بعد تسعة أشهر من القتال بين " حزب الله " وإسرائيل، كشف تحليل لـ "بي بي سي" حجم الأضرار التي لحقت ببلدات جنوب لبنان وإسرائيل الحدودية.
مجتمعات بأكملها قد نزحت، وتضررت آلاف المباني ومساحات واسعة من الأراضي على الحدود بين إسرائيل ولبنان، وفقاً لصور الأقمار الصناعية وصور الرادار وسجلات النشاط العسكري.
تشير البيانات التي جمعتها منظمة "أكلد" لمراقبة النزاعات وحللتها "بي بي سي" إلى أن كلا الجانبين نفذا 7491 هجوماً عبر الحدود بين 8 تشرين أول (أكتوبر) 2023 و5 تموز (يوليو) 2024 وأن إسرائيل نفذت ما يقرب من خمسة أضعاف ما نفذه " حزب الله " من هجمات.
تضرر المباني في جنوب لبنان
يكشف تحليل "بي بي سي" أن أكثر من 60% من المجتمعات الحدودية في لبنان قد عانت من نوع من الضرر نتيجة للغارات الجوية والمدفعية الإسرائيلية. اعتبارا من 10 تموز. وتعرض أكثر من 3200 مبنى لأضرار.
تم جمع البيانات بواسطة الباحث كوري شير من مركز الدراسات العليا بجامعة نيويورك.
تستند هذه البيانات إلى مقارنات بين صورتين منفصلتين، مما يكشف عن التغيرات في ارتفاع أو هيكل المباني مما يشير إلى حدوث ضرر.
بلدات عيتا الشعب وكفركلا وبليدا كانت من بين الأكثر تضررا.
وتعرضت عيتا الشعب لقصف واسع النطاق، حيث وقع ما لا يقل عن 299 هجوماً منذ تشرين أول، وفقاً لمنظمة "أكلد".
وتعرضت المباني الواقعة على طول الطريق الرئيسي للمدينة، بما في ذلك المطاعم والمحلات التجارية، لأضرار كبيرة.
وتحدثت "بي بي سي" مع عمدة عيتا الشعب، الذي وصف البلدة "وكأنها تعرضت لزلزال".
وقال ماجد الطحيني إن 17 شخصاً من البلدة قتلوا في الغارات الإسرائيلية، بينهم مدنيان.
وقد غادر الطحيني عيتا الشعب مع عائلته مباشرة بعد بدء الأعمال العدائية في تشرين الأول من العام الماضي، لكنه قال إنه كان يعود كل أسبوعين تقريباً، لحضور الجنازات بشكل أساسي.
"في كل مرة أزورها، أشعر أن الأمر قد تغير". وقال لـ"بي بي سي": "منظر الدمار مروع".
وتابع إن "بيوت عيتا أصبحت مجرد هياكل وتحولت إلى أنقاض" وأضاف أن تلك التي لا تزال قائمة أصبحت غير صالحة للسكن.
ويتذكر الطحيني رؤية البلدة مدمرة في الماضي، خاصة في حرب عام 2006 بين إسرائيل و" حزب الله "، لكنه يقول إن القنابل تسببت في دمار أكبر بكثير هذه المرة، موضحاً أن البنية التحتية بأكملها تضررت، بما في ذلك الشبكة الكهربائية ونظام إمدادات المياه.
وتم استهداف كفركلا بأكثر من 200 هجمة، بحسب موقع "أكلد"، ما أدى إلى تدمير العديد من المتاجر والأسواق ومحلات الخدمات في مركز البلدة. وتعرضت بليدا للقصف نحو 130 مرة على الأقل منذ تشرين الأول ما أدى إلى إتلاف العديد من المباني بالإضافة إلى صيدلية.
وتركزت الأضرار في الجزء الأوسط من البلدة حيث تقع الخدمات والمتاجر والمرافق الرئيسية.
وتقول الدكتورة بوركو أوزجيليك، الباحثة في أمن الشرق الأوسط في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، إن إسرائيل تستهدف البلدات في المنطقة الحدودية لأن هذه هي المناطق التي تعتقد إسرائيل أن " حزب الله " موجود فيها.
وأضافت الباحثة أن "إسرائيل تعتقد أن لديها ما يكفي من الأدلة الموثقة على وجود شبكة من التحصينات والأنفاق في محيط المنازل".
وقالت إن إسرائيل تستهدف هذه المنطقة لإرسال رسالة إلى " حزب الله " مفادها أنه "لا ينبغي أن يكونوا هناك".
وتضيف أوزجيليك "حزب الله سيجد أنه من غير المعقول إخلاء هذه المناطق".
وتكمل أن الولايات المتحدة الأميركية تحاول إيجاد حل وسط، مثل إقناع " حزب الله " بالانسحاب أربعة أميال من الحدود وقد رفض الأخير ذلك.
وقال الجيش الإسرائيلي لـ "بي بي سي" إنه نفذ ضربات ضد أهداف عسكرية "لإزالة التهديد الذي يشكله حزب الله على إسرائيل ومواطنيها ومنازلهم".
أضرار الحرائق في إسرائيل
وعلى الجانب الآخر من الحدود، تم أيضاً تدمير المباني في شمال إسرائيل بسبب الضربات من جانب " حزب الله ".
وفقا لمديرية الأفق الشمالي التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، حتى 23 حزيران (يونيو)، كانت هناك تقارير عن تضرر 1,016 وحدة سكنية منذ بداية التصعيد، مع 75% من الأضرار الناجمة عن صواريخ وقذائف ومسيرات تابعة لـ" حزب الله ". والباقي بسبب أنشطة القوات العسكرية الإسرائيلية في المنطقة.
