النهار

النهار

"يوم الأربعين"... ردّ "حزب الله" يُنهي احتمالات الحرب الشاملة
نادر عزالدين
نادر عزالدين
المصدر: النهار العربي
بصرف النظر عن مدى صحّة ما تمّ تسويقه من قبل الجانبين، ثمّة حقيقة واحدة باتت أوضح: لا أحد يريد حرباً إقليميّة واسعة في الوقت الراهن.
"يوم الأربعين"... ردّ "حزب الله" يُنهي احتمالات الحرب الشاملة
اعتراض طائرة مسيّرة تابعة لـ"حزب الله" في شمال إسرائيل (ا ف ب)
A+   A-

تعدّدت الروايات وتباينت بشأن ردّ "حزب الله" على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر وما إذا كانت "عمليّة يوم الأربعين" قد حقّقت فعلاً هدفها المنشود، أم أنّ "الضربة الاستباقية" التي قالت إسرائيل إنّها نفّذتها لتفادي هجوم أوسع وضعت حدّاً للهجوم الانتقامي، وبصرف النظر عن مدى صحّة ما تمّ تسويقه من قبل الجانبين، ثمّة حقيقة واحدة باتت أوضح: لا أحد يريد حرباً إقليميّة واسعة في الوقت الراهن.

 

سرديّة "حزب الله" وثوابته

من ناحية "حزب الله"، كان هناك التزام برواية محدّدة ومنسّقة للتطوّرات التي شهدها جانبا الحدود منذ البيان الأوّل الذي أصدره في الصباح الباكر، وما تلاه من بيانات سبقت خطاب أمينه العام السيد حسن نصرالله عند السادسة مساءً (الرابعة بتوقيت غرينيتش). خلال هذه الساعات، تشدّد التنظيم في إبقاء الهدف الرئيسي الذي حقّقته المرحلة الثانية من الهجوم المركّب سرّاً لا يُفصح عنه سوى زعيمه، بعدما أعلن صراحة أنّه "تمّ الانتهاء من المرحلة الأولى بنجاح كامل" مع استهداف أكثر من عشر قواعد عسكريّة في الشمال "تسهيلاً لعبور المسيّرات الهجومية باتجاه هدفها المنشود في عمق الكيان"، أي باتجاه تل أبيب.

 

وحرص "حزب الله" على تأكيد خمسة ثوابت في روايته للحدث، أنّ تأخّر ردّه يعود لـ"اعتبارات سياسية" أهمها إعطاء فرصة لمفاوضات الدوحة أملاً بالتوصّل إلى وقف إطلاق نار نهائي لمصلحة الشعب الفلسطيني، وأنّه "وفى بوعده" بالردّ على قصف الضاحية الجنوبية واغتيال شكر باستهداف منشأة في تل أبيب، وأنّ ذلك نجاح  كبير في ظلّ الاستنفار الإسرائيلي من شأنه "استعادة قواعد الردع والدفاع" عن العمق اللبناني والمدنيين، وأنّه اختار ردّاً لا يجرّ المنطقة برمّتها إلى حرب شاملة بسبب "عدم رغبته" بذلك، وأخيراً أنّ جبهة الجنوب ستبقى مفتوحة في إطار الإسناد لغزّة.

 

"عمليّة تمويه"

فضلاً عن ذلك، كرّرت أوساط "حزب الله" نفيها القاطع لقيام الجيش الإسرائيلي بأي عملية استباقية استهدفت منصات صواريخ كانت مُعدّة للمشاركة في الردّ.

 

وتقول مصادر في التنظيم، لـ"النهار"، إنّ "عمليّة تمويه كبيرة" سبقت الردّ على اغتيال شكر، وبالتالي هناك مرحلة غير مُعلن عنها كان عنوانها الإشغال والخداع  "لضمان نجاح المرحلتين اللاحقتين"، كاشفة أنّ "مقاتلي حزب الله نشروا منصات صواريخ وهمية في جنوب لبنان لإلهاء الإسرائيليين، الذين قاموا بقصفها بالفعل معتقدين أنّها مُعدّة لاستهدافهم، إضافة إلى أنّهم استهدفوا مواقع جرى إخلاؤها منذ مدّة وهذا يُعدّ فشلاً استخباريّاً".

 

هذه المرحلة التي "خُدع فيها الإسرائيلي"، سمحت لـ"حزب الله" بالانتقال إلى هجوم على مرحلتين، فاستهدف بواسطة 340 صاروخ كاتيوشا 11 موقعاً عسكريّاً إسرائيليّاً بداية، وكان المُراد من ذلك إشغال منظومة القبّة الحديدية، تمهيداً لتمرير المسيّرات الهجوميّة بعدها من جنوب لبنان والبقاع باتجاه الهدفين الحقيقيين، هما قاعدة غليلوت في تل أبيب وتبعد 110 كلم عن الحدود مع لبنان، وقاعدة الدفاع الصاروخي في عين شيمر وهي أبعد مسافة من الهدف الأول.

 

وتقول مصادر التنظيم: "كان من الطبيعي أن نوجّه صواريخنا إلى مواقع وثكنات عسكريّة، فإن حققت إصابات فهذا شيء جيّد، وإن أشغلت الدفاعات الإسرائيلية فهو الأمر المطلوب"، شارحة أنّ "تقنيّة القبة الحديدية تُحدّد ما إذا كان الصاروخ الذي ترصده متجهاً صوب هدف حيوي، وبالتالي تتصدّى له، ولكن إن كان متجهاً إلى منطقة فارغة فإنّها لا تعمل".

