يسود تكتّم شديد في إسرائيل بشأن توقيت الضربة التي تنوي توجيهها إلى "حزب الله" وهدفها، خاصة بعدما حُصرت المهمّة بيد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، في ظلّ معارضة شديدة أبداها اليمين المتطرّف المشارك بالائتلاف لعدم الانسياق خلف رغباته بشنّ عملية عسكريّة مدمّرة للبنان.
ومنذ مجزرة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل السبت، التي اتهمت إسرائيل "حزب الله" بها بينما نفى التنظيم اللبناني ذلك بشدّة، صدرت تحذيرات عدّة من دول غربية وعربية من أنّ أيّ ضربة إسرائيلية خارجة عن الإطار المألوف منذ 8 تشرين الأول (أكتوبر) قد تؤدي إلى الانزلاق نحو حرب شاملة في الشرق الأوسط.
الأهداف والتوقيت
ورغم المخاطر، يبدو أنّ إسرائيل لن تتراجع، فالمؤشرات حتى الآن تؤكّد أنّ الهجوم "واقع لا محالة"، وفقاً لما أجمعت عليه وسائل الإعلام العبرية، حتى أنّ إلغاء عدد من شركات الطيران العالمية لرحلاتها إلى مطاري بيروت وتل أبيب يشير إلى هذا المنحى. واتجه النقاش الإسرائيلي أكثر نحو توقّع نوعية الهدف، أو الأهداف، والتوقيت الذي ستتم فيه العمليّة.
ورجّحت صحيفة "معاريف" أن يكون التفويض الذي منحه الكابينت لنتنياهو وغالانت "يشير إلى ضربة كبيرة في لبنان"، وقالت إنّ "تأخر إسرائيل في الرد على هجوم مجدل شمس قد يعزّز احتمال تنفيذها سلسلة من الاغتيالات تطال القيادة العليا لحزب الله". أما بخصوص احتمال قصف أهداف في بيروت والضاحية الجنوبية فلا يزال قائماً، وأبدت الولايات المتحدة تخوّفها من هذا السيناريو بشدّة.
وكشفت "يديعوت أحرونوت" أنّ خيارات الهجوم الإسرائيلي لم تعرض على الكابينت "خوفاً من تسريبها من بعض الوزراء" لكنّ "القرار متخذ وينتظر الفرصة العملياتية المناسبة".
ويرى مراقبون أنّ الضربة يمكن أن تكون شبيهة بما حدث في اليمن، إذ يشاهدها الجميع ويشعر بقوّتها، كما يمكن أن تكون اغتيال شخصية وازنة، حتى تتمكّن الحكومة من إقناع الجبهة الداخلية والدول الاقليمية، وعلى رأسها إيران، بأنّ التفوّق العسكري الإسرائيلي لا يزال حاضراً مع قوّة الردع.
وبشأن توقيت الحدث المرتقب ومدّته، هناك إجماع إسرائيلي على "تحرك محدود قد يستمر أياماً عدّة". وقال مسؤول عسكري إسرائيلي لـ"رويترز" إنّ "إسرائيل تريد إيذاء حزب الله وهي تتأهب لاندلاع قتال لبضعة أيام، لكنها لا تسعى لحرب إقليمية شاملة".
كذلك، اتخذت الدولة العبرية قراراً بإيقاف حركة القطارات في نهاريا ومحطات كريات موتسكين وعكا وكرميئيل وكريات حاييم وأحيهود، إضافة إلى إيقاف حركة القطارات حتى المناطق الشمالية من حيفا، بدءاً من ليل أمس وحتى الأحد المقبل، ما يشي بأنّ أمراً ما يُحضّر خلال هذه الفترة.
احتمالات الحرب الشاملة
إذاً، وفقاً للتسريبات الإسرائيلية، ستكون الضربة "مؤلمة وبحجم مجزرة" لكن "من المستبعد أن تُسفر عن حرب شاملة"، فالخيار الأخير يجب أن يُتخذ بالإجماع داخل الكابينت بموافقة جميع الأعضاء، لا أن يتم تفويض نتنياهو وغالانت به. إلا أنّ هذا "التفاؤل" الإسرائيلي المفرط بإمكانية ضبط الأمور وعدم تدحرجها سريعاً نحو الدمار والدموية يصطدم بوقائع مغايرة.
وفي هذا السياق، لا شكّ في أنّ التحذيرات والمخاوف الغربية – العربية بانفلات الأوضاع لم تأتِ من فراغ، بل تعود إلى عوامل مختلفة، لعلّ أبرزها ما سمعه الوسطاء من طرفي النزاع منذ وقوع الحدث، فإسرائيل مصرّة على توجيه "ضربة مؤلمة لحزب الله"، الذي أبلغ بدوره كلّ من اتصل به أنّه "سيردّ على أي اعتداء إسرائيلي بما يتناسب معه، سواء طال مدنيين أو منشآت مدنية أو منشآت عسكرية".
ووفقاً لمصادر "النهار العربي" فإنّ التنظيم اللبناني "يرفض أي تنازل في حقه بالرد على أي مبادرة إسرائيلية بالاعتداء، وجميع الاتصالات مع الوسطاء الذين نقلوا طلباً من دول أجنبية وعربية بتمرير الضربة دون ردّ فعل قد يؤدي إلى تدهور الوضع عند الحدود باءت بالفشل".
وتضيف المصادر المطلعة أنّ "حزب الله لم يُحدّد حتى خطوطاً حمراء، كبيروت أو الضاحية الجنوبية أو البنى التحتية، وتشدَّد في أنّ أيّ عملية عسكرية تحت عنوان الردّ على مجدل شمس ستُقابل بردّ ربّما لن تستطيع إسرائيل استيعابه".
ويقول موقع "واللاه نيوز" العبري إنّ "الجيش الاسرائيلي لا يستعدّ فقط لشنّ هجوم دراماتيكي في لبنان، بل يحضّر نفسه أيضاً لصدّ هجوم حزب الله المتوقّع من الجو والأرض"، بينما ترى صحيفة "هآرتس" أنّ "قوّة الردّ الإسرائيلي المرتقب ستُحدد ما إذا سندخل في تصعيد آخر يمكن احتواؤه، أو حرب".
ومع أنّ الطرفين يؤكّدان في خطابهما العلني أنّهما لا يسعيان إلى الذهاب نحو حرب مفتوحة، إلا أنّ التطوّرات الأخيرة صعّبت من القدرة على ضبط مسار الجبهة الذي بات متوقّفاً على أمرين: قوّة الفعل الإسرائيلي إذا حصل، وردّ فعل "حزب الله" الذي من غير المتوقّع أن "يبلع" أيّ تصعيد من شأنه تغيير قواعد اللعبة.