النهار

بين "الهدهد" والتهديدات... حرب من نوع آخر بين "حزب الله" وإسرائيل
نادر عزالدين
المصدر: النهار العربي
من ضمن هذه العمليّة النفسيّة المستمرّة، تبرز بشكل لافت المقاطع الجوية المصوّرة للقواعد العسكرية والاستخباراتية الإسرائيليّة في الجولان السوري التي كشف عنها "حزب الله" أمس.
بين "الهدهد" والتهديدات... حرب من نوع آخر بين "حزب الله" وإسرائيل
لقطة من فيديو نشره "حزب الله" أمس لمنشآت عسكرية إسرائيلية في الجولان.
A+   A-

"حرب العقل أقوى من حروب الأسلحة، وهناك قوّتان فقط في العالم: العقل والسيف. وعلى المدى الطويل، العقل دائماً ما ينتصر على السيف"، بهذه العبارة حدّد نابليون بونابرت أهميّة الحرب النفسيّة أو السيكولوجيّة في النزاعات والصراعات، التي لا تتبدّل قيمتها سواء مورست خلال مواجهة عسكريّة مباشرة أم في أوقات السلم واللاحرب.

وانطلاقاً من تأثيراتها المهمة، زاد استخدام الحرب النفسية خلال الحروب الحديثة، وما ساعد على ذلك التطوّر الهائل في الوسائل والتقنيات والأجهزة الإلكترونية والأقمار الاصطناعية والطائرات المسيرة والرادارات المتطورة وأجهزة البث البعيدة وكاميرات المراقبة وأجهزة الاتصالات ونقل الصور البعيدة وأجهزة التشويش والحواسيب وشبكات الانترنت، بالإضافة طبعاً إلى الوسائل القديمة التي كانت مستخدمة مثل المنشورات التي ترمى من الطائرات والرسائل عبر الراديو والتلفزيون والأفلام والصحف وغيرها.
 
ضغط معنوي - عسكري
جانب كبير من هذا المشهد يعيشه اللبنانيون منذ ما قبل عمليّة "طوفان الأقصى"، جراء التهديدات المتبادلة بين "حزب الله" وإسرائيل التي لم يترك مسؤولوها مناسبة إلا وعبّروا خلالها عن رغبتهم بـ"إعادة لبنان إلى العصر الحجري". كما يعيش الإسرائيليون أيضاً حالة قلق دائم من التوجّه العقائدي للتنظيم اللبناني الذي يؤمن بـ"إزالة إسرائيل من الوجود"، وكان هدّد لسنوات باقتحام الجليل في أيّ حرب واسعة. وبعد دخول "حزب الله" على خط المواجهة المباشرة مع إسرائيل في 8 تشرين الأول (أكتوبر) تصاعدت الحرب السيكولوجية المؤثرة على جانبي الحدود بشكل مضطرد.
 
من ضمن هذه العمليّة النفسيّة المستمرّة، تبرز بشكل لافت المقاطع الجوية المصوّرة للقواعد العسكرية والاستخباراتية الإسرائيليّة في الجولان السوري التي كشف عنها "حزب الله" أمس. وهي ليست المرة الأولى ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة، فقبل أقل من شهر نشر التنظيم صوراً لمراكز حساسة في حيفا، وأمس توعّد بمقطع جديد يبدو أنّه سيكون لصفد وطبريا.

يقول مصدر من "حزب الله"، لدى سؤاله عن أسباب وتوقيت نشر مقطع الفيديو قبل يوم واحد من جولة المفاوضات الجديدة في قطر بشأن وقف حرب غزّة، إنّ "لا علاقة بين المسألتين".

ويضيف المصدر، لـ"النهار العربي"، أنّ "التوقيت له علاقة بالمواجهة بشكل عام، لا بالتطورات السياسية المرافقة للحرب... وهدفنا ممارسة الضغط المعنوي على العدو من خلال التأثير في معنويات الجيش والمدنيين وسكان المستوطنات في الشمال، وهذا جزء من الحرب الدعائية النفسية".

ويعتبر أنّ الهدف من بثّ الصور "ردعي" بالمقام الأوّل، وهذا ما أجمعت عليه تعليقات الإعلام العبري أيضاً، وعلى سبيل المثال قول المراسل العسكري نعوم أمير:" خلال هذه الفترة، (الأمين العام لحزب الله حسن) نصرالله يجمع المعلومات الاستخبارية. ببساطة هو الآن يستخدمها لردع صنّاع القرار".
 
في هذا السياق، يرى العميد الركن المتقاعد في الجيش اللبناني خالد حمادة، في تصريح لـ"النهار العربي"، أنّ "الصور الجوية جزء من الحرب النفسية والاستعلام المضاد خلال المعارك التي تخوضها الدول عادة، وأحياناً بلا عمليات عسكرية، بهدف التسويق لأفكار أو إفصاح عن إجراءات أو اتهام الخصم بأمر ما للتأثير على تماسكه أو اختبار ردود فعله".

