في تحوّل لافت للسياسة العربيّة حيال "حزب الله"، عدلت جامعة الدول العربيّة عن وصف التنظيم اللبناني بـ"الإرهابي"، وهو التصنيف الذي اعتمدته منذ العام 2016. تزامن الإعلان عن ذلك مع تزايد حدّة التهديدات الإسرائيليّة بشنّ حرب شاملة على لبنان في ظلّ التصعيد العسكري الذي تشهده المنطقة الحدوديّة واتساع نطاقه وأهدافه، ما يشير إلى احتمال وجود ترابط في الملفين.
انفتاح عربي - خليجي
ويرى المستشار السابق للأمين العام لجامعة الدول العربيّة جمال بيومي، في تصريح لـ"النهار"، أنّ أحد الأسباب الرئيسيّة لهذا القرار هو إعطاء دفعة معنويّة لحزب الله في معركته مع إسرائيل".
بدوره، يرى الأكاديمي الإماراتي الزائر في معهد هارفارد عبدالخالق عبدالله، في تصريح لـ"النهار"، أنّ الدول العربيّة أرادت أن "تبعث برسالة إلى حزب الله مفادها أنّها تُقدّر دوره الوطني كجهة مقاومة، ولكنها تأمل في الوقت نفسه أن يراجع نشاطاته وعلاقاته على الصعيد الإقليمي، إن كان في اليمن أو غيره من البلدان".
ويضيف: "عسى أن يتلقف حزب الله هذا الانفتاح العربي بإيجابيّة".
ورداً على سؤال بشأن إمكانيّة أن يُقدم مجلس التعاون الخليجي على الخطوة نفسها، يقول عبدالخالق: "الإمارات استقبلت قبل فترة وفداً أمنيّاً من حزب الله وهذا مؤشّر مهم، وهو بحد ذاته انفتاح خليجي، وليس إماراتيّاً فقط، على التنظيم".
ويضع مدير التحرير في صحيفة "الأهرام" أشرف العشري القرار في سياق تحرّك جديد للجامعة العربية "لإمكانية الوقوف على مسافة قريبة من جميع الفرقاء اللبنانيين بما يتعلّق بانتخاب رئيس للجمهورية في المرحلة المقبلة، وبالتالي الجامعة العربية ارتأت أن يكون لديها درجة من التفاهم مع كل الفرقاء اللبنانيين في هذه المرحلة الدقيقة، وأن يكون هناك أمل في أن يغيّر حزب الله من موقفه بما يتعلق بتسهيل دور الجامعة العربية والوساطات القائمة في هذا الشأن".
ويضيف العشري: "السبب الآخر أن يكون هناك تأييد من الجامعة العربية لحزب الله في مواجهة أي نوع من التهديدات الإسرائيلية. فالجامعة لا تريد أن يكون هناك تجريم للحزب بالإرهاب في وقت تقوم إسرائيل بالكثير من الممارسات العدوانية تجاه قطاع غزة وحرب إبادة شاملة". إضافة إلى أنّ "هناك بالفعل تقارباً في المواقف الإيرانية وبعض الدول العربيّة ومنها السعوديّة في العام الماضي، مع وجود حوار بحريني – إيراني وحوار مصري - إيراني يجري حالياً، ومن المرتقب أن يكون هناك عودة للعلاقات المصريّة – الإيرانيّة قريباً".
وكان الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير حسام زكي زار بيروت الأسبوع الماضي حيث اجتمع مع عدد من المسؤولين، وفي مقدّمتهم رئيس كتلة "حزب الله" النيابيّة محمد رعد، في أوّل لقاء من نوعه منذ العام 2016 عقب قرارين صادرين عن الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي وصفا التنظيم بـ"الإرهابي".
وأشار، خلال مؤتمر صحافي في ختام الزيارة، إلى أنّ "تسمية حزب الله بالإرهابي أُسقطت في قمّة جدّة عام 2023 في ضوء تطورات إقليميّة عدّة". وقال زكي أيضاً إنّ "الجامعة قررت رفع الوسم الإرهابي عن حزب الله، نظراً لما يلعبه من دور حاسم في السياسة الحالية ومستقبل لبنان، ما أتاح إمكانية التواصل معه مجدّداً".
