رغم المواجهة العسكرية الواسعة النطاق بين "حزب الله" وإسرائيل الأحد، إلا أن الطرفين مارسا "ضبط النفس" خشية انزلاق التصعيد الى حرب. فهل خيار المواجهة الشاملة بينهما على وقع الحرب في قطاع غزة ما زال قائما؟
ماذا حصل؟
غداة شنّ حركة "حماس" هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، فتح "حزب الله" عبر الحدود اللبنانية ما أسماه "جبهة إسناد" لقطاع غزة، ويقول إنه يستهدف مواقع عسكرية إسرائيلية في هجماته اليومية. وتردّ اسرائيل منذ ذاك الحين بقصف مناطق عدة في لبنان، مؤكدة أنها تستهدف بنى تحتية لـ"حزب الله" ومقاتليه.
ورغم أن الطرفين يتبادلان القصف يوميا منذ أكثر من عشرة أشهر، إلا أن منسوب التوتر ارتفع مؤخرا بعد مقتل القائد العسكري البارز في "حزب الله" فؤاد شكر بغارة اسرائيلية في الضاحية الجنوبيّة لبيروت في 30 تموز (يوليو)، ثم اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" اسماعيل هنيّة بعد ساعات في طهران بضربة نسبت الى إسرائيل.
وتوعّدت طهران و"حزب الله" بالردّ على مقتلهما.
صباح الأحد، أعلنت إسرائيل إحباط "جزء كبير من هجوم" شنّه "حزب الله" على أراضيها، مشيرة الى أنها نفّذت ضربات استباقية، فيما أكّد الحزب أنه استهدف بشكل أساسي قاعدة للاستخبارات العسكرية قرب تل أبيب، رداً على اغتيال شكر.
ونفّذت إسرائيل على مدى ساعات غارات وقصفا مدفعيا على مناطق عدة في لبنان أسفرت عن مقتل ثلاثة مقاتلين من "حزب الله" وحليفته حركة أمل.
وقال الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله الأحد إن "غارات العدو بدأت قبل نصف ساعة" من الهجوم، معتبرا أن إسرائيل قد تكون تنبّهت "لتحركات" مقاتلي "حزب الله" على الأرض. وأوضح أن حزبه أطلق 340 صاروخ كاتيوشا على 11 موقعاً وثكنة إسرائيلية في شمال سوريا وهضبة الجولان المحتلة، إضافة الى عشرات المسيّرات تجاه "أهداف عسكرية في العمق"، أبرزها قاعدة جليلوت التي قال نصرالله إنها شكّلت "الهدف الأساسي" للعملية.
وتقع قاعدة الاستخبارات العسكرية التي تضمّ أيضا مقر الموساد، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، على مشارف تل أبيب في وسط إسرائيل.
إلا أنه وفق الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري، لم تصب أي قاعدة عسكرية إسرائيلية لا في شمال البلاد ولا في وسطها.
بعد انتهاء التصعيد الذي استمر بضع ساعات، عاد تبادل إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" الى مستواه اليومي المعتاد.
كيف تصرّف الطرفان؟
أظهر "حزب الله" وإسرائيل، وفق مصدر ديبلوماسي غربي في بيروت تحفّظ عن كشف هويته، "ضبطا للنفس"، إذ إن هجوم الحزب "لم يثر رد فعل واسع النطاق".
ويقول لوكالة "فرانس برس": "ساهمت الضغوط الديبلوماسية في تجنّب اندلاع حرب أوسع نطاقا"، من دون أن يستبعد احتمال تدهور الوضع بشكل مفاجئ.
وأعلن "حزب الله" "إنجاز" عمليته العسكرية على إسرائيل. ووصف نصرالله إعلان الأخيرة اعتراض عدد كبير من الصواريخ وتدمير منصات صواريخ ومرابض مسيّرات بـ"ادعاءات كاذبة".
وبحسب الباحثة في مركز تشاتام هاوس لينا الخطيب، أراد الحزب "حفظ ماء وجهه" عبر إعلان نجاح هجومه، مع ضمان "عدم جرّ لبنان إلى تكرار" حرب مدمّرة كما في صيف 2006.
وتقول للوكالة إن الحزب "يشعر بأنه تحت الضغط للحفاظ على مصداقيته كحليف لحماس". لكنّ "هدفه النهائي في النزاع هو الحفاظ على الذات. لذا، فهو يستخدم الدعاية بدلا من عمل عسكري من شأنه أن يشعل حربا شاملة".
ويحاول الطرفان، وفق الباحث في مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط مايكل يونغ، تقديم "سرديته" لتوصيف ما حصل.
ورأى يونغ في مقال نشره الأحد، أن ادعاء إسرائيل تنفيذ ضربات استباقية "يتيح لها المجال لتجّنب تصعيد أكبر في لبنان"، في حين أن "حزب الله" "نفى بشدة" تمكّن الدولة العبرية من تعطيل هجومه.
هل من حرب شاملة؟
في حين قال نصرالله إن حزبه سينتظر ويقيّم نتيجة ضرباته الأحد ليقرّر ما إذا كان سيقوم بردّ آخر على مقتل شكر، حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أن إسرائيل لم تقل "كلمتها الأخيرة" في ضرباتها على لبنان.
ويعرب المحلل الإسرائيلي مايكل هورويتز عن اعتقاده بأنّ الحرب الشاملة "قد تحصل"، لكنه يشير في الوقت ذاته الى "ضغوط داخلية" في إسرائيل مع نزوح عشرات الآلاف من الإسرائيليين من المناطق الحدودية مع لبنان.
ويقول لمكتب فرانس برس في القدس: "الخيار العسكري.. سيء لأن لإسرائيل لا تستطيع أن تهزم حزب الله بسرعة" مع امتلاكه "ترسانة صواريخ أكبر بكثير من تلك التي تمتلكها حماس". لكن "الخيار الديبلوماسي سيء أيضاً لأنه.. لم يثمر أبداً"، وفق قوله.
ولا يريد "حزب الله" الدخول في مواجهة عسكرية باهظة الثمن.
ويقول مصدر مقرّب من الحزب للوكالة، من دون الكشف عن هويته، "لا يريد حزب الله حربا إقليمية، وكان هدف ردّه الأحد ردع اسرائيل" بالدرجة الأولى.
في كلمته الأحد، أوضح نصرالله أنّ حزبه تريّث في الردّ على مقتل شكر لعوامل عدة بينها أن "نعطي الفرصة" لمفاوضات غزة، لأن "هدفنا أساسا من كل هذه الجبهة.. وقف العدوان" على قطاع غزة.
بالإضافة الى "حزب الله" وإيران، توعّد المتمردون اليمنيون، وهو طرف أيضا في "محور المقاومة" الذي تقوده طهران، بتنفيذ ضربات على إسرائيل ردّا على قصفها ميناء الحديدة في اليمن الذي يسيطر عليه الحوثيون.
وأكّد زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي الشهر الحالي أن "الردّ الحتمي" على الضربة الإسرائيلية "آت، آت".
وتوعّدت إيران التي اتهمت إسرائيل بالوقوف وراء اغتيال هنية، بردّ "مكلف" جزم وزير خارجيتها عباس عراقجي الأحد أنه "حتمي".
وأضاف: "نحن لا نخشى التصعيد، لكننا لا نسعى إليه أيضا، بخلاف إسرائيل".