تُثير التطوّرات المتسارعة من جبهة جنوب لبنان، من ارتفاع منسوب الكثافة الناريّة بين إسرائيل و"حزب الله" حتى اغتيال القيادي الكبير في صفوفه طالب عبدالله (أبو طالب)، المخاوف من إمكانيّة اندلاع حرب مفتوحة بين الجانبين، في ظلّ ترويج الجيش الإسرائيلي لاستعدادات يجريها لمواجهة مئات المسيّرات والصواريخ التي قد تستهدف الدولة العبريّة، وتعثّر المساعي التي تقودها الولايات المتحدة، ومعها الوسطاء، للتوصّل إلى صيغة مناسبة للحلّ في قطاع غزّة والشرق الأوسط.
"ليس سبباً"
في هذا السياق، تؤكّد مصادر مطّلعة في "حزب الله" لـ"النهار العربي" أنّ "عمليّات اغتيال القادة الميدانيين مهما بلغت أهميّتهم ك"أبو طالب" أو وسام الطويل وغيرهما هي جزء من المعركة مع العدو، وليست سبباً جوهريّاً لاتخاذ قرار بالذهاب نحو حرب مفتوحة مع إسرائيل، فالقادة العسكريون معرّضون للقتل في أيّ لحظة بسبب طبيعة المهام الموكلة إليهم".
وتضيف المصادر أنّ الردّ "بدأ بالفعل على الاغتيال الأخير عبر إطلاق الصواريخ واستهداف ثكنات ومقرّات عسكرية أساسية... وسيزداد حدّة ونوعاً"، لكن "لا قرار بالحرب حتى الآن إلا إذا فُرضت علينا".
كلام تؤكّده التسريبات التي نقلتها إذاعة الجيش الإسرائيلي عن توقّع القيادة العسكرية لردّ فعل كبير من "حزب الله"، مع استبعاد أن يصل نطاق إطلاق الصواريخ إلى حيفا أو مدن الوسط، ما يعدّ بالنسبة لتل أبيب تخطياً لقواعد الاشتباك.
كذلك، شدّدت صحيفة "هآرتس" على أنّ المستوى السياسي لم يتّخذ قراراً حتى الآن بشنّ هجوم واسع على التنظيم اللبناني، ولذلك "تَقرّر اغتيال قيادات فيه".
وترى المصادر الحزبيّة، بدورها، أنّ "الإسرائيلي تضرّر بشكل كبير في الأسبوعين الماضيين جراء العمليات النوعيّة التي استهدفته، ولا متنفّس له سوى اللجوء للاغتيالات، ونحن لن ننجرّ للفخ".
"لم نُرد إسقاطها"
ولدى سؤال المصادر عما إذا كانت محاولة استهداف طائرة الـ"أف 15" قبل أيام مثال على تطوّر عمليّات "حزب الله" النوعيّة، تقول: "لقد استخدمنا أسلحة قديمة بغرض إخافة الطائرة وإزعاجها، لكن لم نُرد إسقاطها، فالوقت لم يحن لذلك بعد".
وتشرح أنّ "إسرائيل لا يمكنها أن تحتمل الآن إسقاط طائرة حربية، وهي تفقد صوابها أصلاً عند تدمير هيرمز 900 الأكثر تطوّراً والأغلى ثمناً بين طائراتها التجسسيّة".
إذاً هل تستطيعون إسقاطها؟ تجيب: "لا يمكننا الكشف عن ذلك".
ويقول قيادي في "حزب الله"، عمله ذات طبيعة ميدانيّة، إنّ "جبهة جنوب لبنان قد تتّجه لتصعيد كبير بعد عيد الأضحى" في حال بقي الحلّ معلّقاً.
ويضيف: "سنُدخل أسلحة جديدة في المواجهة ونحاول القيام بعمليّات نوعيّة، ومن الطبيعي أن نزيد عدد المجموعات المقاتلة"، موضحاً أنّنا "نحاول الضغط للتوصل إلى تفاهم لا لتوسيع الحرب... والتصلّب في الموقف الإسرائيلي يدفعنا للقيام بذلك".
