استطاعت السيدة زلفا تابت شمعون أن تترك روحاً من حضورها الكثير الشغف مع رقّة التأثير الذي لم ترهقه التحدّيات التي مهما كثرت لم تبدّد أهازيج كلّ الأيام التي حقّقتها وكلّ برهة وقفت فيها مع محطات الرئيس كميل شمعون السياسيّة، وبخاصّة بدءاً من الأجواء اللندنية بعد تعيينه وزيراً مفوضاً للبنان في بريطانيا حيث أضافت رونقاً خاصّاً على الدبلوماسية اللبنانية في الخارج آنذاك. فهي سيدة مثقّفة وصلت إلى لندن متقنةً اللغة الإنكليزية وتحمل في شخصها خصالاً متلاقية مع العمل الدبلوماسيّ في بريطانيا.
لم يتأخّر كميل شمعون حتى انتخب رئيساً للجمهورية اللبنانية عام 1952، وكان لحضور السيدة الأولى إلى جانبه أثر مميّز أناقة وثقافة وانجازا في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، وإن لم تكن تحبّذ الظهور في الصورة الأمامية لإنجازات لا تزال في الذاكرة عن مرحلة جديرة بما تحقّق وإن بأسلوب تدريجيّ. وكان التغيّر السياسيّ الأساسيّ الذي نجحت زلفا شمعون في إحرازه قد تبلور حينما بدأت تساعد المواطنات اللبنانيات على المشاركة الجيّدة في المعترك السياسيّ.
وعلى رغم أنها لم تكن مواكبة عن كثب لكل التطورات السياسية اللبنانية، لكنّها عنيت بمساندة كميل شمعون في ما واكبته من بعض المواضيع الخاصّة بالسياسة. لا يغفل من عرف زلفا شمعون عن خصال هذه المرأة الصاخبة بالرقيّ والقدرة على إتقان الدبلوماسية، بخاصّة في الزيارات الخارجية التي كانت ترافق فيها زوجها الرئيس. استهوتها الثقافة بشكلٍ أساسيّ وبقيت المهرجانات أبرز اهتماماتها فعملت على تنظيمها. وكانت مساهمة في العمل الاجتماعيّ خلال سنواتها كسيدة أولى.
يمكن اختصار الأهمية التي كوّنتها زلفا شمعون حينما كانت السيّدة الأولى في لبنان بين عامي 1952 و1958، وفق ما يسرد ابنها النائب السابق دوري شمعون لـ"النهار"، في "أنها حاولت أن تقوم بكلّ ما يمكنها أن تفعل حتى وإن لم تكن في الواجهة من دون أن يشعر أحد أنّها تعمل في السياسة لمصلحة الرئيس كميل شمعون، وهي لم تكن تتدخل إلا إن كانت التفاصيل السياسية تعنيه وقامت بما يتوجّب عليها حتى تساعد النساء على أن يكون لهنّ حضورهن في السياسة. وكان الرئيس كميل شمعون يعتمد عليها في المواضيع الاجتماعية ولطالما طلبت منه أن يساند من احتاجوا تدخّله في مساعدات اجتماعية".
ويضيف شمعون أنّ "الرئيس كميل شمعون كان يتّكل عليها ويطلب معرفة رأيها في مواضيع متنوّعة خلال ولايته الرئاسية، لأنها كانت متفوّقة جدّاً، خصوصاً في الأمور الخاصّة بالمرأة. وهو لطالما اعتمد عليها أوّلاً. وكانت موكلة بالمهرجانات الثقافية والفنية. ونجحت في أن تجلب النساء إلى الحياة الاجتماعية والسياسية وساعدت في افتتاح مراكز اجتماعية وتربوية. وعملت ما استطاعت من دون أن تحبّذ الظهور العلنيّ. لم يأتِ مثل زلفا شمعون سيدات لديهن التفكير الخاصّ بها. لقد قامت بأشياء مهمة لولاها لما كانت قد نفّذت".
وعندما يفسّر الصديق الذي واكب عن كثب عائلة الرئيس كميل شمعون خلال ولايته الرئاسية وما بعدها خطّار حدثي أهمية ما عملت عليه زلفا شمعون في مساندة زوجها، يقول لـ"النهار" إنّ "السيدة الأولى كانت تهوى الموسيقى وبناءً على نصيحتها تم تأسيس مهرجانات بعلبك. وهي عملت اجتماعياً على تطوير الصليب الأحمر اللبناني بالتجهيزات المناسبة. وكانت تسعى مع بداية عهد الرئيس كميل شمعون إلى عمل إنسانيّ، فإذا بها تتابع لجنة خاصّة بتأسيس مدرسة للمكفوفين في منطقة بعبدا. ثم أسّست مكتب الحرير ودود القزّ وكانت نشيطة في هذا الحقل".
ويضيف: "كانت أيضاً تساعد الرئيس شمعون ورافقته في سفراته خصوصاً الاغترابية منها. وكانت المهرجانات الحاصلة في لبنان تنظّم بإشرافها وتوجيهها الخاصّ وكانت تلك النشاطات ثقافية حضارية دبلوماسية تساعد كثيراً كسيدة أولى راسخة الحضور". لا يغيب عن خطّار حدثي "إتقان زلفا شمعون بشكلٍ أساسيّ للعلاقات الدبلوماسية في أكثر من مرحلة عرف فيها لبنان تأثيرا كبيرا للوجود الأجنبي الفرنسي ثم الانكليزي. كانت لباقتها وعلاقاتها الاجتماعية والدبلوماسية بارزة".
قد يكون الجزء الأخير من سيرة زلفا شمعون الحياتية الأكثر تأكيداً لتأثّر الرئيس كميل شمعون بها. يتابع خطّار حدثي أنه "في آخر أيام زلفا شمعون، ظهر المرض عليها فذهبت للعلاج في لندن ولم تكن قدرات كميل شمعون المادية مترفة حينذاك، فاستأجر مبيتاً في شارع شهير في لندن فيه سريرٌ واحد للسيدة شمعون وكان هو ينام على كنبة في جانبها. في حياته، من المتعارف عن الرئيس كميل شمعون أنه كان يعجب بالسيدات لكن السيدة الوحيدة التي أحبّها فعلاً في حياته كانت زلفا تابت شمعون. وهي عندما توفيت لم يستطع أن يتوقّف عن ذرف الدموع. لقد كانت سيدة متواضعة بكِبَر وأناقة وثقافة وكانت امرأة متعلّمة وتهوى الرسم".