مدنيون، قد يشكّل ذلك جريمة حرب".

ورصد عناصر من قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) أيضًا الفوسفور الأبيض داخل مقراتهم، وفق ما قال مسؤول في الأمم المتحدة لوكالة "فرانس برس"، طالباً عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول التحدث إلى وسائل الإعلام.
 
 
مخاوف بيئية وزراعية
ومنذ بدء التصعيد بين "حزب الله" واسرائيل، قُتل أكثر من 450 شخصاً في لبنان، بينهم 88 مدنياً، وفق تعداد لوكالة "فرانس برس" يستند إلى بيانات "حزب الله" ومصادر رسمية لبنانية.

وأعلن الجانب الإسرائيلي من جهّته مقتل 14 عسكرياً و11 مدنيّاً.

كانت منظّمة العفو الدولية قالت في وقت سابق في 2023 إن "الجيش الإسرائيلي أطلق قذائف مدفعية تحتوي على الفوسفور الأبيض" خلال قصف على "طول حدود لبنان الجنوبية" بين 10 و16 تشرين الأول.

وطالبت المنظّمة "بالتحقيق في هجوم على بلدة الضهيرة في 16 تشرين الأول باعتباره جريمة حرب، لأنه لم يميّز بين المدنيين والعسكريين، وأدّى إلى إصابة ما لا يقل عن تسعة مدنيين".

وأعرب البيت الأبيض في كانون الأول عن قلقه إزاء تقارير تفيد باستخدام اسرائيل لفوسفور أبيض زوّدتها به الولايات المتحدة، بهجماتٍ في لبنان.

في تشرين الأول، قدّم لبنان شكوى بحقّ اسرائيل أمام مجلس الأمن الدولي على خلفية استخدامها للفوسفور الأبيض "أثناء عملياتها العسكرية داخل الحدود اللبنانية" بما "يعرض للخطر حياة عدد كبير من المدنيين الأبرياء، ويؤدي إلى تدهور بيئي واسع النطاق خاصة مع الممارسات الاسرائيلية القائمة على حرق الأحراج والغابات اللبنانية".

 
وأثار استخدام الفوسفور الأبيض القلق بين المزارعين في جنوب لبنان الذين شاهدوا أراضيهم تحترق، في ما يخشى آخرون من تلوّث في التربة والمحاصيل.

وتلفت الأمينة العامة للمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان تمارا الزين إلى أن هناك القليل من المعلومات حول كيفية تأثير الفوسفور الأبيض على التربة.

ويعتزم المجلس أخذ عينات واسعة لتقييم أي تلوّث محتمل للتربة، لكن، وفق الزين، فهم "بانتظار وقف إطلاق النار لإرسال الفريق، لنقوم بهذا التقييم".

وقال المدير المعاون لمركز حماية الطبيعة في الجامعة الأميركية في بيروت أنطوان كلاب في بيروت إن "النقص في البيانات" يتسبب بحالة ذعر، وأن بعض المزارعين كانوا "يهرعون لإجراء فحص للعينات".

وأضاف أنّه "من المهم أن نقوم بأخذ العينات في أسرع وقت ممكن" لفهم ما إذا كان قصف الفوسفور الأبيض يشكل "خطراً عاماً على الصحة العامة، والأمن الغذائي، والنظام البيئي نفسه".
 

اقرأ في النهار Premium