محادثات و5 شروط
ويُصرّ "حزب الله"، منذ بداية التصعيد العسكري مع إسرائيل على أنّ إنهاء الحرب على غزّة هو الشرط الأساسي لوقف هجماته العابرة للحدود، لكن مؤخّراً، ازداد الحديث عن سعي التنظيم لتحقيق مكاسب عدّة عبر مفاوضات غير مباشرة مع الأميركيين.
وفي هذا السياق، يكشف مصدر مطلع أنّ المحادثات جارية بالفعل مع واشنطن، لكن من خلال وسطاء.
ويقول المسؤول الحزبي إنّ الأميركيين طرحوا نقاطاً تفاوضيّة عدّة، أبرزها "ضمان عدم التعرّض لسكّان المستوطنات الشماليّة في حال عودتهم بعد انتهاء الحرب، وهو ما ننقاشه معهم".
أما بشأن إبعاد "قوات الرضوان" إلى شمال نهر الليطاني فقد "رفضناه بشكل قاطع ولم يعد مطروحاً أصلاً، فالكثير من المقاتلين هم من أبناء القرى الحدوديّة المتقدّمة ومن غير المعقول إخراجهم من منازلهم".
وعن ورود ذلك في نصّ القرار 1701 الذي أنهى حرب تموز (يوليو) 2006، وموافقة "حزب الله" أصلاً على إنهاء تواجده العسكري في منطقة جنوب الليطاني، يقول: "يبدو أنّه قد حان الوقت لإعادة النظر وإدخال تعديلات لنص القرار" الدولي.
يستطرد المصدر مؤكّداً أنّه من ضمن شروط "حزب الله" الأساسيّة للتوصّل إلى اتفاق "وقف الخروقات الجوية الإسرائيلية للسيادة اللبنانية بشكل نهائي، وهذا وارد أيضاً في القرار 1701، لكنّ الردّ الأميركي على هذا الطرح كان سلبيّاً، فلماذا نحن فقط مطالبون بتطبيقه؟".
يتابع: "طرح الأميركيون أن تكون الطلعات الجوية الإسرائيليّة على علوّ مرتفع جدّاً بدلاً من إيقافها، وحجّتهم في ذلك أنّ لا دولة في العالم قد تترك عدوّاً على حدودها دون مراقبته".
كذلك، طلب "حزب الله" وقف استهداف الأراضي السورية انطلاقاً من الأجواء اللبنانيّة، وتحديداً مقرّاته المنتشرة على طول الحدود وبعضها في العمق السوري.
الشرط الأهم الذي يشدّد عليه التنظيم هو "ضمانة موقّعة من الأميركيين بعدم وضع فيتو أمام الدول التي تريد المساهمة بإعادة إعمار جنوب لبنان بعد الحرب (قطر، الجزائر، تركيا، الصين.... الخ)، فإيران التي ستساهم في هذا الملف لا تؤثّر بها العقوبات، أمّا الدول الأخرى فلا يمكنها الإقدام على ذلك بحال هددت أميركا بفرض عقوبات"، وفقاً للمصدر الذي يلفت إلى أنّ "وقف القتال لا يكفي وحده بحال كانت منازل الناس مدمّرة".
ويُعدّ "تحرير ملف النفط والغاز من الحصار المفروض عليه أساسيّاً" بين شروط التنظيم الذي يسعى إلى سحب "ورقة ضغط تستخدمها أميركا" بوجهه.
ويعود المصدر للتأكيد على أنّ "هذه الشروط الأربعة مهمّة، ولكن الأساس هو وقف النار في غزّة، ومن دونه لا معنى لأي اتفاقات".
أما في ما يتعلّق بالنقاط الحدودية المتنازع عليها، فيرى أنّها "تحصيل حاصل وحق من حقوق لبنان وليست مسألة تفاوضيّة"، ويعود للتأكيد "ألّا علاقة بين نتائج الحرب وانتخابات رئاسة الجمهورية، ولو أنّ الفرقاء الآخرين يعتقدون ذلك، وربّما بعض حلفائنا منهم، كونه من الطبيعي أن يسعى المنتصر في أيّ حرب أو صراع لتحقيق مكاسب داخليّة".