يحزن فؤاد السنيورة، رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، في زحمة أتراح قرى مشلّعة بجنوب لبنان، وسط وابل من قنابل المعارك الحربية بين الجيش الإسرائيلي و"حزب الله"، هو الذي يعرف جيّداً ما قاساه وطنه في مرحلة محتدمة سابقة حين حاول أن يقف وحكومته درعاً سياسياً لوقف حرب تموز (يوليو) 2006. تبدو المشقّات أكثر اشتداداً حالياً على لبنان من منظار السنيورة، وهو من واكب مرحلتين متفجّرتين، ويقول: "لسنا الآن كما كنّا في عام 2006، عندما استطاعت الحكومة عامذاك أن تجمع اللبنانيين الذين كان لهم دورهم وموقفهم الموحّد ضدّ الاجتياح الإسرائيلي، لكن لا يوجد اليوم أيّ موقف مؤيّد لانجرار لبنان نحو معركة. وإذ كان ’حزب الله‘ قد بدأ مناوشات مع إسرائيل على أساس أنّ هناك قواعد اشتباك، فتلك القواعد تتغيّر ويحصل المزيد من إقحام لبنان في الجرب، وتتفاقم التعقيدات كما المشكلات. هذا ما لا يستطيع لبنان تحمّله، لا من حيث عدد الضحايا الذين سقطوا حتى الآن، ولا من حيث التدمير الذي لحق بلبنان".
بين حرب 2006 والمعارك الناشبة حالياً في جنوب لبنان، استفهامات مطروحة حول المرحلة الأصعب. يسرد السنيورة لـ"النهار العربي" أنّ "إسرائيل خاضت حرباً كاملة في عام 2006، مع اجتياح بريّ، لكن كانت هناك شبكة أمان متمثّلة في الدولة اللبنانية وفي حكومة آخذة بمسؤولياتها. كان المجتمع الدولي قد بدأ يتعاطف مع لبنان، على الرغم من أننا بدأنا معتدين، لكنّنا وصلنا إلى مرحلة استُنتج فيها أنّ لبنان لا يجوز أن يُعاقب بتلك الطريقة. حالياً، نحن من ارتكبنا المشكلة أمام المجتمع الدولي، فمن يقف إلى جانبنا؟".
يضيف: "أمسكت الحكومة في عام 2006 بالأوضاع، وكوّنت رأياً عاماً كاملاً في لبنان في شتّى المستويات، الدينية والسياسية والاجتماعية. اليوم يقتني ’حزب الله‘ أسلحة متطورة، لكن إسرائيل تملك أسلحة أكثر تطوراً. ويتمتع عدوّنا بالدعم في الممارسة والتصريحات أيضاً، فيما الأوضاع السياسية في لبنان ليست كما كانت في عام 2006، فالحكومة الحالية لا تحظى بالدعم أو القرار الشامل للتصدي لإسرائيل. والوضع الاقتصادي ليس كما كان في السابق".
"أشدت..." ولكن!
لا يغفل السنيورة الحديث عن انطباعاته عند بدء مرحلة "طوفان الأقصى"، فيقول: "في يوم 8 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أشدت صباحاً بما قامت به حركة ’حماس‘ في ’طوفان الأقصى‘، لأنّها أعادت في عملها هذا وضع القضية الفلسطينية على بساط البحث في العالم، وأكّدت أيضاً أنّ القضية الفلسطينية غير قابلة للبيع".
يضيف السنيورة: "إنه إنجاز حقّقته ’حماس‘ للفلسطينيين الذين استحقّوا بعملهم وصمودهم أن يكون لهم وطن. لكنني قلت أيضاً إنّه ينبغي التنبّه إلى عدم استدراج لبنان إلى الدخول في الحرب، لأنّه يعاني أزمات متراكمة شمولاً في أزمة وطنية وسياسية بغياب القدرة على انتخاب رئيس للجمهورية أو إعادة تكوين المؤسسات الدستورية أو تأليف حكومة، ومشكلة اقتصادية ومالية ومعيشية ضخمة، إضافة إلى أزمة النازحين السوريين التي ثمة اختلاف أساسيّ حولها داخل البلد. وبذلك، ينتفي وجود شبكة أمان يمكن اللبنانيّ اللجوء إليها إن واجه مشكلة".
إن كانت كلّ الخشية من احتدام أكثر ضراوة وانزلاق نحو حرب شاملة بين إسرائيل و"حزب الله"، فإن رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق يعتقد أن "الأميركيين لا يحبّذون أن تخاض معركة كهذه، وأزعم أنّ إيران و’حزب الله‘ لا يسعيان إلى تتطور الأوضاع نحو حرب واسعة. لكنّ أغلبية الحروب التي خيضت في العالم، لم يكن يحبّذ المعنيون بها الوصول إليها، إلا أنهم كانوا يلعبون على حافة هاوية، فسقطوا فيها. فلماذا يعرّض اللبنانيون بلدهم لهذا السقوط بسبب شخص أحمق يريد أن ينصاع لمجانين متطرفين حوله؟ لدى ’حزب الله‘ أسلحة متطورة، وهو أرسل مسيّرة ’الهدهد‘، لكن في موازاة ذلك، تم اصطياد 450 شخصاً رغم المعرفة بالتقنيات المستخدمة".
ماذا سيحلّ بنا؟
يتابع السنيورة: "يستطيع ’حزب الله‘ بأسلحته أن يوقع خسائر كبيرة في الجانب الإسرائيلي، لكن ألا يجدر باللبنانيين أن يتساءلوا ماذا يمكن أن يحلّ بهم إن نشبت حرب شاملة؟ لماذا كلّ هذا التعريض بالبلد؟ ألا يجب إجابة اللبنانيين؟ لو افترضنا أنّ دخول الحرب حال دون التدمير في غزّة، يمكن إذ ذاك البحث في الموضوع... لكن، هل بقي ما لم تفعله إسرائيل في غزة؟".
ويضيف أنّ قرار المشاركة في جبهة المشاغلة ليس صادراً عن "حزب الله"، بل هو قرار إيراني، "فيما تحاول طهران المحاربة حتى آخر عربي بغية تحسين شروطها مع الولايات المتحدة الأميركية".
وماذا عن التوجّس من أن تحقق إيران بعض النقاط السياسية لمصلحتها في لبنان عند انتهاء هذه المرحلة؟ بحسب السنيورة، "سيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار. إنه لعب بالصيغة اللبنانية، فيما هناك من تتفاقم حدّة مطالبتهم بالتقسيم والفدرالية على أنواعها".
يكمن الحلّ، في اعتقاده، في أن يرجع "حزب الله" إلى كنف الدولة اللبنانية. وعن أهمية القرار الدوليّ 1701، يرى السنيورة أنه ما كان يحمي البلد، "رغم أنّ إسرائيل و’حزب الله‘ لم يلتزما تطبيقه مراراً. لكن ماذا لدينا سواه؟ فعندما أقررناه بالإجماع في مجلس الوزراء، أعرب كلٌّ حينذاك عن ملاحظاته المستفيضة ثم صدر القرار بالإجماع شمولاً في النقطة التي تنصّ على المنطقة الخالية من السلاح جنوبي الليطاني".