وصلت الرسالة. بكل احترام كتب "مُرسلها": can i ask you for something?. التفاعل مع الطلب... إيجابي، تلقائي، سريع. المُرسل صديق. يُفترض أنه مؤتمن. "لا داعي للهلع". ليس هناك ما يدعو إلى أي شك. ثوانٍ قليلة قلبت الصورة. الثقة انقلبت شكاً. اليقين لاحقته علامات الاستفهام. حساب "إنستغرام" المُوثّق أصبح خارج سيطرة "البيئة الحاضنة".
مُتلقي الرسالة فَقَدَ حسابه بثوانٍ. أجاب بكلمة ترحيب بديهية على المرسل... ففقد السيطرة. لم يفعل سوى هذا. أجاب وكان هذا كافياً. عشرات الاتصالات وصلته من أصدقاء لبنانيين دفعة واحدة. كيف نستطيع أن نساعدك؟ ظن الجميع أن الـCan i ask for something حقيقية. ما تلقاه هو انتقل من دون قصد إلى متابعيه في كل مكان. حتى من هم في الخارج وصلتهم الرسالة نفسها: Can i...?. سقطوا هم أيضاً في فخ السائل "المُحترم"!! سقط الكل. القصة ليست حادثة فردية.
سريعاً حاول المتلقي تغيير كلمة المرور القوية قبلاً، الهشة الآن. حاول مراراً وفشل كثيراً. الحساب لم يعد له. مصدر الاختراق: إسرائيل.
ضاق الزمن على المتلقي الأول. أقلقه فقدانه حسابه. أقلقه أيضاً إمكان تفاعل كل متابعيه مع ما يمكن أن يكون قد وصلهم باسمه. المسألة ليست لعبة. في البال، حرب إلكترونية، سيبرانية، لا تقل ضراوة عن معارك الميدان عند الجبهة الجنوبية للبنان. في البال، العبث بالمعلومات الشخصية، وقِس على ذلك.
"سَيْبِر طوفان الأقصى"
على مستويات مختلفة تُخاض الحرب هذه؛ على مستوى الدول، الحكومات، المؤسسات الأمنية والعسكرية وعلى مستوى الأفراد. حرب في اتجاهين شرق أوسطياً. من إسرائيل وإليها. منها أكثر مما هو إليها، وإن انشغلت تل أبيب بعيد طوفان الأقصى بطوفان إلكتروني مختلف. هاكرز فلسطينيون أطلقوا على أنفسهم تسمية "سايبر طوفان الأقصى". المجموعة هذه استخدمت شعار كتائب عز الدين القسام إلى جانب شعارها الخاص، وأرسلت تهديدات إلى المؤسسات العسكرية الإسرائيلية.
وبالفعل، أعلنت "سيبر طوفان الأقصى" في بيانها الأول "اختراق عدد من المواقع المرتبطة بوزارة الدفاع الإسرائيلية مستحوذة على قاعدة بيانات لعدد من المجندين وجنود الاحتياط وأرقامهم، ومعلومات أخرى تتعلق بمعلومات حساسة أعلنت أنها ستكشف تفاصيلها تباعاً، كما توعدت بأنها ستستخدم هذه البيانات ضمن منظومة هجمات أخرى".
عدد محاولات الهجمات الإلكترونية "على أنظمة الحاسوب التابعة للجيش (الإسرائيلي) وصل إلى 3 مليارات هجوم"، حسبما كشفت قائدة وحدة مركز الحاسبات وأنظمة المعلومات التابعة للجيش الإسرائيلي، راحيلي ديمبينسكي، في حديث مع "هآرتس".
لبنان في قلب الحرب الإلكترونية
الأبواب في لبنان مُشرعة. الاختراقات الإسرائيلية كثيرة وخطيرة. لم تتوقف. لن تتوقف. حرب الميدان متواصلة وحتى أنها تتواصل إلكترونياً بالضراوة عينها. الفارق أنها لا تميز بين منطقة وأخرى، أو بين فريق وآخر. الكل مهدد. الكل مُعرّض مهما اتخذ من احتياطات.
قطاع الاتصالات في لبنان في حال لا يُحسد عليها. اللبنانيون يفشلون مراراً وتكراراً في إجراء حتى مكالمة هاتفية أو حتى الولوج إلى الإنترنت. السبب خلف هذا هو التشويش والاختراقات السيبرانية الإسرائيلية. خدمات هيئة أوجيرو وشركتي الاتصالات الخلوية في لبنان عرضة لهجمات متواصلة. هجمات تضعف جودة الخدمات.
مصادر هيئة "أوجيرو" تقول إنه لا يمكن إيقاف محاولات الاختراق تماماً مهما كانت تقنيات المواجهة والحماية متطوّرة؛ فشركات كبرى مثل "غوغل" و"فايسبوك"، تتعرّض دائماً لمحاولات اختراق رغم وجود التمويل وبرامج الحماية المتطوّرة. محاولات الاختراق المتواصلة هذه توازيها "شويشات" تطال كذلك، وبقوة، نظام الـ GPS في لبنان.
تُجّار الحروب الإلكترونية
تفاعلُ متلقي الهجمات يختلف. المؤسسات الكبرى، حكوميةً وأمنية، خاصةً أو رسمية، تبدو أكثر هدوءاً في التعامل مع الهجمات الإلكترونية، بعكس تفاعل الأفراد.
المقرصن "الهاكر المحترم" ترك ضحاياه من المواطنين اللبنانيين أمام الفوضى، وهي البيئة المناسبة تماماً لتجار الحروب!! تجّار؟ وحروب؟ حقيقة الأمر أنه كما يستفيد التجار مما يجري على هامش الحروب العسكرية، يستفيد المتخصصون من الهجمات الإلكترونية.
"المتلقي الأوّل" حاول تغيير كلمة المرور واستعادة حسابه ففشل بداية. فشل طويلاً قبل أن يستعيده متّبعاً إرشادات شركة META. مهلة الانتظار قد تمتد من 24 ساعة إلى أربعة أو خمسة أيام. هذه المهلة الثقيلة، مع ما فيها من شكوك باستعادة الحساب الإلكتروني أو فقدانه، تدفع ضحايا الهاكر باتجاه "تجار الحروب الإلكترونية"، ويدور الحوار:
- مرحبا، فقدت حسابي على "انستغرام"، هل تمكن استعادته.
- تمكن، مقابل.... دفعة أولى ودفة ثانية مع استعادته.
يطلب "تجار الحروب" كلمات المرور، والتفاصيل الشخصية للضحية. المبالغ في لبنان تبدأ بـ70 دولاراً وصولاً إلى 300 أو 600 دولار بحسب الحالة. ليس بالضرورة أن تكون هناك معايير. قد تكون المسألة مجرد ضربة حظ ورقم مطلوب من فاقد حسابٍ قلق. الابتزاز هنا يكون مزدوجاً. يسقط المواطن ضحية للهاكرز ليُكمل عليه تجار الحروب الإلكترونية. القصة تبقى متفاعلة. كل يوم ثمة ضحايا جدد. كل يوم ثمة من يسفيد ومن يقلق. حرب الميدان تتواصل. الحرب الإلكترونية وجه آخر لها. للقصة بقية.