وإذ يعتبر حمادة أنّ الحصول على هذه المقاطع "لا يشكّل قيمة استثنائية إذ يمكن الحصول عليها بأكثر من طريقة"، يشير إلى أنّ "أهمية استخدامها بسياق الحرب تكمن في التأثير على الجمهور الإسرائيلي والدفع المعنوي لأنصار حزب الله".

"مشاهد جديدة وبعضها لم يُعرض"
وبالإضافة إلى الردع، يحمل الفيديو رسائل عسكريّة لإسرائيل عن قدرة "حزب الله" على شنّ هجمات نوعيّة على مراكز حساسة بحال توسّعت الحرب.
وفي هذا السياق، أظهرت المشاهد التي احتواها الجزء الثاني من فيلم "الهدهد" أهمية المنطقة العسكرية المستهدفة وموقعها الاستراتيجي الخاص، فهي في أعلى القمم المليئة بالمعسكرات والثكنات العسكرية ونقاط الاستطلاع المختلفة، يشرح المصدر.
 
ويكشف أنّ "بعض المشاهد جديدة جداً وبعضها صُوّر على فترات متعاقبة" منذ 7 تشرين الأول"، ما يعني أنّها "عملية مستمرة ومتواصلة وفي تحديث دائم". ويضيف: "لدينا قدرة عالية على تصوير مواقع هامة وحساسة وتفاصيل دقيقة حتى في شوارع وأحياء العدو الإسرائيلي لم يتم عرضها في هذا التقرير وتم الاكتفاء بإظهار الجوانب العسكرية منها".

كذلك، يقول المراسل العسكري لإذاعة الجيش الإسرائيلي: "نلاحظ في الفيديو أنّ الثلوج قليلة على جبال الجولان، وبالتالي فإنّ هذه المشاهد تمّ التقاطها بعد انتهاء فصل الشتاء".

بدوره، يقول العميد الركن المتقاعد في الجيش اللبناني الدكتور هشام جابر، لـ"النهار العربي"، إنّ "خيار الترويج لأهداف عسكرية في الجولان فاجأ الإسرائيليين الذين لم يكونوا يتوقعون توسيع حزب الله رقعة عملياته في هذا الاتجاه".
 
ويتابع: "الجولان دسم ومليء بالأهداف التي يمكن استهدافها لأشهر، وأهميته تكمن في موقعه الجغرافي الاستراتيجي المطلّ على سوريا ولبنان والأردن وفلسطين وحتى قبرص".
 
تأثير على "حزب الله" وبيئته
على المقلب الآخر، تمارس إسرائيل أيضاً حرباً نفسية - عسكرية شرسة ضدّ لبنان عامة و"حزب الله" وبيئته خاصة.
 
وتعدّ الغارات الوهمية التي تقوم بها الطائرات الحربية فوق غالبية الأراضي اللبنانية، وترهيب المواطنين وإقلاق أمنهم وراحتهم عبر خرق جدار الصوت، جزءاً أيضاً من الحرب النفسية، توازي في أهميتها التهديدات باجتياح لبنان وإشاعة أجواء من التوتّر.
 
ويؤكّد حمادة أنّ ملاحقة إسرائيل لقادة ومقاتلين من "حزب الله" واستهدافهم لهما أثران، معنوي وعسكري، إذ يطال الاستهداف بالدرجة الأولى "القيادات والكوادر في حزب الله الذين سيشعرون بتزايد مخاطر استهدافهم دون أي حماية فعلية، كما أنّه يوهن من عزيمة البيئة التي ينتمي إليها التنظيم، وعموم اللبنانيين".
 
بدوره، يعتبر جابر أنّ "إسرائيل استطاعت إحداث انشقاق في الرأي العام اللبناني، وهذا يعدّ نجاحاً للحرب النفسية التي تمارسها، لكنّ حزب الله سيتمكّن من تحمّل حرب الاستنزاف هذه لمدّة أطول بكثير".
 
ويصنّف دعوة بعض الدول رعاياها لمغادرة لبنان في خانة "المشاركة بالحرب"، ويتساءل: "لماذا لم يطلبوا من مواطنيهم مغادرة إسرائيل أيضاً؟ هل الحرب ستحدث فقط في الأراضي اللبنانية دون أن تصاب إسرائيل بالصواريخ أو أن تمتدّ الشرارة إلى دول إقليميّة؟".

في الخلاصة، يرى خبراء عسكريون ونفسيون أنّه إذا تمكّن أيّ طرف خلال الصراع من تحقيق أهداف الحرب السيكولوجيّة ضدّ عدوّه أو خصمه، فيمكن أن يؤدي هذا إلى تحقيق الردع والاستغناء عن الدخول في حرب ميدانية واسعة، وهنا بالأساس تكمن أهمية لجوء "حزب الله" وإسرائيل إلى الاستخدام المتزايد لهذه الأداة الخطيرة، علّها تجنّبهما حرباً طاحنة لا يبدو أنّ أيّاً منهما يريد خوضها الآن.

اقرأ في النهار Premium