بحمدون اليوم... بلدة تنتظر من زارها وتعلّق بها. شوارعها وأبنيتها الشاهدة على التاريخ التي تختزنه هذه البلدة الجبلية يسودها القلق مع أبنائها على مستقبل يريدونه خيراً لبلدتهم وسط أزمات لبنان المتلاحقة والمنعكسة بشكل مباشر وغير مباشر على مدنه وبلداته وقراه.
بحمدون اليوم أمام واقع لم يتغيّر منذ أكثر من 10 سنوات، هذه البلدة التي عرفت العز والمجد كأشهر بلدات الاصطياف اللبنانية تحاول أن تستفيق لتستعيد نشاطها بين منافساتها وتسجّل اسمها من جديد على الخريطة السياحية.
في بحمدون اليوم، الجزء الأكبر من المحلّات التجارية مقفل. شارعها الرئيسي يستقبلكم وسط الأشجار الخضراء حيث الهواء يُنعش من أراد الاستراحة والابتعاد عن هموم الحياة ومشاكلها.
تتحدّى مؤسسات عدّة في البلدة الجبلية الأزمة الموجودة، والأشهر فيها المطعم الإيطالي "أوليفو" الذي يستقبل زوّار بحمدون وقاصديها وزبائنه من مختلف المناطق اللبنانية منذ أكثر من 15 عاماً، بالإضافة إلى مطعم "حليم" المشهور بعصافيره، و"بوظة ورد" المميّز بحلوياته.
واقع هذه المؤسسات يعكس الموقف البحمدوني بإرادة الانتفاضة على الواقع الموجود. فما أسباب الأزمة المستمرّة وكيف ستكون بحمدون في المستقبل لأهلها وزوّارها؟
عن الأزمة...
يُرجع رئيس بلديّة بحمدون المحطّة فيليب متّى في حديث لـ"النهار العربي" السبب الرئيسي إلى الوضع الذي وصلت إليه البلدة هو تهجير أهلها في الحرب اللبنانية، حيث اضطر سكّانها إلى ترك منازلهم، فعاشت بحمدون مع تداعيات الحرب الكارثية التي دمّرت لبنان، ولم يسلم فيها لا الحجر ولا البشر.
بالإضافة إلى ذلك، تركت الحرب أثرها على عائلات البلدة وأولادها وشكّلت صدمة لهم، وشعوراً سلبياً تجاه منطقتهم. ومن هذا المنطلق، يؤكّد متّى أن عودة بحمدون إلى وضعها الطبيعي يكون بعودة الأهالي أولاً، إذ في الوقت الحالي، لا يسكن بحمدون سوى نسبة متواضعة من أهلها.
وفي هذا السياق، يحذّر متّى من وضع البلدة في المستقبل في ظل قرار الأهالي بعدم العودة بالرغم من ترميم منازل عدّة وإعادة إعمارها وتجهيزها، ويقول: "على البحمدونيين العودة أولاً إلى بلدتهم، فالخطوة الثانية تكون بتعاوننا لإعادة الحياة إلى منطقتنا واستقبال السيّاح والزوّار. المطلوب منهم أن يتشجّعوا على العودة".
واقع مُنعكس...
في السنوات الأخيرة، شكّل الوضع المعيشي والمالي سبباً إضافياً لتراجع زوّار بحمدون وفق متّى، وقد أثّر على العائلات اللبنانية ما انعكس سلباً على الحركة السياحية.
ويتحدّث رئيس البلدية عن المشاكل اللبنانية اليومية أبرزها الكهرباء والمياه، ويقول: "المشكلتان موجودتان من مدّة طويلة، استطاعت بحمدون كغيرها من المناطق معالجتهما عبر المولّدات الخاصة قدر المستطاع إذ تعدّان عنصراً أساسياً للاصطياف".
ومتابعة لذلك، يلفت متّى إلى أنّه في ظل وجود هاتين المشكلتَين مع المشاكل الأخرى كالتنقّل والمحروقات، ستزيد المصاريف على العائلات وتدفعها إلى تقليص فترة إجازتها أو التوجّه إلى مناطق أخرى عالجت هذه المشاكل بشكل ذاتي ومستقل.
فنادق بحمدون مقفلة...
إلى ذلك، يذكّر رئيس البلدية بأن بحمدون تعتمد بشكل أساسي على السيّاح العرب، خاصّة من دول الخليج، كاشفاً عن أن معظم الفنادق الموجودة في البلدة مقفلة وتعود ملكيّتها لأفراد غير لبنانيين.
يستغرب متّى القرار بإبقاء هذه الفنادق مقفلة منذ سنوات متسائلاً عن السبب الأساسي، إذ أنّه أساء إلى الوضع السياحي في البلدة، من دون إغفال الأوضاع التي يمر بها البلد وأعبائها على القطاع الاقتصادي والمالي.
تشكّل الفنادق الركيزة الأساسية للاصطياف في بحمدون، إلا أن إقفال أبوابها يدفع السائح إلى اختيار بلدات مجاورة كثيرة كحمانا وفالوغا لقضاء فصل الصيف والإجازات. وينعكس هذا الواقع على القطاعات السياحية الأخرى أبرزها المقاهي والمطاعم ما يجعل الزوّار غير متحمّسين لتمضية وقتهم في البلدة، وفق ما أوضح متّى.