لكن تدمير الأراضي النباتية والزراعية كان جلياً في هذه المنطقة.
واستخدمت "بي بي سي" البيانات التي قدمها الدكتور هي ين، في جامعة كنت، لفحص مساحة الأراضي المتضررة من حرائق الغابات الضخمة التي أشعلتها الهجمات عبر الحدود. قام الدكتور ين بمعالجة البيانات من صور الأقمار الصناعية والتي تم تصويرها بالأشعة تحت الحمراء القريبة والأشعة تحت الحمراء ذات الموجات القصيرة لتحديد المناطق التي يشتبه في أنها محترقة.
تم حرق مساحات هائلة من الأراضي في كلا البلدين، لكن "بي بي سي" تقدر أن إسرائيل ومرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل كانت الأكثر تضرراً، حيث تأثر حوالي 55 كيلومتراً مربعاً من الأراضي، مقارنة بـ 40 كيلومتراً مربعاً في لبنان.
وقدرت بعض التقديرات الأخيرة الصادرة عن هيئة الطبيعة والمتنزهات الإسرائيلية هذا الرقم بما يصل إلى 87 كيلومتراً مربعاً.
ويظهر نمط الأضرار أن العديد من المناطق المحروقة تقع بعيدا عن الحدود، مما يعكس استخدام " حزب الله " لأعداد كبيرة من الأسلحة غير الموجهة. وقد تم إطلاق هذه الصواريخ على مناطق مدنية وقواعد عسكرية ليست بجوار الحدود مباشرة. وإذا اكتشف نظام القبة الحديدية الإسرائيلي المضاد للصواريخ أن الصواريخ لن تسقط في مناطق مأهولة بالسكان، فإنه لا يعترضها، ويترك الصواريخ تهبط في العراء.
ويؤدي ذلك إلى أضرار جسيمة في الأراضي الزراعية والغابات. وقالت أوزجيليك إن ذلك متعمد من جانب " حزب الله ".
وتضيف أن " حزب الله " يسعى إلى خلق الفوضى ومستوى من انعدام الأمن بين السكان الإسرائيليين مما يخلق نقطة ضغط على الحكومة الإسرائيلية".
وأضافت الدكتورة أوزجيليك أن حجم إخلاء السكان الإسرائيليين لهذه المناطق غير مسبوق.
الحرائق ليست الخطر الوحيد
قُتل جاراه باراك وميرا أيالون في كانون الثاني (يناير). وكانا يتناولان طعام الغداء في المطبخ عندما انفجر صاروخ في جدار غرفة معيشتهما.
يعيش تزاهي غاباي، على بعد حوالي 20 ميلاً (30 كم) إلى الشمال الشرقي، وهو مزارع وعضو في فريق الاستجابة المحلي.
ويعرف غاباي العائلة منذ سنوات.
ويقول: "إزالة جثثهم في تلك الحالة... أشخاص أعرفهم جيداً... لم يكن الأمر سهلاً".
وبينما بقي عدد صغير من سكان بلدته للحفاظ على أشجار الفاكهة الخاصة بهم على قيد الحياة، تم إجلاء حوالي 90٪ منهم، مدركين أن أشجارهم قد لا تنتج محصولا آخر أبدا.
حاولت "بي بي سي" التواصل مع " حزب الله " للتعليق ولكن لم نتلق ردا. لكن الأمين العام للحزب حسن نصر الله قال الأربعاء الماضي إن "استمرار إسرائيل في استهداف المدنيين" سيدفع مقاتلي الجماعة إلى استهداف "مستوطنات" جديدة بالصواريخ، وحذر إسرائيل من تدمير دباباتها إذا عبرت الحدود إلى لبنان.
وفي خطاب متلفز في 10 تموز، كرر تعهده بتعليق الهجمات إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل و" حماس ".
الفوسفور الأبيض
معظم الأراضي التي تبلغ مساحتها 40 كيلومتراً مربعاً، والتي قدرت "بي بي سي" أنها تأثرت بالحريق في لبنان، قريبة أو متاخمة للحاجز الأمني بين البلدين.
وقال وزير الزراعة اللبناني عباس الحاج حسن لـ"بي بي سي" إن 55 بلدة عبر خط الحدود تأثرت بالحرائق التي تسببت فيها إسرائيل.
واتهم إسرائيل باستخدام الفوسفور الأبيض من بين ذخائر أخرى، قائلاً إن إسرائيل تسعى إلى جعل المنطقة قاحلة ومهجورة.
تشتعل المادة الكيميائية فور ملامستها للأكسجين، ويلتصق الفسفور الأبيض بالجلد والملابس ويمكن أن يحرق العظام، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
وتأكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية من استخدام الفوسفور الأبيض فوق عدة مناطق مأهولة بالسكان في جنوب لبنان، بما في ذلك البستان.
وتقول إن استخدام إسرائيل الفوسفور الأبيض "عشوائي وبشكل غير قانوني في المناطق المأهولة بالسكان".
ويشكك الجيش الإسرائيلي في ذلك، قائلاً إن استخدام قذائف الفوسفور الأبيض لخلق ستار من الدخان "أمر قانوني بموجب القانون الدولي". ويقول إن هذه القذائف لا تستخدم في المناطق المكتظة بالسكان "مع استثناءات معينة".