وأضاف أنّ "الحرب في الجنوب أخذت وقتاً مهماً من الاتصالات" مع المسؤولين اللبنانيين، معرباً عن أمله ألّا تتطور الأمور لأنّ "الدلائل الواردة من الجانب الإسرائيلي مقلقة وتعبر عن رغبة في توسيع الحرب على لبنان، وهو أمر مرفوض من الجامعة العربية".
"الحرب ومخاطرها"
وبهذا الشأن، ترى مصادر من "حزب الله"، لـ"النهار"، أنّ هناك سببين أساسيين دفعا نحو هذا التوجّه.
السبب الأوّل، وفقاً للمصادر، هو "المواجهات القائمة مع إسرائيل في جنوب لبنان وارتباطها بالحرب على غزّة"، إذ توضح أنّ الدول المعنيّة "بحاجة إلى التواصل مع حزب الله بشأن هذه الحرب وتداعياتها والتهديدات الإسرائيليّة والحلول الممكنة، كونه طرفاً فاعلاً بها".
تخوّف المسؤول العربي من الأجواء القاتمة التي تحيط بالتصريحات الإسرائيليّة ليس جديداً، تكشف مصادر "حزب الله" أنّ الزعيم الدرزي وليد جنبلاط "نقل لنا أجواء سلبيّة من لقائه مع الملك الأردني عبدالله الثاني"، موضحة أنّها "مرتبطة بمخاوف أردنيّة حيال حرب إسرائيليّة واسعة على لبنان".
وبالنسبة للتنظيم، فإنّ هذه المخاوف العربية نابعة من شدّة التهويلات الأميركية - الإسرائيلية. لكنّ رؤيته مختلفة بهذا الشأن.
تقول المصادر: "تقديراتنا تشير إلى أنّه من واجبنا أن نتحضّر للحرب ولذا أتى خطاب السيد حسن نصرالله العنيف والمضاد لمنعها... وفي الوقت نفسه هناك رسالة وصلت للولايات المتحدة وإسرائيل مفادها أنّ هناك دولاً لن تقف مكتوفة بحال الاعتداء على لبنان". وتضيف: "بكل الأحوال فإنّ حركة الجيش الإسرائيلي الراهنة عند الحدود لا تشير إلى أنّه يستعد لحرب واسعة".
لكن رغم "اطمئنان" الحزب اللبناني، وسرده جملة من الأسباب المانعة لتوسّع الحرب، إلّا أنّ هذا لا ينفي إمكانيّة اندلاعها بسبب أيّ خطأ غير محسوب أو تدحرج تلقائي للأحداث والمواجهات.
"انتفاء الأسباب"
أما السبب الثاني للقرار فهو "انتفاء أسباب" هذا التصنيف. تشرح المصادر أنّ "الخلاف مع المملكة العربية السعودية والإمارات يومها كان بشأن الحرب اليمنيّة وعلاقاتنا مع إيران وسوريا"، وتضيف: "الحرب في اليمن توقّفت، والعّلاقات العربية مع سوريا وإيران باتت جيّدة وهذا أمر نريده ونشجّع عليه، وبالتالي لم يعد ثمة داعٍ للخصومة معنا".
ترى مصادر "حزب الله" أنّ "الجامعة العربية أخطأت باتخاذها قرار وصفنا بالإرهاب وعادت الآن عن هذا الخطأ، ما يسمح بعودة العلاقات معها بشكل طبيعي"، واصفة ذلك بـ"الأمر الإيجابي".
وفي الوقت عينه، تؤكّد المصادر أنّ "الخيوط لم تنقطع بشكل كلّي بين الجانبين" في السنوات السابقة.
وتقول: "هناك علاقات طبيعية مع بعض الدول، وجرى تواصل أمني مباشر مع الإمارات، وكان هناك مبادرات وموفدون أمنيون مع السعوديّة ولقاء عرضي في السفارة الإيرانيّة مع سفير المملكة وليد البخاري أثناء التعزية بالرئيس الراحل إبراهيم رئيسي"، لكن كل ذلك "لم يتحوّل بعد إلى تواصل سياسي جدّي".