في ظلّ "احمرار" المشهد من راية الثأر التي رُفعت فوق مسجد جمكران في قم، إلى الخلفية التي ظهرت خلف الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله، وعودة التحشيد وشدّ العصب في الضاحية الجنوبيّة لبيروت خلال تشييع القائد العسكري فؤاد شكر، خاصة من خلال خطابات التوعّد بالردّ، بات الانتقام أمراً محسوماً، ما حدا بإسرائيل إلى المسارعة باتخاذ مجموعة كبيرة من التدابير التي قد تحدّ من خسائر أي هجوم يستهدفها.
إخلاء محدود في الضاحية
وفي حين أكّد نصرالله في خطاب التشييع أنّ المعركة "دخلت مرحلة جديدة" ولم تعد فقط جبهة إسناد، كان التنظيم اللبناني قد باشر فعلاً بعمليّة إخلاء لعشرات المباني في الضاحية الجنوبية لبيروت.
ووفقاً لبعض السكان ومصدر مطّلع "أبلغ حزب الله أصحاب المنازل الموجودة في مبانٍ يقطن فيها مسؤولون من التنظيم، أو يوجد فيها أو بالقرب منها مؤسسات ومكاتب ومراكز تابعة له، بضرورة المغادرة إلى أماكن أكثر أماناً".
ويقول المصدر إنّ "الإجراءات وقائية، تهدف إلى حماية أهلنا من أي اعتداء إسرائيلي، خاصة بعد العملية الأخيرة التي أدت إلى سقوط شهداء مدنيين إلى جانب السيد فؤاد".
هذه الإجراءات التي يُمكن وصفها بالمحدودة في منطقة يعيش فيها أكثر من مليون شخص، لا تعكس أجواء حرب كبرى تتجه المنطقة إليها، إنّما حذر من أفعال إسرائيل المحتملة بعد "الردّ المحتوم"، فـ"حزب الله" الذي لا يمكنه تجاهل الضربة المؤلمة التي وُجّهت له، يبدو أنه قرّر توجيه ضربة مؤلمة إلى الإسرائيليين قال نصرالله إنّها "ستبكيهم"، لكنّها في الوقت ذاته لن تضطر الدولة العبرية للانجرار إلى حرب ما لم تكن ترغب هي أصلاً بذلك.
ومن ضمن التوقعات أن يردّ "حزب الله" على الاغتيال بالاغتيال، خاصة بعد قول أمينه العام إنّ "القرار الآن في يد الميدان وظروفه وفرصه ونبحث عن رد حقيقي ومدروس جداً وليس عن رد شكلي"، وكأنّه يلمح إلى إمكانية استهداف شخصية كبيرة، فلو أراد التنظيم قصف أي هدف عسكري أو مدني لكان فعل ذلك دون عناء لامتلاكه داتا ضخمة لعشرات الأهداف الحيوية، وما كان لينتظر "الظروف والفرص".
إذا كان ذلك صحيحاً، فمن المُرجّح أن تكون الشخصية المنوي استهدافها أمنيّة وفي المستوى نفسه لشكر، الذي يعدّ بمثابة "رئيس الأركان" في الحزب، ما يعادل قائد هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أو قائد المنطقة الشمالية اللذين يترددان بشكل مستمرّ إلى الحدود مع لبنان، وربما يرصد الحزب تحركات رئيسي الموساد أو الشاباك اللذين يسافران على الدوام في المنطقة. وبقيام "حزب الله" باغتيال شخصيّة عسكرية يُمكن أن يعيد توازن الردع بين الجانبين إلى سابق عهده دون أن يُضطر إسرائيل إلى الذهاب نحو الحرب، فقتل قائد عسكري مقابل آخر ليس كتدمير ميناء حيفا مثلاً.
حماية نتنياهو والوزراء
يأتي هذا وإسرائيل تعيش بالفعل أقصى درجات الاستنفار منذ اغتيال شكر في ضاحية بيروت ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنيّة في طهران. وبات من المنطقي الآن أن تتّجه إلى إجراءات أكثر تشدداً في حماية الشخصيات الأمنيّة لديها، وهي كانت قد زادت أصلاً إجراءات حماية بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته.
ووفق "القناة 12"، تتطلب أي مشاركة لنتنياهو والوزراء الإسرائيليين في حدث جماهيري "مساحة محمية"، في إطار التعليمات المقدمة، كما أصدر رئيس "الشاباك" رونين بار أمراً مباشراً يقضي بأن يوافق مسبقاً على أي جولة ينوي نتنياهو أو وزراؤه القيام بها.
وصدرت تعليمات للسفارات الإسرائيلية في الخارج برفع مستوى التأهب لمواجهة "التهديدات المختلفة"، وفي إطار هذه الجهود طُلب من السفراء والممثلين الدبلوماسيين الإسرائيليين خفض ظهورهم، وعدم الذهاب إلى الأماكن المزدحمة.
إلغاء الإجازات وإجراءات متشددة
كذلك، تشمل التدابير المتخذة جميع القطاعات العسكرية والأمنية والمدنية والاقتصادية.
وألغى الجيش الإسرائيلي جميع إجازات الجنود في الوحدات القتالية ضمن حالة التأهب لردّ محتمل من إيران و"حزب الله"، بحسب موقع "واللاه نيوز" العبري، كما أخلى مواقع ومراكز وثكنات عسكرية منها "رامات ديفيد"، القاعدة العسكرية الجوية الوحيدة في الشمال.
وأفادت "القناة 13" بأنّ عشرات المصانع التي تحوي مواد خطرة في الشمال "تلقت أوامر بالإغلاق". وأوضحت أنّ قيادة الجبهة الداخليّة "طلبت من المصانع إيقاف الإنتاج وتفريغ المستودعات والخزّانات التي تحتوي مواد غازية قابلة للانفجار خشيةً من استهدافها بصواريخ حزب الله".
وفي وقت سابق أوقفت إسرائيل حركة النقل بواسطة القطارات بدءاً من حيفا وحتى الحدود مع لبنان، عدا عن وقف الرحلات الجوية لعدد من شركات الطيران العالمية من الدولة العبرية وإليها، مثل الخطوط الجوية المتحدة الأميركية، و"لوفتهانزا" الألمانية، والخطوط الجوية السويسرية، والخطوط الجوية النمساوية، وخطوط بروكسل الجوية، و"يورو وينغز".
كذلك، ثمة توجّه إسرائيلي على ما يبدو إلى إخلاء مناطق سكنية، إذ قال رئيس بلدية صفد يوسي كاكون لإذاعة محلية: "بالنسبة لأولئك الذين لديهم مكان آمن يذهبون إليه، فمن الأفضل أن يغادروا المدينة"، ما عرّضه لانتقادات كبيرة، حتى قال البعض إنّ "رؤساء السلطات المحلية في الشمال فقدوا عقلهم".
وتمّ توجيه جميع سكان شمال إسرائيل، الذين انهالوا على تخزين المواد الغذائية، بالبقاء قرب الملاجئ.
وأكّد رئيس بلدية حيفا يونا ياهف أنّ تقديرات وصلتهم من قيادة الجبهة الداخلية والجيش الإسرائيلي بإمكانية بقاء السكان في الملاجئ لمدة أربعة أيام متواصلة.
بدورها، أصدرت المجالس الإقليمية القريبة من الحدود مع لبنان تعليمات للمستوطنين بالابتعاد، والحدّ من التجمعات، وإغلاق حمامات السباحة والملاعب الرياضية، ووقف البناء غير الضروري، كما منع الجيش الإسرائيلي المزارعين من الاقتراب من حقولهم.