بالإضافة إلى الفنادق المنتشرة بعدد كبير في بلدة الاصطياف، يملُك أفراد جزءاً من أراضي بحمدون وشققها وأبنيتها إلا أنّ عدداً كبيراً منهم لا يأتي إلى أملاكه للسكن فيها، أوحتّى تفقّدها.
بالحديث عن الفنادق، ينتظر عدد كبير منها الترميم بعدما أهملها أصحابها مع انتهاء الحرب، بالإضافة إلى المنازل أيضاً التي لم يُعاد إعمارها ولا ترميمها، فيعتبر متّى أن هذا المشهد ينعكس سلباً على الأهالي والزوّار ويجعلهم غير مرتاحين خلال قضاء عطلتهم.
أسعار غير منطقية...
يتطّرق رئيس بلدية بحمدون إلى أزمة أخرى تواجه البلدة وهي أسعار إيجارات المحلّات التجارية "غير المنطقية"، والتي تشكّل عائقاً أمام جذب الاستثمارات في بحمدون، مع تعثّر الأوضاع الاقتصادية في لبنان بشكل عام.
ويضيف: "أصحاب المحلّات كأنّهم لا يرغبون بتأجير أملاكهم، إذ يطلبون مبالغ مرتفعة نسبة للمنطقة ووضعها". ما يطرحه متّى على الأهالي عرض أسعار منخفضة في ظل الوضع التي تعيشه بحمدون من سنوات حتّى اليوم كجزء من مساعدة بلدتهم على استعادة نشاطها، ليتّخذوا بعد مرحلة معيّنة قرار رفع الإيجارات بشكل يتناسب مع تطوّر وضع المنطقة الاقتصادي.
ويشرح: "هذه السلسلة المتّصلة والمهمّة، التي تبدأ بالفنادق وتتبعها المطاعم والمقاهي والمحلّات، لا يمكن أن نفقد أي عنصر أساسي في بنيتها، فغياب أي حلقة منها ينعكس سلباً على الوضع في بحمدون التي اعتمادها كان على السياحة".
ويُشير متّى إلى أن العنصر البشري مهمّ جدّاً في نجاح إعادة البلدة إلى ما كانت عليه، فالبحمدوني منذ زمن جعل من بلدته مركزاً للاصطياف من خلال حسن استقباله للزوّار في بيته الصغير وحوّله مع الوقت إلى فندق يستقبل الزوّار، فكان إنساناً كريماً ومضيافاً ومحبوباً، استطاع الحفاظ على هذه الصفّات طيلة هذه السنوات.
"بحمدون ما بتموت"
يشدّد متّى على أن موقع بحمدون الجغرافي يُعد مركزاً أساسياً وحيوياً، ولا يصعب أبداً إعادتها إلى ما كانت عليه سابقاً فـ"بحمدون ما بتموت"، مجدّداً التأكيد على أهمّية تكاتف أبناء المنطقة لإنجاح عودتها، ومطالباً بالتضحية من قبل الأهالي والمالكين وأصحاب المحلّات لإعادة بحمدون إلى مسارها الطبيعي.
وفي خطوة قد تنعكس إيجاباً على الحركة السياحية في بحمدون، أعلن متّى أن البلدية ستُضيء السوق الرئيسي في البلدة بـ40 لمبة تعمل على الطاقة الشمسية، في مسار قد يخفّف عن المولّدات الخاصّة، بالإضافة إلى إضاءة المستديرة الأساسية في البلدة والتي تربط بحمدون بطريق صوفر – ضهر البيدر المؤدّية إلى البقاع وسوريا.
وقال متّى إن "إنارة الشوارع يضفي جوّاً إيجابياً على بحمدون على الرغم من الوضع المالي الصعب التي تعاني منه البلدية".
إلى ذلك، أفاد بأن العمل يتقدّم بشكل كبير لافتتاح مدرسة للتعليم المهني بمستوى عالٍ، بالإضافة إلى عودة مدرسة مار الياس الابتدائية بإدارة جديدة. والعمل مستمر أيضاً على قدم وساق لإنهاء الأعمال في صالة اجتماعات كبيرة للبلدة تستضيف لقاءات ومناسبات بالإضافة إلى مشروع إصلاح ملعب بحمدون البلدي.
مهرجان بحمدون بموسمه الرابع
عن هذا الملّف، يرى رئيس بلدية بحمدون أن تنظيم مهرجان يبقى أفضل خيار أمامه في ظل الوضع الراهن ولو أن فترته قصيرة وهي 12 يوماً، فيجعل الناس متحمّسة لزيارة بحمدون، بدعم إعلامي عبر المحطّات التلفزيونية والإذاعية إذ إن الإعلام واهتمامه وتغطيته قادر على إعادة دور البلدة على ما كانت عليه سابقاً.
ويُتابع: "مهتمّون ببقاء بحمدون على الخريطة السياحية، والمهرجان الذي ننظّمه يجذب كل الأعمار والأفراد من كافة المناطق اللبنانية وحتّى من خارج لبنان فتستقبل البلدة حوالي 2000 شخص يومياً وهذا رقم ممتاز نسبة للوضع. وتكون النتيجة بقاء بحمدون كما سابقاً إحدى أفضل مناطق الاصطياف في لبنان".
تستقبلكم بحمدون هذا العام بمهرجان "صيّف يا صيف" في دورته الرابعة التي تنطلق في 25 تموز (يوليو) فأبوابها مفتوحة لمن تحبّه وأحبّها... فهل تبقى في الذكريات البلدة الأجمل لتطوي صفحات واقعنا اليوم الملبّد؟!