"كنا في انتظار رد حزب الله، فأتى الرد من الله"، هكذا علّق لبنانيون بتهكّم على الهزّة الأرضية التي ضربت ليل الإثنين - الثلاثاء لبنان وسوريا والأردن وشعر بها سكّان مناطق لبنانية عدّة.
في الأيام الأولى التي تلت مقتل القيادي البارز في الحزب فؤاد شكر في ضربة إسرائيلية في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت، ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران، عاش اللبنانيون حالة من الرعب في انتظار الرد المفترض لـ"حزب الله" وإيران على العمليتين، وما يمكن أن يتبعه من رد إسرائيلي على الرد يدفع بالبلاد المترنّحة أصلاً ومعها المنطقة إلى جحيم حرب واسعة.
تأخّر الرد وانحسر الرعب وتحوّل التصعيد إلى تهديدات متبادلة بين بيروت وطهران وتل أبيب، وانقلب الانتظار في الدول الثلاث إلى موجة من التعليقات الساخرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي سلاحاً وحيداً في مواجهة لا حول لهم ولا قوة فيها.
وتقول يارا، الشابة اللبنانية التي تدرس في لندن وتمضي إجازتها في لبنان: "إذا بدأت الحرب، لن أذهب إلى البحر في حارة حريك (الضاحية الجنوبية لبيروت حيث استُهدف شكر)، أفضّل البترون".
اعتاد اللبناني أن يعوّض بالنكات عن المآسي التي تكاد لا تغادر إحداها دياره، حتى تحط الثانية. حرب وأزمة ودمار، كل هذا ليس مهمّاً. يتأقلم اللبناني مع الأحداث وهو المراقب والمحلّل والعالم "بالشاردة والواردة"، من لبنان إلى الإقليم وأوروبا وأميركا والعالم.
يهرب اللبناني من أزماته فيجدها في نِكاته، ولم يكن ينقصه إلا الحرب حتّى يُخرج من جعبته الجانب الفكاهي فيه، فيختار ما يراه وما يسمعه ليُنسجه في نكتة أو نهفة أو فيديو أو تدوينة. فكل الأحداث وما ينتظر هذا البلد خاضع لـ"التغيير أو التعتير".
ويبدو أن الشعور هو نفسه في إسرائيل، وحتى في إيران التي تتزايد أيضاً فيها التكهّنات بشأن الضربات والضربات المضادّة، فوجد الناس متعة في كل هذا الخوف.
وكتب أحد المستخدمين في قسم التعليقات على موقع "إنستغرام": "نحن الإيرانيين لم نأخذ الرد على محمل الجد. لماذا يأخذونه على هذا النحو؟".
وعندما تحدّث الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله عن توقيت الضربة الانتقامية ضدّ إسرائيل بقوله: "ربما الليلة، ربما غداً، ربما بعد أسبوع"، لبثّ الخوف في نفوس الإسرائيليين، جاءه الرد ضاحكاً، إذ كتب اسرائيلي على منصة "إكس": "تبدو (الضربة) مثل زوجتي عندما أطلب إقامة علاقة جنسية معها".
أمّا في لبنان، فاستعان مغرّد بدعاية اللوتو قائلاً: "إذا مش الإثنين الخميس"، في إشارة إلى اليومين اللذين تُسحب فيهما نتائج اللوتو أسبوعياً.
دخلت الحرب يوميّات الشعب اللبناني فانضمّت إلى لائحة أزماته اليومية المعتادة من الكهرباء والمياه والزحمة والأزمة الاقتصادية والعد يطول ويطول... لكنّه لم يتأخّر بالهروب من كل مشاهد القصف والدمار فقلَب مآسيه إلى نهفات، هارباً من واقع تعيس لم يكن على الأرجح يرغب بتجربته.
ما استجدّ في الأيام الماضية كان جدار الصوت، الذي تخرقه الطائرات الإسرائيلية بشكل شبه يومي فوق لبنان، فيختلف تأثيره بين منطقة وأخرى "حسب ما بدّو الطيارجي".
شكّل هذا الاستفزاز الإسرائيلي مادة ملأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لدى اللبنانيين، في مقاطع الفيديو لروّاد الشاطئ أثناء دويّ صوت الجدار، إلى النكات والتوقّعات، والمحادثات عبر تطبيق "واتساب" بين الأفراد.
قصف وجدار صوت، واللبناني لا يهتزّ ولا يهتم... مقولة "نحن ما مننهار" تجتاح الصفحات وتثير سجالات. يختلفون بالسياسة فتجمعهم النهفات، فيختلفون على صوت الجدار وأين كان أقوى!
وتقول إحدى النكات التي تحوّلت "تريند": "جدار الصوت يكلّف إسرائيل 40 ألف دولار. أعطونا المبلغ (كاش) ونحن نخيف بعضنا البعض".
وفي تل أبيب، انتشرت صور لقمصان مكتوب عليها "أنا أحب القبّة الحديدية"، في إشارة إلى نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي. وأعلنت الحانات والمطاعم عروض مشروبات بأسماء الصواريخ.
وانتشرت أخيراً رسالة على تطبيق "واتساب" في الدول العربية تسخر من إيران وحلفائها لتلويحهم بالرد مراراً من دون أن ينفّذوه بعد.
وتسأل الرسالة: "هل ستحبّني إلى الأبد... إلى الأبد، حتى يختفي الكون، وتحترق النجوم وتردّ إيران".
وفيما تتزايد التعليقات والنكات ويحشد أصدقاء اسرائيل ترساناتهم في المنطقة، ويمضي "محور المقاومة" في حربه النفسية ضد إسرائيل، يستعيد اللبنانيون حياتهم الطبيعية، وتكتظ بهم الشواطئ، وتضيء السهرات ليالي المصايف، تعبيراً عن حبّ الشعب اللبناني الحياة وتحدّي المشاكل بالترفيه.
إلا أن هذا الوضع لم يعجب "حزب الله". وشكا رئيس كتلة الحزب في البرلمان اللبناني النائب محمد رعد في 26 حزيران (يونيو) من أن "بعض النزقين من اللبنانيين يريدون أن يرتاحوا وأن يذهبوا إلى الملاهي وإلى شواطئ البحار ويريدون أن يعيشوا حياتهم"، معتبراً أن "هذه الفردية القاتلة والنفعية الأنانية تدمّر مصالح الأوطان والمجتمعات".
تحوّل هذا الموقف جبهة مفتوحة على مواقع التواصل الاجتماعي والرد بالرد، إلى أن أجمع معارضو الحرب و"حزب الله" على مقولة "نحتفظ بحق الرد في المكان والزمان المناسبين".
بين السياسة والحياة اليومية وما نعيشه، لجأ اللبناني إلى المكان الذي يجتهد فيه: الفكاهة، إذ لا مجال للخروج من كل الأزمات والمشاكل والأحداث إلا من خلال النِكات والنهفات، فأصبحت الضحكة على أجساد المآسي مسموحة من دون عقاب.
إقرأ أيضاً: