دخلت الحرب عند الحدود اللبنانية بين "حزب الله" وإسرائيل يومها الـ255، مخلفةً خسائر بشرية - من كلا الطرفين - ومادية كبيرة ودماراً واسع النطاق في القرى الحدودية في جنوب لبنان.
ومنذ 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، سقط من الجانب اللبناني 72 مدنياً بينهم 30 امرأة و12 طفلاً، وفق آخر إحصاء من قبل وسيلة إعلام محلية. وسقط أيضاً 334 مقاتلاً من "حزب الله" و10 من "الهيئة الصحية الإسلامية" التابعة للتنظيم اللبناني و19 من "حركة أمل" الحليف له.
أما من الجانب الإسرائيلي، فقد تم إحصاء مقتل 26 شخصاً، هم 15 جندياً و11 مدنياً.
وشهدت مدينة صور بشكل خاص نزوحاً كبيراً إليها. وتجاوز عدد النازحين المسجلين في إدارة الكوارث باتحاد بلديات قضاء صور 24 ألفاً، من دون النازحين الذين لم يسجلوا في البلديات.
دمار في الناقورة
نازحون في دير قانون النهر...
في بلدة دير قانون النهر - قضاء صور - تعيش نحو 130 عائلة من النازحين أغلبها من بلدة عيتا الشعب (نحو 60 عائلة)، وتتحدر بقية العائلات من بلدات ميس الجبل، عيترون، مركبا، الخيام، الجبين، وغيرها من القرى الحدودية.
تحاول البلدية قدر المستطاع توفير سبل الراحة لتلك العائلات، ولكن طبعاً وفق القدرات المتاحة مع دعمٍ من "مجلس الجنوب" و"حزب الله"، مع تخصيص مبلغٍ معين كل شهر للعائلات النازحة (200 دولار)، ومساعدات عينية بعض الأحيان (طعام، ملابس، أدوات تنظيف...).
يُذكر أن البلدة الجنوبية في قضاء صور لم تسلم من الاعتداءات الإسرائيلية، فقد أسفرت غارة إسرائيلية يوم الخميس عن سقوط ضحيتين هما سالي سكيكي ودلال عزالدين، جراء استهداف منزل بين جناتا ودير قانون النهر.
من التشييع في دير قانون النهر
في جولة على بعض النازحين، يشكر الملقب بـ"أبو علي ناصيف" من بلدة مركبا، أهالي دير قانون النهر التي نزح اليها بعد أشهر قليلة من الحرب، وخصوصاً أصحاب المنزل الذين استضافوه مع عائلته، مشيراً إلى أنه صار يعتبر هذه القرية بلدته الثانية.
وأكد لـ"النهار العربي" أن تعامل الناس تجاه عائلته ممتاز، قائلاً: "المواطنون هنا لا يشعروننا بأننا من النازحين، بل يحاولون قدر المستطاع التخفيف من محنتنا".
وأوضح أنه يتمنى العودة إلى منزله "اليوم قبل الغد"، مضيفاً: "ننتظر بفارغ الصبر العودة إلى منزلنا وأن تنتهي هذه الحرب".
جلسة للنازحين في دير قانون النهر
البحث عن عمل...
نازح آخر وهذه المرة من ميس الجبل، يُدعى حسين شقير يسكن مع عائلته وعائلة أخرى في مبنى يشكو منه بسبب شدة الطقس الحار هذه الفترة، لكنه يقول: "لا يمكننا فعل شيء، الحمدلله، الأهم أننا وجدنا منزلاً لكي يؤوينا".
وحسين كغيره من النازحين إلى هذه البلدة ممتن لما يحظى به من تعاطف من أبناء البلدة، إلا أنه يشكو اضطراره إلى البقاء بلا عمل.
ومثله حسين أيوب من مارون الراس البالغ من العمر 61 عاماً، الذي يقول إنَّ "المبلغ الذي أتقاضاه من الجهة المعنية عند كل أول الشهر لا يكفي" لسد الحاجات الأساسية.
وتابع متأسفاً: "كنت أتمنى أن نتجنب هذه الحرب... وأتمنى أن يبقى منزلي الثاني، بعدما دمر الاحتلال منزلي الأول".
مطعم "فلافل لبنان"
في هذا السياق، ومع مرور 9 أشهر على الحرب، التي لم يكن أحد يتوقع أن تطول هكذا، يبحث النازحون عن فرص عمل لهم في القرى التي نزحوا اليها.
افتتح نازح فضّل عدم ذكر اسمه مطعماً له في وسط بلدة دير قانون النهر.
وقال: "أريد أن أتحدى الظروف، وفتحت فرعاً ثانياً لمطعمي بعد عيتا الشعب، أريد أن أعمل لأنني لا أعرف متى تنتهي الحرب، ولا يمكن أن أبقى جالساً من دون تأمين قوت يومي".
غصة العيد...
تزامنت هذه الأيام مع حلول عيد الأضحى، والنازحون بعيدون عن قراهم وأقاربهم.
وقد أكد جميع النازحين الذين التقيناهم صعوبة أن يأتي العيد وهم بعيدون عن قراهم.
لكن رغم ذلك، تحدى بعضهم الظروف واستغلوا الوقت الذي سُمِح به لهم صباح الاثنين بزيارة قراهم، مثلاً "أبو علي ناصيف" تفقد وزوجته منزله في مركبا، وجلب بعض الأغراض الشخصية.
وتمنى النازحون أن يأتي العيد المقبل وهم في ديارهم.
صلاة العيد في الطيري
واغتنمت عائلات هدوءاً موقتاً صبيحة عيد الأضحى لزيارة قبور أبنائها، وقد حدّدت بعض البلديات نطاق المنطقة التي يمكن للأهالي التحرك ضمنها داخل البلدة بين الثامنة والعاشرة صباحاً.
كما أتاحت "تهدئة غير معلنة" و"مؤقتة" لسكان البلدات الحدودية زيارة بلداتهم، صباح عيد الأضحى (يوم الأحد).
وأشارت تقارير صحافية إلى أن عدداً من سكان بلدات الناقورة ومروحين والضهيرة والبستان ويارين تدفقوا إلى بلداتهم، صباح عيد الأضحى، لزيارة المقابر ومَن تبقى من السكان فيها.
من ساحة الخيام
وقالت رولا عطوي النازحة من الخيام لـ"النهار العربي" إنَّ أهالي بلدتها أصروا على زيارة بلدتهم، رغم الصعاب و"تأدية واجبهم بزيارة المقابر".
توسع الحرب؟
وتبقى المخاوف قائمة من تصعيد آخر في جنوب لبنان، يؤدي إلى تهجير سكان بلدات أخرى، لاسيما مع الأحاديث والتقارير الأخيرة التي تفيد باحتمالية توسع الحرب بين "حزب الله" وإسرائيل.
حرائق في الجليل جراء صواريخ "حزب الله"
فقد عزّز وابل الصواريخ المتبادلة هذا الأسبوع بين إسرائيل و"حزب الله" مخاوف المسؤولين الأميركيين من أنّ التصعيد قد يؤدي إلى دفع المنطقة إلى صراع أوسع، وفق تقرير لشبكة "سي بي أس نيوز" الأميركية.
وبحسب التقرير، أعرب المسؤولون الأميركيون عن قلقهم بشأن سيناريوهات عدّة. وقال عدد منهم للشبكة إنّهم "يُفسّرون الضربات الأخيرة التي شنّتها إسرائيل في داخل الأراضي اللبنانية على أنّها تمهيد لساحة المعركة لهجوم كاسح من قبل الجيش الإسرائيلي".