أمام حانة في شارع مار مخايل في بيروت، يتناول إيلي وصديقه العشاء على إيقاع الموسيقى ودردشات المارة، غير آبه بالمخاوف من تحول التصعيد بين "حزب الله" وإسرائيل إلى حرب واسعة في ظل التهديدات المتبادلة.
ويقول الرجل الذي يعمل مستشاراً مالياً في تصريح لوكالة "فرانس برس": "عمري أربعون عاماً وفي كل عام يقولون لنا ستندلع الحرب في الصيف".
ويوضح بنبرة هازئة: "ما تراه في الشارع مختلفاً عمَّا تسمعه في الأخبار، ما ينقله الإعلام في الخارج يوحي بأن لبنان في حالة حرب".
ومنذ الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة "حماس" على جنوب إسرائيل في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، يتبادل "حزب الله" وإسرائيل القصف عبر الحدود بشكل شبه يومي. وشهد الأسبوع الماضي ارتفاعاً في منسوب التوتر والتهديدات بين "حزب الله" وإسرائيل، على خلفية مقتل قيادي بارز من الحزب بضربة إسرائيلية.
وفي ما أعلن الجيش الإسرائيلي الثلاثاء "المصادقة على الخطط العملانية لهجوم على لبنان"، وتوعّد وزير الخارجية يسرائيل كاتس بالقضاء على "حزب الله" في حال اندلاع "حرب شاملة"، حذّر الأمين العام للحزب حسن نصرالله الأربعاء من أن أي مكان في إسرائيل "لن يكون بمنأى" عن صواريخ حزبه في حال اندلاع حرب.
وأثارت التهديدات مخاوف من اندلاع مواجهة شاملة بين الطرفين، في وقت تعمل قوى اقليمية ودولية على راسها الولايات المتحدة على الدفع باتجاه تسوية دبلوماسية للنزاع.
ليل السبت الأحد، كان شارع مار مخايل المعروف بمقاهيه وحاناته، ينبض بالحياة مع تدفّق الرواد تباعاً والموسيقى التي تصدح من أنحائه. يتبادل الأصدقاء أطراف الحديث ويتمايل البعض ويرفعون كؤوسهم عالياً.
ورغم أن التهديدات بالحرب لا تغيب عن النقاشات في كل مكان، لكن الشعور بالخوف يبدو وكأنّه مؤجل.
ويقول إيلي: "هذا لبنان وهذه قصتنا. لا شيء يتغير. وقعت حرب تموز، تُذكر ولا تُعاد، وبقينا موجودين هنا" في إشارة الى حرب مدمرة خاضها "حزب الله" وإسرائيل صيف 2006.
ويضيف؟ "في كل الأزمات التي مرت، واظب الناس على السهر، من جائحة كوفيد إلى الأزمة الاقتصادية ثم انفجار مرفأ بيروت" المدمر صيف 2020 الذي فاقم انهياراً اقتصادياً ما زال يعصف بالبلاد منذ نحو خمس سنوات.
"حتى آخر نفس"
على بعد بضعة كيلومترات، اصطحب لبنانيون أطفالهم الى مهرجان ترفيهي في أحد شوارع وسط بيروت، بدأ مساء السبت واستمر حتى وقت متأخر.
والى جانب عروض ترفيهية ومسرحية وألعاب للأطفال الذين تعالت قهقهاتهم، يعرض لبنانيون بضائع ومنتجات وألبسة، بينهم عبير عطالله التي تقول لـ"فرانس برس": "رغم كل ما يحصل من تهويل بالحرب، نحن شعب نحب الحياة".
وتضيف: "نشعر بالخوف في اللحظة التي يحدث فيها أمر ما، لكن طالما لم يحصل ذلك بعد، فإننا نحب الحياة حتى آخر نفس".
ورغم أن التصعيد الاسرائيلي المستمر منذ الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) دفع 95 ألف لبناني الى ترك منازلهم خصوصاً من البلدات الحدودية مع إسرائيل والتي تتعرض لقصف شبه يومي، إلا أن شبح الحرب لا يثني لبنانيين في مناطق أخرى عن مواصلة حياتهم بشكل اعتيادي وارتياد المطاعم والشواطئ والمهرجانات.
وتشرح ميرا مخلوف التي تبيع ألعاب الاطفال خلال مهرجانات محلية تنظم في العديد من المناطق: "نعيش كل يوم بيومه. من المؤكد أن الناس تخاف، لكننا نتكل على ربنا".
وتضيف: "معروف أن اللبنانيين يحبون الأجواء الجميلة وتنظيم المهرجانات وأن تكون الاجازة الصيفية ممتعة"، مؤكدةً أنها لا تنوي مغادرة لبنان في حال "اندلاع حرب" على نطاق واسع.
وفي حين صرفت مهرجانات كبرى يحفل بها لبنان كلّ صيف، النظر عن إقامة دوراتها هذه السنة بفعل الوضع المتوتر في الجنوب، اختار القيّمون على مهرجانات أخرى المضي في برنامجها. ويتوافد فنانون عرب إلى لبنان لإحياء حفلات تباعا، آخرهم النجم المصري عمرو دياب الذي حضر حفله في بيروت منتصف الشهر الحالي أكثر من عشرين ألف شخص.
ورغم أن دولاً جدّدت تحذير رعاياها من السفر إلى لبنان، بينها الكويت، يستمر المغتربون في الوصول الى لبنان لقضاء إجازاتهم.
وتقول نايلة حداد على هامش وجودها في المهرجان الترفيهي في وسط بيروت: "اعتدنا أن تسحب الدول رعاياها" لكن الناس "تواصل المجيء وكل أقاربنا قادمون من الخارج" لقضاء إجازاتهم.
وتضيف: "لا أتخيل أن حرباً ستحدث، ونحن لسنا خائفين، وإلا ما كنا لنرى هذه الزحمة حولنا والناس تشارك في المهرجانات".
وتضيف بابتسامة: "كل أسبوعين لدينا مهرجان في مكان مختلف".