في بلدة الناقورة الساحلية في جنوب لبنان، اغتنمت عائلات الاثنين هدوءاً موقتاً صبيحة عيد الأضحى لزيارة قبور أبنائها، بينهم من قضوا بنيران إسرائيلية منذ بدء التصعيد عبر الحدود بين "حزب الله" وإسرائيل قبل أكثر من ثمانية أشهر.
وتقول المدرّسة رباب يزبك (44 عاماً) النازحة من البلدة، واقفة قرب قبور تحيط بها رايات "حزب الله" وحليفته حركة "أمل": "اليوم عيد الأضحى لكن هذا العام له نكهة مختلفة، بعدما فقدنا 11 شاباً" من أبناء البلدة في التصعيد مع إسرائيل.
وتؤكد بتأثّر: "هم شهداء كل بيت في الناقورة". وتضيف أن كل فرد في البلدة خسر "ابن عم، أو ابن خال، أو جار أو رفيق"، موضحة أنّ "شابين من الشهداء كانوا من تلاميذي".
ومنذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلاميّة (حماس) في السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) في قطاع غزّة، يتبادل "حزب الله" وإسرائيل القصف بشكل شبه يومي.
وأسفر التصعيد عن مقتل 473 شخصا على الأقل في لبنان بينهم 307 على الأقلّ من "حزب الله" و92 مدنياً على الأقل، وفق تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى بيانات الحزب ومصادر رسميّة لبنانيّة.
وأعلن الجانب الإسرائيلي من جهته مقتل 15 عسكرياً و11 مدنياً.
في المقبرة المستحدثة المطلّة على البحر والتي تضم قرابة ثلاثين قبراً، تبكي نساء اتشحن بالسواد أمام قبور مزينة بباقات من الورود الملونة، وضعت خلفها صور عملاقة لقتلى، غالبيتهم من مقاتلي "حزب الله".
وتواسي العائلات، التي اجتمع عدد منها لأول مرة منذ أشهر عند المقبرة، بعضها البعض بعناق أو عبارات مقتضبة، مستغلة ساعتين من الهدوء نسقتهما بلدية الناقورة مع الجيش اللبناني.
وحدّدت البلدية نطاق المنطقة التي يمكن للأهالي التحرك ضمنها داخل البلدة بين الساعتين الثامنة والعاشرة صباحاً. وقد اقتصرت على زيارة المقبرة الواقعة على بعد عشرات الأمتار من المقر العام لقوة الأمم المتحدة الموقتة العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل)، والمشاركة في صلاة العيد في المسجد.
وتحتفل الطائفة الشيعية في لبنان الاثنين بأول أيام عيد الأضحى.
وواكب الجيش اللبناني، وفق مراسل فرانس برس، السكان أثناء دخولهم البلدة، بعد التنسيق مع قوة اليونيفيل التي تتولى الاتصال مع الجانب الإسرائيلي لضمان بعض الهدوء في المنطقة.
ومنذ السبت، لم يتبن "حزب الله" أي هجوم باتجاه إسرائيل، بعدما تخلل الأسبوع الماضي تصعيد من الجانبين أعقب استهداف اسرائيل قياديا في الحزب، يعد القيادي الأبرز الذي قُتل منذ بدء تبادل القصف عبر الحدود.
"يزيدنا إصراراً"
ويتكرر مشهد زيارة المقابر والمشاركة في الصلاة في العديد من البلدات الجنوبية، خصوصاً الحدودية منها على غرار ميس الجبل والضهيرة وكفركلا، حيث دفع التصعيد المتواصل غالبية السكان الى النزوح جراء ضراوة القصف.
ورغم تحديد النطاق الجغرافي الذي يمكنهم التحرك ضمنه، فقد شكلت صبيحة عيد الأضحى فرصة للعديد من النازحين من أجل تفقد ممتلكاتهم على عجل. وبين هؤلاء رواند يزبك (50 عاماً) التي أصرّت على إغلاق باب متجر ألبسة تملكه في الناقورة، رغم تناثر زجاج واجهته.
وتقول لوكالة فرانس برس: "كما ترون (حال) أهل الجنوب، محالنا ممتلئة بالبضاعة. وها أنا أقفل الباب رغم أن الزجاج محطم".
ومنذ بدء التصعيد، تقول إسرائيل إنها تستهدف بنى تحتية ومقرّات تابعة لـ"حزب الله" في جنوب لبنان، لكن آلاف الوحدات السكنية تضرّرت جزئياً أو كلياً، وفق السلطات اللبنانية، جراء القصف الإسرائيلي.
في شارع رئيسي داخل الناقورة، تبدو عشرات المنازل مدمرة جزئياً أو كلياً. تتدلى زهور معلقة من شرفة منزل طاله القصف بينما تتناثر ألعاب أطفال وأثاث وسط الركام. وأمام أحد المنازل المدمرة، صورة عائلية في إطار ذهبي اللون ملقاة على الأرض بعدما تهشّم زجاجها.
وعلى غرار ما يكرره سكان المنطقة الموالين بغالبيتهم لـ"حزب الله" وحليفته "أمل"، يشدد رئيس بلدية الناقورة عباس خليل عواضة لفرانس برس على "أن هذا العدوان الجبان لن يزيدنا إلا عزيمة وإصراراً على النهوض من جديد، وإيمانا بالمقاومة".
وتعرّضت الناقورة ومحيطها لضربات إسرائيلية عدة، أسفر آخرها الثلاثاء عن مقتل مدني يعمل لصالح مؤسسة مياه لبنان الجنوبي. وردّ "حزب الله" على مقتله بإطلاق "عشرات صواريخ الكاتيوشا" على شمال إسرائيل.
وضاق مسجد البلدة بالأهالي من كبار وصغار اجتمعوا للمشاركة في صلاة العيد.
وقال النائب عن "حزب الله" حسن عز الدين بعد مشاركته في الصلاة لفرانس برس: "اليوم هو تعبير عن أن هذه البيئة الحاضنة، أصحاب هذه الأرض، يرسلون رسالة بأننا لن نتخلى عن أرضنا ونتشبّث بها... وندعم المقاومة لانها هي التي تحمينا وتدافع عنا".