 

"روايات" إسرائيلية

وفي مقابل سرديّة "حزب الله"، كان هناك تباينات في "الروايات" الإسرائيلية لما حدث.

 

وفي وقت مبكر من الصباح، أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت يشرفان على عمليات الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان من الغرف المحصنة في الكيرياه في تل أبيب، مشيرة إلى أنّ "حزب الله كان ينوي ضرب مقر وزارة الدفاع ومطار بن غوريون". وتحدثت "القناة 12" عن أنّ التنظيم اللبناني "كان ينوي إطلاق 6000 صاروخ ومسيرة خلال الصباح، بما في ذلك باتجاه تل أبيب".

 

بعدها، أفاد بيان رسمي صادر عن الجيش الإسرائيلي بأنّ "نحو 100 طائرة حربية لسلاح الجو أغارت ودمّرت آلاف منصات إطلاق قذائف صاروخية لحزب الله ومعظمها كانت موجّهة نحو الشمال وبعضها أيضاً إلى الوسط". تبنّى نتنياهو سرديّة "إحباط آلاف المنصات"، قائلاً: "رصدنا استعدادات حزب الله لشن هجمات وأصدرنا التعليمات للجيش بتحقيق ضربة استباقية".

وسرعان ما خرج مُشكّكون في الرواية الرسمية، فقال رئيس معهد أبحاث الأمن القومي اللواء احتياط تامير هايمان: "لو كان حزب الله خطط بالفعل لإطلاق 6000 صاروخ ومسيرة نحو الشمال والمركز، كما تشير بعض التقارير، لرأينا بيروت تشتعل الآن. لا يمكن أن تكون هذه هي الخطة، والرد الإسرائيلي على خطوة كهذه سيعني بدء حرب شاملة".

 

كذلك، اعتبر المحلل العسكري روعي شارون، في تصريح لـ"هيئة البث الإسرائيلية"، أنّ "شيئاً ما غير متطابق في الروايات ولا يمكن تفسيره"، مضيفاً: "ربما أراد حزب الله ضرب مئات وليس آلاف الصواريخ. ليس كل المنصات التي استُهدفت كانت موجهة لأهداف استراتيجية".

 

أما "القناة 12" فكشفت عن خلافات داخل الحكومة وفي حزب الليكود على "طبيعة وحجم" الضربة الإسرائيلية الاستباقية، ما دفع بنتنياهو إلى منع وزراء ونواب الليكود من إجراء مقابلات إعلامية.

 

تزامن ذلك مع نصيحة وجهتها وسائل إعلام عبرية لنتنياهو والأجهزة الأمنية بـ"الاعتراف بالمقرّ الحساس" الذي جرى استهدافه قبل خطاب نصرالله "حفاظاً على سمعتهم"، فيما كانت "يديعوت أحرونوت" أوّل من كشف أن قاعدة غليلوت، حيث مقرّ الموساد ومقر الوحدة 8200، من ضمن "الأهداف التي كان ينوي حزب الله مهاجمتها" دون أن تؤكّد ما إذا أصيبت بالفعل أم لا.

وابتداء من بعد الظهر، تبدّلت لهجة الجيش الإسرائيلي من "إحباط كامل" إلى "إحباط معظم" الهجوم، وفقاً للمتحدث باسمه دانيال هغاري. تبع ذلك تبرير من "إذاعة الجيش الإسرائيلي" يقول إنّ "حزب الله لم يكن يعتزم إطلاق آلاف الصواريخ على الأراضي الاسرائيلية والخطة كانت إطلاق المئات فقط، ومعظمها إلى الشمال"، وأضاف المصدر نفسه: "إذا كان التنظيم خطط لإطلاق مئات الصواريخ، وتمكن من إطلاق 210 منها و20 طائرات من دون طيار، فإنّ هجومه لم يتم إحباطه بالكامل، بل جزئياً".

 

عود على بدء، تشير المعطيات إلى أنّ "حزب الله" اكتفى بهذا الردّ في المرحلة الحالية، بصرف النظر ما إذا كان قد أصاب هدفيه أم أحدهما أم لم ينجح بذلك، وهذا ما أكّده نصرالله في خطابه عندما ربط بين "الرضا" عن نتائج العمليّة وانتهائها، لكنّه في الوقت ذاته قرّر "الاحتفاظ بحق المتابعة لاحقاً" إذا لم تُعجبه النتائج، قائلاً "يُمكن للبلد أنّ يعود الى حياته الطبيعية". في المقابل أكّدت إسرائيل أنّ الأمور انتهت بالنسبة إليها عند هذا الحدّ. وبالتالي لا أحد من الجانبين معني بحرب شاملة، فالحزب شنّ هجوماً مدروساً ومحسوباً بدقّة متناهية، ونتنياهو ضخّم "العمليّة الاستباقيّة" إعلامياً لابتلاع الحدث وتجنّب التصعيد.

 

 

 

هذا الاستنتاج مردّه إلى طبيعة العمليّة العسكريّة التي شنّها التنظيم اللبناني، وطريقة التعامل الإسرائيلي مع الحدث.